أعلى النعيم رؤية العلي العظيم

د. محمود بن أحمد الدوسري

2025-08-29 - 1447/03/06 2025-09-16 - 1447/03/24
عناصر الخطبة
1/أعظم لذات المؤمنين رؤية ربهم 2/من الآيات الدالة على رؤية المؤمنين ربهم 3/من الأحاديث الدالة على رؤية المؤمنين ربهم 4/منهج أهل السنة في التعامل مع أحاديث الصفات

اقتباس

أَنَّ كَمَالَ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَسَمَاعِ كَلَامِهِ، وَقُرْبِهِ، وَرِضْوَانِهِ، وَالتَّلَذُّذِ وَالتَّمَتُّعِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَجَمَالِهِ الْبَاهِرِ، الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَإِذَا رَأَوْهُ؛ نَسُوا مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، وَحَصَلَ لَهُمْ مِنَ اللَّذَّةِ وَالسُّرُورِ مَا لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَمِمَّا ثَبَتَ أَنَّ رُؤْيَةَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمُ نَعِيمٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ عَبَدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَهِيَ أَعْلَى اللَّذَّاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَأَجَلُّهَا قَدْرًا، وَأَقَرُّهَا لِعُيُونِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَأَشَدُّهَا عَلَى أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالْفُرْقَةِ، وَهِيَ الْغَايَةُ الَّتِي شَمَّرَ إِلَيْهَا الْمُشَمِّرُونَ، وَتَنَافَسَ فِيهَا الْمُتَنَافِسُونَ، وَتَسَابَقَ إِلَيْهَا الْمُتَسَابِقُونَ، وَلِمِثْلِهَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ، إِذَا نَالَهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ نَسُوا مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، وَحِرْمَانُهَا وَالْحِجَابُ عَنْهَا لِأَهْلِ الْجَحِيمِ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ.

 

وَقَدِ اتَّفَقَ عَلَى الرُّؤْيَةِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-، وَجَمِيعُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-، وَالتَّابِعُونَ، وَأَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ عَلَى تَتَابُعِ الْقُرُونِ، وَأَنْكَرَهَا أَهْلُ الْبِدَعِ الْمَارِقُونَ، وَالْجَهْمِيَّةُ الْمُتَهَوِّكُونَ، وَالْبَاطِنِيَّةُ الَّذِينَ هُمْ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْيَانِ مُنْسَلِخُونَ، وَالرَّافِضَةُ الَّذِينَ هُمْ بِحَبَائِلِ الشَّيْطَانِ مُتَمَسِّكُونَ، وَلِلسُّنَّةِ وَأَهْلِهَا مُحَارِبُونَ، وَلِكُلِّ عَدُوٍّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ مُسَالِمُونَ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ رَبِّهِمْ مَحْجُوبُونَ، وَعَنْ بَابِهِ مَطْرُودُونَ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ:

قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[يُونُسَ: 26]، فَالْحُسْنَى: هِيَ الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ-تَعَالَى-.

 

ومنها: وَقَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ-: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[الْقِيَامَةِ: 22 - 23]، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أَنْتَ إِذَا أَجَرْتَ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ تَحْرِيفِهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا وَالْكَذِبِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ بِهَا -سُبْحَانَهُ- فِيمَا أَرَادَ مِنْهَا؛ وَجَدْتَهَا مُنَادِيَةً نِدَاءً صَرِيحًا: أَنَّ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ- يُرَى عِيَانًا بِالْأَبْصَارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ أَبَيْتَ إِلَّا تَحْرِيفَهَا الَّذِي يُسَمِّيهِ الْمُحَرِّفُونَ تَأْوِيلًا؛ فَتَأْوِيلُ نُصُوصِ الْمَعَادِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَالْمِيزَانِ وَالْحِسَابِ، أَسْهَلُ عَلَى أَرْبَابِهِ مِنْ تَأْوِيلِهَا، وَتَأْوِيلُ كُلِّ نَصٍّ تَضَمَّنَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ كَذَلِكَ، وَلَا يَشَاءُ مُبْطِلٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَأَوَّلَ النُّصُوصَ وَيُحَرِّفَهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا، إِلَّا وَجَدَ إِلَى ذَلِكَ مِنَ السَّبِيلِ مَا وَجَدَهُ مُتَأَوِّلُ مِثْلِ هَذِهِ النُّصُوصِ، وَهَذَا الَّذِي أَفْسَدَ الدِّينَ وَالدُّنْيَا"(حادي الأرواح).

 

ومنها: قَوْلُهُ -عَزَّ مِنْ قَائِلٍ-: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)[ق: 35]، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "يَظْهَرُ لَهُمُ الرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي كُلِّ جُمُعَةٍ"(تفسير ابن كثير)، فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ، وَمَا أَدْرَاكُمْ مَا يَوْمُ الْمَزِيدِ؟! فَفِيهِ زِيَارَةُ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، وَرُؤْيَةُ وَجْهِهِ الْمُنَزَّهِ عَنِ التَّمْثِيلِ وَالتَّشْبِيهِ.

 

ومنها: قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)[الْمُطَفِّفِينَ: 14 - 15]، عَنْ أَشْهَبَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ صَاحِبِ مَالِكٍ قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ لِمَالِكٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَلْ يَرَى الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: لَوْ لَمْ يَرَ الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ يُعَيِّرِ اللَّهُ الْكُفَّارَ بِالْحِجَابِ، فَقَالَ: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَفَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى، قَالَ مَالِكٌ: "السَّيْفَ السَّيْفَ"(شرح أصول اعتقاد أهل السنة، اللالكائي).

 

ومنها: قَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[الْبَقَرَةِ: 223]، (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 44]، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أَمَّا اللِّقَاءُ فَقَدْ فَسَّرَهُ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ بِمَا يَتَضَمَّنُ الْمُعَايَنَةَ وَالْمُشَاهَدَةَ، وَقَالُوا: إِنَّ لِقَاءَ اللَّهِ يَتَضَمَّنُ رُؤْيَتَهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وَاحْتَجُّوا بِآيَاتِ اللِّقَاءِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ رُؤْيَةَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ"(مجموع الفتاوى)، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أَجْمَعَ أَهْلُ اللِّسَانِ عَلَى أَنَّ اللِّقَاءَ مَتَى نُسِبَ إِلَى الْحَيِّ السَّلِيمِ مِنَ الْعَمَى وَالْمَانِعِ؛ اقْتَضَى الْمُعَايَنَةَ وَالرُّؤْيَةَ"(حادي الأرواح).

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ:

عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، قَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)، أَيْ: أَنْكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، رُؤْيَةً مُحَقَّقَةً لَا شَكَّ فِيهَا.

 

وَمِنَ الْأَحَادِيثِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟"، قَالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟"، قَالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)، وَهَذَا مِنْ تَشْبِيهِ الرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ، كَمَا تُرَى الشَّمْسُ فِي الظَّهِيرَةِ، وَالْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَلَيْسَ تَشْبِيهًا لِلْمَرْئِيِّ بِالْمَرْئِيِّ؛ فَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ -سُبْحَانَهُ-.

 

وَمِنَ الْأَحَادِيثِ: قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ، إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)، وَهَذَا أَعْظَمُ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، عِنْدَمَا يَكْشِفُ الرَّحْمَنُ لَهُمْ عَنْ وَجْهِهِ، فَيَتَمَتَّعُونَ بِلَذَّةِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَصِفَةُ الْكِبْرِيَاءِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ -تَعَالَى-.

 

وَمِنَ الْأَحَادِيثِ: قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَـ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ -عَزَّ وَجَلَّ-"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "فبَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُمْ مَعَ كَمَالِ تَنَعُّمِهِمْ بِمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ، لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ تَنَعُّمَهُمْ وَتَلَذُّذَهُمْ بِهِ أَعْظَمُ مِنَ التَّنَعُّمِ وَالتَّلَذُّذِ بِغَيْرِهِ"(مجموع الفتاوى)، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "عَذَابُ الْحِجَابِ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ الَّذِي يُعَذَّبُ بِهِ أَعْدَاؤُهُ، وَلَذَّةُ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ اللَّذَّاتِ الَّتِي يُنَعَّمُ بِهَا أَوْلِيَاؤُهُ"(طريق الهجرتين)، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّلَاةِ: "أَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ).

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ...

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَجِبُ أَنْ نَتَلَقَّى هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ، وَانْشِرَاحِ الصَّدْرِ، لَا بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ، وَضِيقِ الْعَطَنِ، وَلَا بِالتَّكْذِيبِ، فَمَنْ كَذَّبَ بِهَا لَمْ يَكُنْ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِ مِنَ النَّاظِرِينَ، وَكَانَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمَحْجُوبِينَ، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ.

 

وَالْخُلَاصَةُ: أَنَّ كَمَالَ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَسَمَاعِ كَلَامِهِ، وَقُرْبِهِ، وَرِضْوَانِهِ، وَالتَّلَذُّذِ وَالتَّمَتُّعِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَجَمَالِهِ الْبَاهِرِ، الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَإِذَا رَأَوْهُ؛ نَسُوا مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، وَحَصَلَ لَهُمْ مِنَ اللَّذَّةِ وَالسُّرُورِ مَا لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ، وَنَضَرَتْ وُجُوهُهُمْ فَازْدَادُوا جَمَالًا إِلَى جَمَالِهِمْ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ أَنْ يَجْعَلَنَا مَعَهُمْ.

فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا *** مَنَازِلُكَ الْأُولَى وَفِيهَا الْمُخَيَّمُ

وَحَيَّ عَلَى يَوْمِ الْمَزِيدِ الَّذِي بِهِ *** زِيَارَةُ رَبِّ الْعَرْشِ فَالْيَوْمُ مَوْسِمُ

يَرَوْنَ بِهِ الرَّحْمَنَ جَلَّ جَلَالُهُ *** كَرُؤْيَةِ بَدْرِ التِّمِّ لَا يُتَوَهَّمُ

إِذَا هُمْ بِنُورٍ سَاطِعٍ قَدْ بَدَا لَهُمْ *** فَقِيلَ: ارْفَعُوا أَبْصَارَكُمْ فَإِذَا هُمُ

بِرَبِّهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَهْوَ قَائِلٌ: *** سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمُ وَسَلِمْتُمُ

سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، يَسْمَعُونَ جَمِيعُهُمْ *** بِآذَانِهِمْ تَسْلِيمَهُ إِذْ يُسَلِّمُ

يَقُولُ: سَلُونِي مَا اشْتَهَيْتُمْ، فَكُلُّ مَا *** تُرِيدُونَ عِنْدِي، إِنَّنِي أَنَا أَرْحَمُ

فَقَالُوا جَمِيعًا: نَحْنُ نَسْأَلُكَ الرِّضَا *** فَأَنْتَ الَّذِي تُولِي الْجَمِيلَ وَتَرْحَمُ

فَيُعْطِيهُمُ هَذَا، وَيَشْهَدُ جَمْعُهُمْ *** عَلَيْهِ، -تَعَالَى- اللَّهُ، فَاللَّهُ أَكْرَمُ

فَيَا بَائِعًا هَذَا بِبَخْسٍ مُعَجَّلٍ *** كَأَنَّكَ لَا تَدْرِي، بَلَى سَوْفَ تَعْلَمُ

فَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ *** وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ

 

المرفقات

أعلى النعيم رؤية العلي العظيم.doc

أعلى النعيم رؤية العلي العظيم.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات