إلى كل مسؤول: أنت مسؤول

الشيخ د محمد أحمد حسين

2025-07-25 - 1447/01/30 2025-07-27 - 1447/02/02
التصنيفات الفرعية: الدعوة والتربية
عناصر الخطبة
1/وجوب قيام كل مسؤول بما هو تحت يده 2/مسؤولية العالم عما يجري لأهل فلسطين 3/الوصية بفلسطين والمسجد الأقصى المبارك

اقتباس

يُظلَم الإنسانُ في هذا الزمان، يُحرَم الطعامَ، ويُمنَع الشرابَ، ويموت جُوعًا أمامَ أبصار هذا العالَم في هذه الأيام، مع أن العالَم يدَّعي الحضارةَ، ويدَّعي حقوقَ الإنسانِ ورعايةَ الإنسانيَّةِ، ويدَّعِي ويدَّعِي، ولكن الواقع المعاش يُكذِّب كلَّ هذه الدعاوى...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وشفيعَنا وقدوتَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرينَ، وصحابتِه الغُرّ الميامينِ، ومَنْ سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، واستن سنتهم إلى يوم الدين.

 

وبعدُ، أيها المؤمنون، أيها المرابطون في بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ، يا أبناءَ أرضِ الإسراءِ والمعراجِ: يقول نبيُّنا -عليه الصلاة والسلام-، في حديثٍ يرويه عنه ابنُ عمر -رضي الله عنهما-، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "‌كُلُّكُمْ ‌رَاعٍ ‌وَكُلُّكُمْ ‌مَسْؤُولٌ ‌عَنْ ‌رَعِيَّتِهِ: ‌فَالإِمَامُ ‌رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ في بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ في مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"، -صلى الله عليه وسلم وبارك عليك- سيِّدي يا رسولَ اللهِ، وأنتَ تُبيِّن للعالَم وللعالِم وللحاكم والمحكوم، وللراعي والرعية، وللوالد في بيته والأبناء، وللزوجة في بيتها وأبنائها، وتبين كذلك مسؤوليَّة كل فرد من أفراد المجتمع، أمام مَنْ؟ أمام الله -تعالى-، فصلاة الله وسلامه على الهادي البشير، وعلى السيد النذير، الذي جاء رحمة للعالمين، فبين المسؤوليَّات بتفصيلها، وحدودها، وأركانها، حتى أن قارئ الحديث الشريف يدرك أن كل إنسان ولو كان فردًا مسؤول عن حسه وحواسه وأفعاله وأفكاره وأعماله، فأنت يا سيِّدي يا رسولَ اللهِ رحمة للعالمين، رحمة لأمتك، رحمة للمؤمنين، رحمة للبشرية جمعاء؛ (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 107].

 

ولو سألنا العالَم اليومَ حكَّامًا ومحكومينَ، أُسَرًا ومجتمعاتٍ، عن قيامهم بمسؤولياتهم لكان الجواب واضحًا، بل الجواب ما يَشهَدُه العالَمُ من تصرُّفات وأفعال هذا العالَم، بدُوَلِه، ومنظَّماته، وحكوماته وشعوبه، وليس بعيدًا ما يُبتلى به أبناء فلسطينَ في هذه الديار المبارَكة، فهم يُقدِّمون أُنموذجًا واضحًا للعالَم، وللمسؤولين في العالَم، على اختلاف مسؤولياتهم، ومواقعهم، ومنظماتهم، ودولهم وشعوبهم.

 

نعم، أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: يُظلَم الإنسانُ في هذا الزمان، يُحرَم الطعامَ، ويُمنَع الشرابَ، ويموت جُوعًا أمامَ أبصار هذا العالَم في هذه الأيام، مع أن العالَم يدَّعي الحضارةَ، ويدَّعي حقوقَ الإنسانِ ورعايةَ الإنسانيَّةِ، ويدَّعِي ويدَّعِي، ولكن الواقع المعاش يكذب كل هذه الدعاوى، فأين أنتَ سيِّدي يا رسولَ اللهِ مما يعيشه العالَمُ في هذه الأيام؟! وما تعيشه الأمة الإسلاميَّة التي بُعِثتَ إليها، وبُعِثتَ للناس كافَّةً، بشيرًا ونذيرًا.

 

أيها المسلمون: يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، نعم، رغم كل الصعوبات، ورغم كل ما يعانيه أبناءُ ديار الإسراء والمعراج، من رفح جنوبًا، إلى جنين شمالًا، نعم، رغم كل ما يعانيه أبناء هذا الشعب؛ رجالًا ونساء، شيوخًا وأطفالًا، إلا أن الإنسانيَّة ومع الأسف الشديد لا زالت غائبة عن كل ما يجري في هذه الأرض.

 

ألَا وقَف العالَمُ ودولُ العالَمِ والأمةُ الإسلاميَّةُ بدولها، والعربيَّةُ بشعوبها وحُكَّامها، أمَا وقفوا وقفة صادقة تحافظ على الإنسان، وحق الإنسان في الحياة؟! في المأكل والملبس والمسكن؟! وهي أقل الحقوق التي ضمنتها، ليست الشريعة الإسلاميَّة وحدها، بل كل الشرائع السماوية، وكل القوانين والأنظمة والأعراف الدوليَّة، فأين أنت أيها العالم مما يجري عندنا، وما يجري في ديار أخرى؟! يظلم الإنسان على يد أخيه الإنسان، ويموت الإنسان أمام ناظر الإنسانيَّة.

 

اللهمَّ نسألك من علياء هذا المنبر، أن تَمُنَّ علينا وعلى كل المستضعَفين بأمنك وبركاتك وحولك وطولك وقوتك، اللهمَّ اكسُ عريانًا، وأَشبِعْ جائعًا، واسقِ عطشانًا يا ربَّ العالمينَ، وارحم ميتًا وشهيدًا، واشف مريضًا وجريحًا، واكتب النجاة لشعبنا، ولكل من يقع عليه ظلم في هذا العالم، إنك سميع قريب، وبالإجابة جدير، وَصَلَّى الله على سيدنا محمد القائل: "مَا مِنْ راعٍ يسترعيهِ اللهُ رعيةً يموت يومَ يموتُ وهو غاشٌّ لرعيته إلا حرَّم اللهُ عليه الجنةَ"، أو كما قال، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعده، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحبَّ لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

وبعدُ، أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: هذه الأرض المبارَكة التي جعَلَنا اللهُ -سبحانه وتعالى- سُكَّانًا فيها، ومواطنينَ يجب علينا أن ننهض بواجبات المُواطَنة، حتى نكون الجديرينَ والحقيقينَ والذين يمنُّ اللهُ عليهم بأن نكون المرابطينَ في هذه الديار إلى يوم الدين، فهذه الديار المبارَكة التي بارَكَها الله -سبحانه وتعالى- في محكم كتابه العزيز، وأشار إليها حبيبنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم- بأنَّها أرض الرباط وأرض الثبات، وأرض المرابطينَ، إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ وما عليها؛ "يا معاذ، إن الله -عز وجل- سيفتح عليكم الشام من بعدي، رجالهم ونساؤهم وإماؤهم مرابطون إلى يوم القيامة، فمن اختار ساحلًا من سواحل الشام، أو بَيْت الْمَقدسِ فهو في رباط".

 

أيها المسلمون، أيها المرابطون: هذه هي فلسطين، هذه هي ديار الإسراء والمعراج، هذه هي أرض المسجد الأقصى المبارَك الذي لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إليه، وإلى أخويه المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف، هذه الديار المبارَكة هي الديار التي استأمنكم الله عليها، وجعلكم مرابطين فيها، إلى أن يأتي أمر الله وأنتم كذلك، وقد بشرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك"، وأمرُ اللهِ هو العزةُ، هو النصرُ، هو الفَلَاحُ والنجاحُ، في الدنيا والآخرة، أمرُ اللهِ هو عزةُ المسلمينَ إن شاء الله، في هذه الديار، وفي مقدساتها، وفي أرضها المباركة، فاحرصوا أن تكونوا بشارة الحبيب الأعظم -صلى الله عليه وسلم-، وأن تكونوا ورثة الفاروق عمر، الذي قال: "يا محمد -لابن مسلمة- أرأيت لو رأيتم في اعوجاجًا، فماذا أنتم صانعون؟ قال: قومناك ونقومك، فقال الفاروق عمر -رضي الله عنه-: الحمد الذي جعلني من أمة تعدل حاكمها، وتشير عليه بالفلاح والنجاح".

 

أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، يا أحفاد العظماء من أبناء أمتنا، يا أبناء الفاتحين من الصحابة الكرام، وعلى رأسهم الفاروق ابن الخطاب.

 

اللهمَّ رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا، وينتصر لنا، اللهمَّ أرنا الحق حق وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا ووفقنا اجتنابه، اللهمَّ اهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، واغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.

المرفقات

إلى كل مسؤول أنت مسؤول.doc

إلى كل مسؤول أنت مسؤول.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات