إنا لله وإنا إليه راجعون

الشيخ د نواف بن معيض الحارثي

2025-12-05 - 1447/06/14 2025-12-24 - 1447/07/04
عناصر الخطبة
1/فضل قول: "إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ" 2/من ثمرات هذه الكلمة 3/دلالات ومعاني هذه الكلمة 4/ما لا يجوز فعله عند المصيبة

اقتباس

فِي الِاسْتِرْجَاعِ فِي الْـمُصِيبَةِ رَبْطٌ عَلَى الْقُلُوبِ؛ لِئَلَّا تَمِيدَ إِلَى الِاعْتِرَاضِ وَالْـجُحُودِ، وَتَذْكِيرٌ لِلنُّفُوسِ بِأَنَّ الْـمَرْجِعَ إِلَى اللَّـهِ -تَعَالَى-، فَتَهُونُ الْـمُصِيبَةُ وَلَوْ كَانَتْ عَظِيمَةً؛ لِعِلْمِ الْـمُؤْمِنِ الـْمُسْتَرْجِعِ أَنَّ الـْجَزَاءَ عِنْدَ اللَّـهِ -تَعَالَى- عَظِيمٌ، وَأَنَّ مَا يَنْتَظِرُهُ مِنْ ثَوَابٍ أَعْظَمُ مِمَّا فَقَدَ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:      

 

الْحَمْدُ لِلَّـهِ الـْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ، خَلَقَ عِبَادَهُ مِنَ الْعَدَمِ، وَابْتَلَاهُمْ بِالسَّرَّاءِ لِيَشْكُرُوا، وَبِالضَّرَّاءِ لِيَصْبِرُوا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَا يَقْضِي عَلَى مُؤْمِنٍ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَعَلَيْهِ السَّخَطُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، كَانَ قُدْوَةً فِي الصَّبْرِ لِلْمَفْجُوعِينَ الْـمَوْجُوعِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.         

 

أَمَّا بَعْدُ: فأوصيكم بتقوى الله.

 

عن أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّـهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّـهُ: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[البقرة: 156]، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا؛ إِلَّا أَخْلَفَ اللَّـهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا"، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ الـْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّـهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا؛ فَأَخْلَفَ اللَّـهُ لِي رَسُولَ اللَّـهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-"(مسلم).

 

عباد الله: كَلِمَةٌ مُبارَكَةٌ، عَظِيمَةٌ خَيْرَاتُهَا، كَثِيرَةٌ عَوَائِدُهَا وَفَوَائِدُهَا عَلَى عَبْدِ اللَّـهِ المُؤْمِنِ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَاهُ، جَعَلَهَا اللَّـهُ -تَعَالَى- مَلْجَأً لِلْمُبْتَلَيْنَ، وَمُعْتَصَمًا لِذَوِي الْـمَصَائِبِ مِنْ عِبَادِ اللَّـهِ المُؤْمِنِينَ، إِنَّهَا كَلِمَةُ: "إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ".

 

إِنَّ الْـمُؤْمِنَ إِذَا أَكْرَمَهُ اللَّـهُ -تَعَالَى- وَمَنَّ عَلَيْهِ عِندَ مُصَابِهِ وَبَلِيَّتِهِ بِالْفَزَعِ إِلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْـمُبَارَكَةِ الْعَظِيمَةِ، مَعَ الاستحضارِ لِمَعَانِيهَا الْـمُبَارَكَةِ، وَدَلَالَاتِهَا الْعَظِيمَةِ، وَتَحْقِيقِ مَقَاصِدِهَا وَمَرَامِيهَا؛ سَكَنَ قَلْبٌهُ وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ، وَهَدَأَ بَالُهُ وَعَوَّضَهُ اللَّـهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي مُصَابِهِ خَيْرًا.

 

إنَّ هذه الكلمةَ العظيمةَ المبارَكةَ "إنا للـه وإنا إليه راجعون"، لا بدَّ عندَ قولِها من استحضارِ مدلولِها ومعرفةِ مقصودِها، وتحقيقِ غايتِها، لا أنْ تجريَ على لسانِ الإنسانِ دونَ فَهمٍ للمعنى، أو تحقيقٍ للمقصدِ، ومن يتأملُ في دلالةِ هذه الكلمةِ المبارَكةِ يجدُ أنها اشتملتْ على أصلين عظيمينِ وأساسينِ متينينِ، إذا استحضرهُما العبدُ حالَ مُصابِه سلا قلبُه واطمأنتْ نفسُه:

الأصلُ الأولُ: أنْ يستحضرَ أنه عبدٌ للـهِ طوعَ تدبيرِه وتسخيرِه، وأنَّه مملوكٌ للـهِ يتصرفُ فيه رَبُّه وخالقُه وسيدُه كما يشاءُ ويريدُ، يقضي فيه بما يشاءُ ويحكمُ فيه بما يريدُ، لا معقبَ لحكمِه ولا رادَّ لقضائِه، وهذا مستفادٌ من قَولِه: "إنَّا للـهِ"، أي: نحنُ مماليكُ للـهِ طوعَ تدبيرِه وتسخيرِه -تعالى-.

 

الأصلُ الثَّاني: أنْ يَتَذَكَّرَ العَبْدُ حالَ مُصابِهِ أنّهُ إلى اللـهِ راجِعٌ وأنَّهُ سَيَقُفُ يَوْمًا بَيْنَ يَدَيْ اللـهِ، وأنَّ اللـهَ سَيُحاسِبُهُ وَيَسْأَلُهُ عَمَّا قالَ وَقَدَّمَ في هَذِهِ الحَياةِ، وَهذا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ: "وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ"، وَالعاقِلُ إذا تَذَكَّرَ رُجُوعَهُ إلى اللـهِ أَحْسَنَ القَوْلَ وأَحْسَنَ العَمَلَ، وَابْتَعَدَ تَمَامَ الِابتِعادِ عنِ الإِسَاءةِ في أَقْوالِهِ أوْ أَعْمَالِهِ.

 

لقي الفضيلُ بنُ عَيَّاضٍ رَجُلاً فَقالَ لَهُ: كَمْ أَتَتْ عَلَيْكَ مِنَ السِّنِينَ؟ قالَ: سِتُّونَ سَنَةً، قالَ: أَوَ ما عَلِمْتَ أنَّكَ في طَرِيقٍ إلى اللـهِ -تَعَالَى-، وأنَّكَ قَدْ أَوْشَكْتَ أنْ تَبْلُغَ نِهَايَتَهُ؟ فَقالَ الرَّجُلُ: إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فَقالَ الفُضَيْلُ: أَوْ تَعْلَمُ مَا تَقُولُ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، قالَ الفُضَيْلُ: أَوْ تَعْرِفُ تَفْسِيرَهُ؟ قالَ الرَّجُلُ: وَمَا تَفْسِيرُهُ؟ فقَالَ الفضيلُ: قَوْلُكَ: إِنَّا لِلَّـهُ، تَقُولُ: أَنَا لِلَّـهِ عَبْدٌ، وَأَنَا إِلَى اللَّـهِ رَاجِعٌ، فَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّـهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ رَاجِعٌ، فَلْيَعْلَمْ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَمَنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَلْيَعْلَمْ بِأَنَّهُ مَسْؤولٌ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَسْؤولٌ، فَلْيُعِدَّ لِلسُّؤَالِ جَوَابًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَمَا الْحِيلَةُ؟ قَالَ: يَسِيرَةٌ، قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: تُحْسِنُ فِيمَا بَقِيَ؛ يُغْفَرُ لَكَ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ، فَإِنَّكَ إِنْ أَسَأْتَ فِيمَا بَقِيَ؛ أُخِذْتَ بِمَا مَضَى وَمَا بَقِيَ.

 

عِبادَ اللهِ: إنَّ هذهِ الكَلِمَةَ العَظِيمَةَ المُبارَكَةَ "إنّا للهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ" يَقُولُها المُسلمُ حالَ المُصابِ، ويَقُولُها كَذَلِكَ إذا تَجَدَّدَ في قَلْبِهِ ذِكرُ المُصابِ، قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "ما من مُسلمٍ ولا مُسلمةٍ يُصابُ بمُصِيبَةٍ، فيذْكُرُها وإن طالَ عَهْدُها، فيُحْدِثُ لذلكَ استرجاعًا؛ إلا جَدَّدَ اللـهُ له عندَ ذَلكَ، فَأَعطَاهُ مِثلَ أَجْرِها يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا"(أحمد وغيره).

 

عباد الله: فِي الِاسْتِرْجَاعِ فِي الْـمُصِيبَةِ رَبْطٌ عَلَى الْقُلُوبِ؛ لِئَلَّا تَمِيدَ إِلَى الِاعْتِرَاضِ وَالْـجُحُودِ، وَتَذْكِيرٌ لِلنُّفُوسِ بِأَنَّ الْـمَرْجِعَ إِلَى اللَّـهِ -تَعَالَى-، فَتَهُونُ الْـمُصِيبَةُ وَلَوْ كَانَتْ عَظِيمَةً؛ لِعِلْمِ الْـمُؤْمِنِ الـْمُسْتَرْجِعِ أَنَّ الـْجَزَاءَ عِنْدَ اللَّـهِ -تَعَالَى- عَظِيمٌ، وَأَنَّ مَا يَنْتَظِرُهُ مِنْ ثَوَابٍ أَعْظَمُ مِمَّا فَقَدَ فِي مُصِيبَتِهِ؛ (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة: 155 - 157]، وصلاةُ اللـهِ -جلَّ وعلا-، أَيْ: يُثْنِي عَلَيْهِمْ، وَيُنَوِّهُ بِصَبْرِهِمْ وَاسْتِرْجَاعِهِمْ فِي الـْمَلَأِ الْأَعْلَى.

 

فَأَهْلُ الْأَرْضِ يَرِقُّونَ لَهُمْ لِأَجْلِ مُصَابِهِمْ، وَمَلَائِكَةُ السَّمَاءِ يَغْبِطُونَهُمْ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ ذِكْرِ اللَّـهِ -تَعَالَى- لَهُمْ، وَثَنَائِهِ -سُبْحَانَهُ- عَلَيْهِمْ، وَتَنْوِيهِهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِصَبْرِهِمْ وَاسْتِرْجَاعِهِمْ، فَمَا أَعْظَمَهُ مِنْ ذِكْرٍ فِي الْـمَلَأِ الْأَعْلَى، مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَـهُمْ مِنَ الْعِوَضِ، وَمِنْ عَظِيمِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ!، وَيُضَافُ إِلَى صَلَاةِ اللَّـهِ -تَعَالَى- عَلَيْهِمْ رَحْمَةٌ مِنْهُ -سُبْحَانَهُ- تَغْشَاهُمْ، وَمَنْ أَصَابَتْهُ رَحْمَةُ اللَّـهِ -تَعَالَى- فَلَنْ يَضِلَّ وَلَنْ يَشْقَى.

 

وَوَصَفَهُمْ -سُبْحَانَهُ- بِالِاهْتِدَاءِ، وَهَذِهِ تَزْكِيَةٌ مِنْهُ -تَعَالَى- لَـهُمْ، وَهِيَ أَعْظَمُ تَزْكِيَةٍ وَأَنْفَعُهَا لِصَاحِبِهَا؛ (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التغابن: 11]، وقال-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَنِ اسْتَرْجَعَ عِنْدَ الـْمُصِيبَةِ؛ جَبَرَ اللَّـهُ مُصِيبَتَهُ، وَأَحْسَنَ عُقْبَاهُ، وَجَعَلَ لَهُ خَلَفًا صَالِحًا يَرْضَاه"(الطبراني وغيره).

 

نسألُ اللـهَ -عز وجل- أن يجيرنَا أجمعين في مُصابِنا أياً كان، وأن يخلفنا خيراً، فإنَّا للـه وإنا إليه راجعون، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: الـْمُصِيبَةُ فِي الدِّينِ هِيَ أَعْظَمُ الْـمَصَائِبِ وَأَشَدُّهَا ضَرَرًا عَلَى الْعَبْدِ، وفِي الدُّعَاءِ الْـمَأْثُورِ: "وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا"(الترمذي)، وَتَكُونُ الـْمُصِيبَةُ فِي الدِّينِ عَامَّةً وَخَاصَّةً، فمِنَ الْعَامَّةِ: شُيُوعُ الْكُفْرِ وَالْبِدْعَةِ وَالْـمَعْصِيَةِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَصَائِبِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي إِضْلَالِ النَّاسِ، كَمَا أَنَّ فِيهِ اسْتِجْلَابًا لِلْعَذَابِ، ومِنْ مَصَائِبِ الدِّينِ مَا يَكُونُ خَاصًّا بِالْعَبْدِ، فَمَنْ أُصِيبَ فِي شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ بِتَفْرِيطِهِ فِي طَاعَةٍ، أَوْ وُقُوعِهِ فِي مَعْصِيَةٍ، أَوْ فَوَاتِ خَيْرٍ يَطْلُبُهُ؛ اسْتَرْجَعَ لِمُصِيبَتِهِ فِيهِ.

 

وَكَذَلِكَ مَصَائِبُ الدُّنْيَا يُسْتَرْجَعُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَامَّةً، كَغَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ، أَوْ كَانَتْ خَاصَّةً كَفَقْدِ حَبِيبٍ، أَوْ تَلَفِ مَالٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَحَرِيٌّ بِمَنْ صَبَرَ وَاسْتَسْلَمَ لِقَدَرِ اللَّـهِ -تَعَالَى- وَبَادَرَ بِالِاسْتِرْجَاعِ، أَنْ يُعَوِّضَهُ اللَّـهُ خَيْرًا مِمَّا فَقَدَ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّـهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّـهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْـحَمْدِ"(التِّرْمِذِيُّ).

 

وَكُلُّ مُصِيبَةٍ كَبُرَتْ أَمْ صَغُرَتْ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي الدِّينِ أَمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ يُشْرَعُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ فِيهَا، قَالَ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لِيَسْتَرْجِعْ أَحَدُكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى فِي شِسْعِ نَعْلِهِ؛ فَإِنَّهَا مِنَ الـْمَصَائِبِ"(ابنُ السُّني).

 

عباد الله: إن مما يجب الحذرُ منه والابتعادُ عنه عند نزول المصائب وحلول البلايا النِياحةَ وشقَّ الجيوبِ ولطمَ الخدودِ؛ فإن ذلك من أعمالِ الجاهليةِ، قال-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْـخُدُودَ، وَشَقَّ الْـجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ"، وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ".

 

والبكاءُ على الميتِ دون جزعٍ لا شيء فيه، فعن أسامة قال: إنَّ ابْنَةً للنَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أرْسَلَتْ إلَيْهِ وهو مع النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: أنَّ ابْنَتي قدْ حُضِرَتْ فاشْهَدْنا، فأرْسَلَ إلَيْها السَّلامَ ويقولُ: "إنَّ لِلَّـهِ ما أخَذَ وما أعْطَى، وكُلُّ شَيءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى، فَلْتَحْتَسِبْ ولْتَصْبِرْ"، فأرْسَلَتْ تُقْسِمُ عليه، فَقامَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وقُمْنا، فَرُفِعَ الصَّبِيُّ في حَجْرِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- ونَفْسُهُ تَقَعْقَعُ، فَفاضَتْ عَيْنا النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فقالَ له سَعْدٌ: ما هذا يا رَسولَ اللَّـهِ؟! قالَ: "هذِه رَحْمَةٌ وضَعَها اللَّـهُ في قُلُوبِ مَن شاءَ مِن عِبادِهِ، ولا يَرْحَمُ اللَّـهُ مِن عِبادِهِ إلَّا الرُّحَماءَ"(البخاري).

 

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

المرفقات

إنا لله وإنا إليه راجعون.doc

إنا لله وإنا إليه راجعون.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات