الأب السبب والسند - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2025-06-17 - 1446/12/21
التصنيفات:

اقتباس

فهكذا يضع الإسلام علاقة متوازنة بين الآباء والأبناء؛ فلكل على الآخر حقوق وعليه واجبات، وكما قرر الإسلام أن "رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد"، قرر كذلك أن الوالد سيقف أمام الله -تعالى- مسئولًا محاسبًا مدانًا إذا قصَّر في حق أولاده...

كان أبوك سببًا في وجودك، فلا تكن أنت سببًا في شقائه بعقوقك... وكان أبوك سببًا في مطعمك وملبسك ومأواك وتعليمك وتهذيبك ودعمك، فلا تبخل عليه إذا كبر برد جميله عليك...

 

كان أبوك وما يزال بابًا لك إلى الجنة، فإياك أن تضيع الفرصة؛ فعن أبي عبد الرحمن السلمي: أن رجلًا أتى أبا الدرداء، فقال: إن أبي لم يزل بي حتى تزوجت، وإنه الآن يأمرني بطلاقها، قال: ما أنا بالذي آمرك أن تعق والدك، ولا أنا بالذي آمرك أن تطلق امرأتك، غير أنك إن شئت حدثتك ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سمعته يقول: "الوالد أوسط أبواب الجنة، فحافظ على ذلك إن شئت أو دع" فأحسب عطاء قال: فطلقها(رواه الترمذي، وابن حبان واللفظ له، وصححه الألباني).

 

ويروي حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه -رضي الله عنهما- قال: كانت تحتي امرأة أحبها، وكان عمر يكرهها، فقال عمر طلقها، فأبيت فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أطع أباك وطلقها"، فطلقتها(رواه النسائي، والحاكم واللفظ له، وحسنه الألباني).

 

أما جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- فيقص علينا أن رجلًا قال: يا رسول الله إن لي مالًا وولدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي؟! فقال: "أنت ومالك لأبيك"(رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

 

وإني لست أروي هذه الروايات لأحث الأولاد على تطليق زوجاتهم إذا أمرهم بذلك أباؤهم، كلا أبدًا، لا أقصد ذلك، اللهم إلا إن كان أباه كعمر بن الخطاب، ولا أقصد كذلك أن أحض الآباء أن يجتاحوا مال الأبناء، وإنما مقصدي أن حق أبيك -ومثله: حق أمك- مقدَّم على حق زوجتك وولدك، أقول هذا في عصر صارت فيه زوجة المرء أهم وأغلى عنده من أبيه وأمه! أردد هذا الكلام في زمان يُقْبِل فيه الرجل على زوجته وأولاده معتنيًا مهتمًا مراعيًا ويهمل من كانا سببًا في وجوده؛ أبوه وأمه! أؤكد على هذا الأمر في وقت يُفضِّل الرجل فيه حبه الفطري لزوجته وأولاده، على واجبه الشرعي تجاه أصله وجذره؛ تجاه أبيه وأمه!

 

وكم يفجع القلبَ تلك الصرخة الأبوية التي انطلقت من صدر أمية بن أبي الصلت، ذلك الأب المكلوم الذي جرحه العقوق والجحود والنكران من فلذة كبده:

 

غدوتك مولودًا وعلتك يافعًا *** تعل بما أحنى عليك وتنهل

إذا ليلة نابتك بالشكو لم أبت *** لشكواك إلا ساهرًا أتململ

كأني أنا المطروق دونك بالذي *** طرقت به دوني فعيني تهمل

تخاف الردى نفسي عليك وإنها *** لتعلم أن الموت ضيف سينزل

فلما بلغت السن والغاية التي *** إليها مدى ما كنت فيك أؤمل

جعلت جزائي غلظة وفظاظة *** كأنك أنت المنعم المتفضل

فليتك إذ لم ترع حق أبوتي *** فعلت كما الجار المجاور يفعل

(البر والصلة لابن الجوزي).

 

***

 

وكما أن للآباء على الأولاد حق، فإن للأولاد على أبائهم حقوق، فأولها يبدأ قبل وجودهم، وهو: أن يختار لهم أمًا صالحة: "فاظفر بذات الدين، تربت يداك"(متفق عليه)، وثانيها عند ولادتهم: أن يحسن اسمه، ولقد أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نماذج للأسماء الحسنة فقال: "إن أحب أسمائكم إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن"(رواه مسلم)، ثم حقوقهم على آبائهم بعد ذلك كثيرة كالإنفاق عليهم وتعليمهم وتأديبهم...

 

وروي عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أن رجلًا جاء إليه بابنه فقال: إن ابني هذا يعقني، فقال عمر -رضي الله تعالى عنه- للابن: أما تخاف الله في عقوق والدك، فإن من حق الوالد كذا، ومن حق الوالد كذا، فقال الابن: يا أمير المؤمنين: أما للابن على والده حق؟ قال: "نعم حقه عليه أن يستنجب أمه.. وحسن اسمه ويعلمه الكتاب"، فقال الابن، فوالله ما استنجب أمي؛ وما هي إلا سندية اشتراها بأربع مائة درهم، ولا حسن اسمي؛ سماني جعلًا ذكر الخفاش، ولا علمني من كتاب الله آية واحدة، فالتفت عمر -رضي الله تعالى عنه- إلى الأب وقال: "تقول ابني يعقني! فقد عققته قبل أن يعقك، قم عني"(تنبيه الغافلين، للسمرقندي).

 

***

 

فهكذا يضع الإسلام علاقة متوازنة بين الآباء والأبناء؛ فلكل على الآخر حقوق وعليه واجبات، وكما قرر الإسلام أن "رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد"(رواه الترمذي، وصححه الألباني)، قرر كذلك أن الوالد سيقف أمام الله -تعالى- مسئولًا محاسبًا مدانًا إذا قصَّر في حق أولاده: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته)[متفق عليه].

 

وهكذا يوقر الإسلام الآباء ويجعلهم تاجًا على رءوس أولادهم ليس عامًا أو عامين بل طوال أعمارهم حتى يلقوا ربهم... وليس كما يصنع الغرب والشرق؛ فيجعلون للأب يومًا واحدًا في العام كله، ويسمونه: "اليوم العالمي للأب"، يتذكرون فيه آباءهم بعد نسيان، ويقدمون لهم فيه هدية -إن فعلوا- بعد جحود ونكران، ويجالسونهم ساعات أو دقائق يعودون بعدها إلى النسيان والتجاهل والجحود حتى يأتي نفس اليوم من العام المقبل، فلربما عادوا إليهم إن لم يشغلهم عنهم شاغل، وكم من الأشياء هي أهم عندهم من آبائهم!

 

أما ديننا دين الإسلام فيقرر: أن حق الوالد لا ينقطع أبدًا حتى بعد مماته؛ فقد جاء رجل فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به من بعد موتهما؟ قال: "نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهودهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم الذي لا رحم لك إلا من قبلهما"(رواه ابن ماجه، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وقد ضعفه غيرهما)، وقد علَّمنا القرآن الكريم أن ندعوا لهما بعد موتهما: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 24].

 

وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن رجلًا من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، فقال أصحابه: أصلحك الله، إنهم الأعراب وإنهم يرضون باليسير، فقال عبد الله: إن أبا هذا كان ودًا لعمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه"(متفق عليه).

 

كما يقرر الإسلام أن الأولاد مهما فعلوا وبذلوا وتفانوا في بر والديهم فلن يوفوهم أبدًا حقهم عليهم، اللهم إلا في حالة واحدة نقلها إلينا أبو هريرة قائلًا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يجزي ولد والدًا، إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه"(رواه مسلم)، وأنى لنا أن نصنع ذلك!

 

وما ذكرنا في هذه المقدمة إلا نتفًا يسيرة حول هذا الموضوع الكبير، ونفسح المجال الآن لخطبائنا ينيرون طريق الأبناء ويعلمونهم حق آبائهم عليهم وكيفية برهم، ثم يضعون المعالم للآباء؛ كيف يربون أولادهم ليسعدوا إذا كبروا ببرهم.

 

العنوان

بر الآباء

2016/08/02 5115 449 37

أيُّها المُباركُ.. لقد تعبَ أبوكَ كثيراً.. وشَقيَ كثيراً في سبيلِ تحصيلِ لُقمةِ العيشِ لكم.. كنتم أنتم همُّه الأكبرُ.. يحبُّ أن يراكم تأكلونَ أفضلَ المأكولاتِ.. وتلبسونَ أفضلَ الملبوساتِ.. وتركبونَ أفضلَ المركوباتِ.. يحزنُ إذا لم يستطعْ أن يستجيبَ لرغباتِكم.. ويغتَّمُ إذا لم يستطعْ أن يُحقِّقَ طلباتِكم.. كنتم له الآمالُ الوحيدةُ.. معكم يرى الحياةَ سعيدةً. شاركهُ الأفراحَ والأحزانَ، احزنْ لحزنِه، وافرحْ لفرحِه، أظهرْ له أن اهتماماتِه هي اهتماماتُك، اجلسْ بينَ يديه كما كنتَ تجلسُ وأنت ذلكَ الطفلُ الصَّغيرُ الذي ربَّاهُ، وكن ذلكَ الابنُ البَّارُ الذي يُحبُّ أن يراهُ، أنصتْ لكلامِه...

المرفقات

الآباء


العنوان

حق الأب

2012/04/02 56355 1272 77

للأب حق الإحسان والطاعة، وتحقيق ما يتمناه، وله ود الصحبة والعشرة، والأدب في الحديث، وحسن المعاملة، إن تحدث فلا تقاطعه، وإن دعاك فأجبه، ولا تمش بين يديه، وحيّه بأحسن تحية، وقبّل رأسه ويديه ولو قبلت رجليه فهو من البر، وتلزمك النفقة عليه في حال الحاجة، ولا تنسى أن تتحفه بالهدية في حال غناه ..

المرفقات

الأب


العنوان

مسؤولية الآباء تجاه بيوتهم

2017/02/28 4982 84 24

لقد قلَّد اللهُ الأب الولاية على أهل بيته، فعليه أن ينصح لهم وأن يربيهم التربية الصالحة فالأب في بيته هو القاضي والحكم والآمر والناهي وعليه أمانة كبرى تجاههم، ومن الأمور التي تنبغي على الولي لأهل بيته ما يلي: أولاً: أنْ يحثهم على تقوى الله تعالى في جميع الأمور ويأمرهم بالصلاة...

المرفقات

الآباء تجاه بيوتهم


العنوان

القدوة القدوة أيها الآباء

2024/08/26 1254 277 16

غِيَابُ القُدوَةِ الحَسَنَةِ أَو ضَعفُهَا، وَتَقصِيرُنَا في أَدَاءِ وَاجِبَاتِنَا، وَعَدَمُ إِتبَاعِ مَا عَلِمنَاهُ بِالعَمَلِ دُونَ انقِطَاعٍ وَلا تَرَاجُعٍ وَلا فُتُورٍ، إِنَّ ذَلِكَ لَمِن أَكثَرِ مَا يُمِيتُ وَعظَنَا وَيُضعِفُ نُصحَنَا...

المرفقات

القدوة القدوة أيها الآباء.doc

القدوة القدوة أيها الآباء.pdf


العنوان

لك أيها الأب

2024/06/02 1159 335 8

فَالأَبُ لاَ يَقلُّ عَنهَا في تَعبِهِ، وَتَرْبِيَتِهِ، وَكَدْحِهِ وَهَمِّهِ. وَلا يَقِلُّ عَنْها فَضْلاً وَبِرًّا وَأَجْرًا. وإذَا أَردْتَ أنْ تَعلَمَ فَضلَ أَبِيكَ فَتَأَمَّلْ نُصُوصَ الكِتَابِ والسُّنَّةِ! وَانْظُرْ إِلى أَبِيكَ...

المرفقات

لك أيها الأب.doc

لك أيها الأب.pdf


العنوان

أيها الأب! لا تكن متناقضاً في شخصيتك

2017/10/28 2548 320 0

المسؤول عن ضياعهم كلُّ أب وأم؛ فالأب عندما يكون مشغولاً بتجارته، مشغولاً بعمله، مشغولاً بأصدقائه، مشغولاً بسهراته مع خلانه، والأم مشغولة بجمالها، مشغولة باستقبالاتها، مشغولة بسهراتها، مشغولة بأجهزة الإعلام من مسلسل إلى مسلسل، ومن مسرحية إلى مسرحية، هما السبب في...

المرفقات

أيها الأب! لا تكن متناقضاً في شخصيتك


العنوان

متى يكون الأب سببا في انحراف الأبناء؟

2014/11/15 7278 716 12

إذا كنا نفرح بوجود الأبناء، ونحمد الله عليهم، فهل نحن نسعى لإصلاحهم واستقامتهم، أم أننا نمارس ألواناً من الأسباب التي قد تكون سبباً في انحرافهم؟.

المرفقات

يكون الأب سببا في انحراف الأبناء؟


العنوان

الأب المربي، هل أنت معنا؟

2011/06/26 8497 1593 66

أبتي، كم أنا محتاج للجلوس بين يديك والحديث معك! فأنا أعلم أن لديك الكثير والكثير لكي تدلني وترشدني، ولكن أرى حقي قليلا، وغيري أخذ الكثير. أبتي، كم تمنيت أن أكون أحد زملائك حتى تقبِّلني مثلما تقبلهم كلما التقيت بهم. أبتي، كم تمنيت أن تمسك بيدي وتأخذني معك المسجد، وكم تمنيت أن توصلني لمدرستي مثل أصحابي. أبتي، كم أنا محتاج لكي تسأل عني في مدرستي! وكلما فتح باب الفصل ظننته أنت، ولكن دون جدوى ..

المرفقات

المربي، هل أنت معنا؟


العنوان

تنبيه الآباء في آداب الحوار مع الزوجة والأبناء

2022/05/30 1681 512 0

الإِصْغَاءُ إِلَى الآخَرِينَ مِنْ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ فَنٌّ قَلَّ مَنْ يُجِيدُهُ، فَأَكْثَرُنَا يُجِيدُ الْحَدِيثَ أَكْثَرَ مِنَ الاِسْتِمَاعِ, فَلاَ بُدَّ أَنْ تَسْتَمِعَ وَتَسْتَوْعِبَ جَيِّدًا مَا يَقُولُهُ الآخَرُونَ؛ فَإِنْ لَمْ تَسْتَمِعْ لِلزَّوْجَةِ وَالأَوْلاَدِ فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا سَمِعُوا مِنْ غَيْرِكَ, عَبْرَ الْوَسَائِلِ الْمُخْتَلِفَةِ مَا يَضُرُّهُمْ...

المرفقات

تنبيه الآباء في آداب الحوار مع الزوجة والأبناء.pdf

تنبيه الآباء في آداب الحوار مع الزوجة والأبناء.doc


العنوان

دور الآباء تجاه تعليم أبنائهم

2022/01/02 6770 594 11

وَهُنَا نَصِيحَةٌ مُهِمَّةٌ مُجَرَّبَةٌ: أَنْ يَتِمَّ تَشْغِيلُ الْمُصْحَفِ الْمُعَلِّمِ لِأَحَدِ الْمَشَايِخِ فِي الْبَيْتِ بِكَثْرَةٍ، وَحَبَّذَا لَوْ كَانَ جُزْءَ عَمَّ، فَالْأَطْفَالُ حَتَّى مَعَ لَعِبِهِمْ يُرَدِّدُونَ خَلْفَ الشَّيْخِ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى حِفْظِهِمْ لِلْجُزْءِ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ...

المرفقات

دور الآباء تجاه تعليم أبنائهم.doc

دور الآباء تجاه تعليم أبنائهم.pdf


العنوان

مسؤولية الآباء

2021/07/25 2593 742 18

وليس الأمر مقتصرًا على تحويل الأولاد إلى اليهودية والنصرانية والمجوسية؛ فهذه أمثلة، وإنما يشمل كل انحراف من الأولاد عن جادة الحق والصراط المستقيم، يكون بتأثير من الآباء والأمهات, فهل يدرك الآباء عِظَم المهمة الملقاة عليهم، وعِظَم السؤال الذي ينتظرهم؟...

المرفقات

مسؤولية الآباء.doc

مسؤولية الآباء.pdf


إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات