عناصر الخطبة
1/كلمة راشدة من خليفة راشد 2/أهمية محاسبة النفس 3/من فوائد المحاسبة وأخذ العبرة 4/استكمال الغاية في الإحسان والمراقبة.اقتباس
أين من يأخذ بزمام نفسه ويخلو بها في هَجْعته، ويقوم بمحاسبتها على ما قدَّمته طول نهارها من عمل صالح أو قبيح، فيحمد الله على الخير؛ إذ وُفِّق إليه، ويستغفره من الشر إن جرى على يديه، ثم ينام قرير العين ناعم البال، فإن وافاه الأجل في هجعته مات على خير ما يرجو، وإن بُعِث من رقدته عاود نشاطه، وقد أصلح من نفسه، واعتبر بزلاته...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الولي، فلا ولي دونه، أحمده -سبحانه- أيَّد أولياءه وأعزَّ حزبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الحي القيوم المتصرف في العباد وحده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فيا عباد الله: كلمة راشدة من خليفة راشد ترسم طريق الفلاح وتهدي إلى سواء السبيل، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوها قبل أن تُوزَنُوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله؛ (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)[الحاقة: ١٨]".
عباد الله: إن في محاسبة النفس على هفواتها وفي وزن أعمالها بميزان العدل بحيث لا يخرج عنه في كل تصرفاته، وفي أخذ الأهبة للحساب وتقدير موقف العرض على رب العزة في كل ذلك نَهْج سديد، وفي كل ذلك طريق للسعادة وسبيل إلى دار السلام، ولكن أين مَن يستجيب لذلك؟
أين من يأخذ بزمام نفسه ويخلو بها في هَجْعته، ويقوم بمحاسبتها على ما قدَّمته طول نهارها من عمل صالح أو قبيح، فيحمد الله على الخير؛ إذ وُفِّق إليه، ويستغفره من الشر إن جرى على يديه، ثم ينام قرير العين ناعم البال، فإن وافاه الأجل في هجعته مات على خير ما يرجو، وإن بُعِث من رقدته عاود نشاطه، وقد أصلح من نفسه، واعتبر بزلاته، واشتغل بعيوبه ونقائصه، فكان في عداد من عناهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "طوبى لمن أمسك الفضل من قوله، وملك عليه لسانه، وشغله عيبه عن عيوب الناس".
أين في الناس ذلك المثل الرائع الذي ضربه لمحاسبة النفس أبو الدرداء صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث جلس يبكي، وقد رأى قبرص تهوي على أقدام المسلمين، فخشي من مثل مصيرها، وأجاب من قال له: ما بالك يا أبا الدرداء؟ تبكي في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ بقوله: "ويحك! ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره! بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لها ملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى".
وأين من الناس من يذهب بعيداً في أمثال المحاسبة وأخذ العبرة؟ فيستمع إلى القرآن وهو يتحدث عن الماضين، ويستعرض قصص الظالمين، فيأخذ العبرة من مصيرهم، ويحاسب النفس على تفريطها؛ خشية أن يُصيبه ما أصابهم.
ألا يا عباد الله: كونوا آذاناً صاغية، وقلوباً واعية حين تمرون بقول الله -تعالى- في كتابه: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: ٣٨ – ٤٠].
عباد الله: خذوا العبرة من مصيرهم، واتقوا الله في أنفسكم، واربأوا بها من أن توردوها موارد التلف، وتسلكوا بها مسالك الهالكين، وانتهجوا من قول الخليفة الراشد خير نهج للسالكين: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)[الحاقة: ١٨]".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ)[الأنبياء: ١١ – ١٥].
بارك الله لي ولكم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الحليم الوهاب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير مرشد أوَّاب، اللهم صَلِّ وسَلِّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فيا عباد الله: إن مِن خير ما يَهَبه الله للعبد ضميراً يقظاً يُوجِّه إلى الخير، ونفساً لوامة لا تبرح تلوم صاحبها وتحاسبه على تصرفاته واتجاهاته كلما جانب الرشد وضل السبيل، فاحرصوا عباد الله على استكمال الغاية في الإحسان والمراقبة، كي تظفر بالمرغوب، ففي ذلك الصلاح والفلاح وسعادة الدنيا والآخرة، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، ونعوذ بك من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ما علمنا منها وما لم نعلم، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم