الرحم حقوق وعقوق

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2025-08-01 - 1447/02/07 2025-09-14 - 1447/03/22
عناصر الخطبة
1/أهمية صلة الرحم 2/وجوب صلة الأرحام 3/آثار صلة الأرحام في الدنيا والآخرة 4/ضوابط الصلة 5/شؤم قطيعة الرحم 6/بم تكون صلة الرحم؟

اقتباس

وَمِنْ أَعْظَمِ الْحُقُوقِ الَّتِي وَصَّى اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ حُقُوقُ الرَّحِمِ؛ وَالأَرْحَامُ هُمُ الْقَرَابَاتُ مِنَ النَّسَبِ، وَالْقَرَابَاتُ مِنَ الْمُصَاهَرَةِ، وَقَدْ أَكَّدَ اللَّهُ عَلَى صِلَةِ الأَرْحَامِ وَأَمَرَ بِهَا فِي.. وَلِعِظَمِ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَلِكَوْنِهَا مِنْ أُسُسِ الأَخْلَاقِ وَرَكَائِزِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ:١]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأَحْزَابِ:٧٠-٧١]؛ أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللَّهَ، وَأَدُّوا الْحُقُوقَ لِأَرْبَابِهَا، وَأَوْصِلُوهَا لِأَصْحَابِهَا، يَكْتُبِ اللَّهُ لَكُمْ عَظِيمَ الثَّوَابِ، وَيُجِرْكُمْ مِنْ أَلِيمِ الْعِقَابِ.

 

وَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ -بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ- فَصَّلَ فِي كِتَابِهِ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَرْشَدَكُمْ رَسُولُ الْهُدَى -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- إِلَى مَا يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ، وَيُسْعِدُكُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ؛ فَبَيَّنَ الْحُقُوقَ الَّتِي لِرَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عِبَادِهِ، وَبَيَّنَ حُقُوقَ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِتَكُونَ الْحَيَاةُ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً، رَاضِيَةً مُبَارَكَةً، تُظِلُّهَا الرَّحْمَةُ، وَتَنْدَفِعُ عَنْهَا النِّقْمَةُ، وَيَتِمُّ فِيهَا التَّعَاوُنُ، وَيَتَحَقَّقُ فِيهَا التَّنَاصُرُ وَالْمَوَدَّةُ.

 

وَمِنْ أَعْظَمِ الْحُقُوقِ الَّتِي وَصَّى اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ حُقُوقُ الرَّحِمِ؛ وَالأَرْحَامُ هُمُ الْقَرَابَاتُ مِنَ النَّسَبِ، وَالْقَرَابَاتُ مِنَ الْمُصَاهَرَةِ، وَقَدْ أَكَّدَ اللَّهُ عَلَى صِلَةِ الأَرْحَامِ وَأَمَرَ بِهَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ؛ فَقَالَ -تَعَالَى-: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا)[الإِسْرَاءِ:٢٦].

 

وَجَعَلَ الرَّحِمَ بَعْدَ التَّقْوَى مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ فَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ:١].

 

وَلِعِظَمِ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَلِكَوْنِهَا مِنْ أُسُسِ الأَخْلَاقِ وَرَكَائِزِ الْفَضَائِلِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرَاتِ، فَرَضَهَا اللَّهُ فِي كُلِّ دِينٍ أَنْزَلَهُ؛ فَقَالَ -تَعَالَى-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى)[الْبَقَرَةِ:٨٣].

 

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَوَّلَ مَقَامٍ بِالْمَدِينَةِ: "أَيُّهَا النَّاسُ: أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ"(رَوَاهُ الْبُخَارِي).

 

وَثَوَابُ صِلَةِ الرَّحِمِ مُعَجَّلَةٌ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُهُ اللَّهُ لِصَاحِبِهَا فِي الآخِرَةِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِي).

 

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَلَيْهِمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ؛ فَقَالَ: "إِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ -أَيْ: الرَّمَادَ الْحَارَّ-، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ظَهِيرٌ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ"(رَوَاهُ مُسْلِم).

 

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا"(رَوَاهُ الْبُخَارِي).

 

وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ شُؤْمٌ فِي الدُّنْيَا وَنَكَدٌ، وَشَرٌّ وَحَرَجٌ، وَضِيقٌ فِي الصَّدْرِ، وَبُغْضٌ فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ، وَكَرَاهَةٌ فِي الْقُرْبَى، وَتَعَاسَةٌ فِي أُمُورِ الْحَيَاةِ، وَتَعَرُّضٌ لِغَضَبِ اللَّهِ وَطَرْدِهِ.

 

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ اللَّهُ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟! قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَذَاكَ لَكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[مُحَمَّدٍ:٢٢-٢٣]"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- -أَيْضًا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 

وَعَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَقَاطِعُ الرَّحِمِ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ؛ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ هِيَ بَذْلُ الْخَيْرِ لَهُمْ، وَكَفُّ الشَّرِّ عَنْهُمْ؛ هِيَ عِيَادَةُ مَرِيضِهِمْ، وَمُوَاسَاةُ فَقِيرِهِمْ، وَإِرْشَادُ ضَالِّهِمْ، وَتَعْلِيمُ جَاهِلِهِمْ، وَإِتْحَافُ غَنِيِّهِمْ وَالْهَدِيَّةُ لَهُ، وَدَوَامُ زِيَارَتِهِمْ، وَالْفَرَحُ بِنِعْمَتِهِمْ، وَالتَّهْنِئَةُ بِسُرُورِهِمْ، وَالْحُزْنُ لِمُصِيبَتِهِمْ، وَمُوَاسَاتُهُمْ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَتَفَقُّدُ أَحْوَالِهِمْ، وَحِفْظُهُمْ فِي غَيْبَتِهِمْ، وَتَوْقِيرُ كَبِيرِهِمْ، وَرَحْمَةُ صَغِيرِهِمْ، وَالصَّبْرُ عَلَى أَذَاهُمْ، وَحُسْنُ صُحْبَتِهِمْ وَالنُّصْحُ لَهُمْ.

 

وَفِي مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ: "إِذَا تَحَابَّ النَّاسُ بِالْأَلْسُنِ، وَتَبَاغَضُوا بِالْقُلُوبِ، وَتَقَاطَعُوا بِالْأَرْحَامِ؛ لَعَنَهُمُ اللَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ".

 

وَإِنَّ الْقَطِيعَةَ بَيْنَ الْأَرْحَامِ فِي هَذَا الزَّمَانِ قَدْ كَثُرَتْ، وَسَاءَتِ الْقُلُوبُ، وَضَعُفَتِ الْأَسْبَابُ، وَعَمَّتْ هَذِهِ الْقَطِيعَةُ عَلَى الدُّنْيَا الْحَقِيرَةِ، وَعَلَى الْحُظُوظِ الْفَانِيَةِ.

 

فَطُوبَى لِمَنْ أَبْصَرَ الْعَوَاقِبَ، وَنَظَرَ إِلَى نِهَايَةِ الْأُمُورِ، وَأَعْطَى الْحَقَّ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ، وَرَغِبَ إِلَى اللَّهِ فِي الَّذِي لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَتَى إِلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يَأْتُوهُ إِلَيْهِ.

 

وَإِنَّ الْقَطِيعَةَ الْمَشْؤُومَةَ قَدْ تَسْتَحْكِمُ وَيَنْفُخُ الشَّيْطَانُ فِي نَارِهَا، فَيَتَوَارَثُهَا الْأَوْلَادُ عَنِ الْآبَاءِ، وَتَقَعُ الْهَلَكَةُ، وَتَتَّسِعُ دَائِرَةُ الشَّرِّ، وَيَكُونُ الْبَغْيُ وَالْعُدْوَانُ، وَتَدُومُ هَذِهِ الْقَطِيعَةُ بَيْنَ ذَوِي الرَّحِمِ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمُ الْمَوْتُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ الْقَبِيحَةِ.

 

وَعِنْدَ ذَلِكَ يَحْضُرُ النَّدَمُ، وَتَثُورُ الْأَحْزَانُ، وَتَتَوَاصَلُ الْحَسَرَاتُ، وَتَتَصَاعَدُ الزَّفَرَاتُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ، وَلَا يُدَاوِي الْأَسَفُ جِرَاحَاتِ الْقُلُوبِ، وَيَتْرُكُونَ جِيفَةَ الدُّنْيَا بَعْدَهُمْ، فَلَا لِقَاءَ إِلَّا بَعْدَ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ؛ فَيَجْثُو كُلٌّ أَمَامَ اللَّهِ الْحَكَمِ الْعَدْلِ فَيَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ أَسْبَابِ الْقَطِيعَةِ بِنَقْلِهَا الْكَلَامَ، وَبَثِّهَا الْمَسَاوِئَ، وَدَفْنِهَا الْمَحَاسِنَ، وَتَحْرِيشِهَا لِلرِّجَالِ، وَقَدْ تَرَى لِحَمَاقَتِهَا أَنَّ لَهَا فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً، وَقَدْ تَدْفَعُ أَوْلَادَهَا فِي الْإِسَاءَةِ لِذَوِي الْقُرْبَى، فَعَلَيْهَا يَكُونُ الْوِزْرُ، وَاللَّهُ لَهَا بِالْمِرْصَادِ.

 

وَقَدْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِنْ أَسْبَابِ التَّوَاصُلِ بَيْنَ الْأَرْحَامِ، وَتَوْطِيدِ الْمَوَدَّةِ بَيْنَهُمْ بِصَبْرِهَا وَنَصِيحَتِهَا لِزَوْجِهَا، وَحَثِّهَا عَلَى الْخَيْرِ، وَتَرْبِيَةِ أَوْلَادِهَا، وَاللَّهُ سَيُثِيبُهَا، وَيُصْلِحُ حَالَهَا، وَيُحْسِنُ عَاقِبَتَهَا.

 

فَيَا أَيَّتُهَا الْمُسْلِمَاتُ: اتَّقِينَ اللَّهَ -تَعَالَى-، وَأَصْلِحْنَ بَيْنَ ذَوِي الْقُرْبَى، وَلَا تَكُنِ الْقَطِيعَةُ مِنْ قِبَلِكُنَّ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ؛ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الرُّومِ:٣٨].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ، فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأَحْزَابِ:٥٦].

 

المرفقات

الرحم حقوق وعقوق.doc

الرحم حقوق وعقوق.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات