اقتباس
نقول هذا مع ثقتنا التامة بنصر الله -تعالى- للمؤمنين وبدفاعهم عنهم ما تمسكوا بدينهم واتقوا وصبروا: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)... نقول ذلك ونحن على يقين أن عاقبة مكرهم هي البوار والخسران، وأن الدائرة ستدور عليهم: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ)...
إن المتأمل في حال أمتنا اليوم؛ أمة الإسلام، يرى عجبًا، يرى أمة مهيضة الجناح، مثخنة بالجراح، ضعفت عن طريق الكفاح، ولا تمتلك إلا النواح... يرى أمة مستضعفة قد تجبر عليها عدوها وقد نام سراتها وتغافل عقلاؤها وتاه شبابها... يرى أمة متأخرة في كل مجال، غارقة في قيل وقال، مقيدة عن المعالي بالحبال، عاجزة عن صعود الجبال... يرى أمة تنكرت لأسلافها، وأدارت الظهر لدينها، وانبهرت بمنجزات أعدائها، فاتخذتهم قدوة ومثالًا لها؟!... فهل سبب كل هذا هو مكر أعدائها بها وكيدهم لها ومؤامراتهم ضدها وتكالبهم عليها؟
والإجابة: "نعم" و"لا" سويًا؛ أما الإجابة بـ"نعم"، فلأن الأعادي قد اختلفوا في كل شيء إلا على عداوتنا، وتفرقوا في كل أمر لكنهم تجمعوا على المكر بنا والكيد لنا.
مؤامرة تدور على الشباب *** ليعرض عن معانقة الحراب
مؤامرة تدور بكل بيت *** لتجعله ركامًا من تراب
مؤامرة تقول لهم تعالوا إلى *** الشهوات في ظل الشراب
شيوعيون نزر من يهود *** صليبيون في لؤم الذئاب
تفرق شملهم إلا علينا *** فصرنا كالفريسة للكلاب
فهم بلا شك يكيدون لنا، ويمكرون بنا، ويحيكون المؤامرات الخبيثة ضدنا، ولا ينكر ذلك عاقل لبيب متبصر، وصدق من قال: "إنكار المؤامرة جزء من المؤامرة، وتضخيم المؤامرة دعم للمؤامرة"، فالمؤامرة موجودة حقًا، والكيد على أشده.
استيقظي يا أمتي من قبل أن تتمزقي
من قبل أن تتشتتي في ظلمة الدرب الشقي
أعداؤنا يخططون يدبرون وينفذون يا أمتي
وأما الإجابة بـ"لا"؛ فلأنه ليس السبب الوحيد فيما تعيشه أمتنا من هوان هو مكر أعدائها، فمتى لم يكن للأمة أعداء؟! لقد أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- الدولة الإسلامية رغم أنياب المتربصين الذين يريدون الفتك بها، ورغم المحاولات الخبيثة الماكرة الكثيرة لقتل نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وما أن مات -صلى الله عليه وسلم- إلا وارتد أغلب العرب وجاهروا بالعداوة، لكن قام الإسلام رغم كيد أعدائه ومكرهم، وتوسعت دولته وعزت رايته ورفرفت فوق ربوع الأرض.
إذن ما السبب فيما نحن فيه -بجانب مكر الأعادي بنا-؟... نجيب: إنه العجز والقعود والوهن الذي أصاب أبناء الأمة الإسلامية، إنه قابليتنا واستسلامنا لهذا المكر والخداع والكيد، وصدق من قال: "ليست المشكلة في الاستعمار، لكن المشكلة في القابلية للاستعمار"...
ويجمع السببين معًا ما تنبأ به رسولنا -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الْوَهْنُ"، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت"(رواه أبو داود، وصححه الألباني).
لكننا نرجع فنقول: وما الذي سبَّبَ ضياع أبناء الأمة، وتفاهة شبابها وغفلة رجالها وفساد نسائها وانحراف أطفالها.. حتى لم ينتبهوا لما يحاك بهم ووقعوا فيه؟ أليس ما يكيد لها به أعداؤها؟!
***
أيها المسلمون: إننا لا نستطيع أبدًا أن نقلل من خطر مكر الأعادي وكيدهم وتخطيطهم للإيقاع بجميع فئات الأمة الإسلامية في كل شر ووبال، مستخدمين في ذلك من أساليب المكر والخداع والخبث ما تزول منه الجبال، نعم؛ إن وسائلهم وأساليبهم في تحقيق غاياتهم للنيل من الأمة كثيرة متعددة.
فمنها: التنصير الذي يسمونه: "تبشير"، ولندع لغة الأرقام تحدثنا عن ذلك الشر المستطير والمكر الخطير، تقول إحدى النشرات القديمة من إصدار "الندوة العالمية للشباب": "أن عدد المنظمات التنصيرية في العالم: (24,580) منظمة، هذا غير المنظمات التنصيرية العاملة في مجال الخدمات العامة؛ كالطب، والإغاثة.. والتي يبلغ عددها: (20,700)، وأن عدد المعاهد التنصيرية التي تخرج القساوسة والدعاة: (28,720) معهدًا، والتي تخرِّج أكثر من: (273,770) منصرًا، وأن عدد الكتب المؤلفة لأغراض التنصير: (22,100) كتاب، وأن الإنجيل وحده قد تُرجم إلى (1200) لغة، وأن المجلات والدوريات والنشرات التنصيرية بلغ عددها: (2,270) نشرة ومجلة بجميع اللغات، وبعضها يُطبع ملايين النسخ، وأن عدد المحطات الإذاعية والتلفزيونية العاملة لأغراض تنصيرية: (1900) محطة، وأن مجموع التبرعات الكنسية لأغراض التنصير وحده قد بلغت: (151) مليار دولار، وقد كانت ميزانية دولة كاملة كالمملكة العربية السعودية ساعتها: (15) مليار دولار فقط!"، وما خفي أعظم، ومن المؤكد أن هذه الأرقام قد تضاعفت عدة أضعاف في السنوات الماضية.
ومنها: الغزو الفكري بأساليبه المتعددة الخبيثة، كالاستشراق والمذاهب والتيارات الفكرية الماكرة التي تعمل على تشكيك المسلمين في دينهم وزعزعة استقرار المجتمعات الإسلامية، وسلخ المسلمين من هويتهم.
ومنها: تسعير الشهوات، ونشر الإباحية، والمناداة بحرية الاختلاط وبتقنين العلاقات الجنسية الشاذة، حتى لقد قال قائلهم من غير مواربة "كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوها في حب المادة والشهوات".
***
والآن وقد علمنا بعض أركان المكر الخبيث وبعض ما يكاد لنا ولأبنائنا ولبناتنا ولأمتنا كلها، فماذا نحن فاعلون؟ فإن كثيرين يدركون ذلك ثم لا يحركون ساكنًا!
تبلد في الناس حس الكفاح *** ومالوا لكسب وعيش رتيب
يكاد يزعزع من همتي *** سدور الأمين وعزم المريب
***
نقول هذا مع ثقتنا التامة بنصر الله -تعالى- للمؤمنين وبدفاعهم عنهم ما تمسكوا بدينهم واتقوا وصبروا: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[آل عمران: 120]... نقول ذلك ونحن على يقين أن عاقبة مكرهم هي البوار والخسران، وأن الدائرة ستدور عليهم: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ)[النحل: 26].
ولأننا نريد من ملفنا العلمي هذا أن يحرك السواكن وأن يبعث الهمم وأن يكون ملفًا موسوعيًا شاملًا، فإننا لن نتناول فيه مكر الأعداء فقط، بل سنتناول -إن شاء الله- المكر السيء بمعناه الشامل وبجميع جوانبه، فسنبين -بإذن الله- المعنى العام للمكر ومترادفاته وصوره ومراتبه وأنواعه من مكر العبد بالذنوب، ومكر الشيطان بالإنسان، ونسبة المكر إلى الله -تعالى-، وصفات الماكرين وأساليبهم الخبيثة في الكيد، كما سيتناول الملف أسباب المكر السيئ، والحصاد المر لكيد الأعادي على المجتمع الإسلامي، وبعدها نعرج على نهايات الخبثاء الماكرين، ثم نقدم أخيرًا سبل النجاة من مكر الماكرين وكيد الكائدين... فنفع الله بهذا الملف كل من تعاونوا سويًا على إخراجه بهذه الصورة، ومن يطالعونه ويتنقلون بين مواده الغزيرة المفيدة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم