عناصر الخطبة
1/اهتمام النبي بمرحلة الشباب وعنايته بهم 2/من مظاهر اهتمام النبي الكريم بالشباب 3/آثار العناية النبوية بالشباب 4/توجيه للآباء والمربين.اقتباس
يَنْبَغِي لَنَا -مَعْشَرَ الْآبَاءِ وَالْمُرَبِّينَ- أَنْ نَنْتَقِيَ مِنْ عِبَارَاتِ الثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ لِأَبْنَائِنَا وَطُلَّابِنَا مَا يُعَزِّزُ ثِقَتَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَيُحَفِّزُهُمْ لِمُوَاصَلَةِ الْعَمَلِ الْجَادِّ وَالتَّمَيُّزِ فِيهِ وَإِتْقَانِهِ؛ فَالشَّبَابُ -بِطَبِيعَتِهِمْ- يَتَأَثَّرُونَ بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَيَنْمُو لَدَيْهِمُ الْحَافِزُ لِتَقْدِيمِ الْمَزِيدِ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْقَضَايَا الَّتِي اهْتَمَّ بِهَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هِيَ تَرْبِيَةُ الشَّبَابِ وَالِاهْتِمَامُ بِهِمْ، فَقَدْ كَانَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يَرَى فِي الشَّبَابِ طَاقَةَ الْأُمَّةِ وَمُسْتَقْبَلَهَا؛ وَلِهَذَا كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَهُمْ بِحِكْمَةٍ وَرِفْقٍ، وَيُوَجِّهُهُمْ إِلَى الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ، وَيُرَبِّيهِمْ عَلَى مَعَانِي الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، لَقَدْ أَدْرَكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الشَّبَابَ هُمْ عِمَادُ الْأُمَّةِ، فَكَانَ يُقَرِّبُهُمْ وَيُعْطِيهِمْ مِنَ الْمَهَامِّ وَالْمَسْؤُولِيَّاتِ مَا يُؤَهِّلُهُمْ لِلْقِيَادَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ ذَلِكَ الِاهْتِمَامِ النَّبَوِيِّ:
تَعْلِيمُهُمُ الْعَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ، فَقَدْ كَانَ مِنْ دَأْبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَغْرِسَ أُصُولَ الْعَقِيدَةِ فِي نُفُوسِ الشَّبَابِ، وَيُلَقِّنَهُمْ إِيَّاهَا تَلْقِينًا، قَالَ لِمُعَاذٍ: "هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟"، قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا"، قَالَ: "فَهَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا هُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ؟"، قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّ حَقَّهُمْ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَلَمَّا جِيءَ لَهُ بِجَارِيَةٍ سَأَلَهَا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "أَيْنَ اللَّهُ؟"، قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: "مَنْ أَنَا؟"، قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: "أَعْتِقْهَا؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ".
وَمِنْ مَظَاهِرِ الِاهْتِمَامِ النَّبَوِيِّ بِالشَّبَابِ: تَعْلِيمُهُمُ الْآدَابَ الشَّرْعِيَّةَ وَالْأَخْلَاقَ الْفَاضِلَةَ، فَكَانَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يُرْشِدُ الشَّبَابَ إِلَى الْأَخْلَاقِ بِأَحْسَنِ أُسْلُوبٍ تَصْرِيحًا وَتَلْمِيحًا بِرِفْقٍ وَلِينٍ، فَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَقَقْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: "مَنْ ذَا؟"، فَقُلْتُ: أَنَا، فَقَالَ: "أَنَا أَنَا"، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَأَرْشَدَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ بِآدَابِ الطَّعَامِ قَائِلًا: "يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ".
وَمِنْ مَظَاهِرِ اهْتِمَامِهِ بِالشَّبَابِ: أَنْ يَسْتَثِيرَ فِي نُفُوسِهِمْ حُبَّ الْمَعْرِفَةِ، وَالتَّنَافُسَ فِي الْعِلْمِ، فَقَدْ سَأَلَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّحَابَةَ وَفِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَكَانَ شَابًّا صَغِيرًا: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مِثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟"، فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ"، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ"، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَ هِيَ النَّخْلَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنَ الْمَظَاهِرِ: تَشْجِيعُهُمْ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ سَأَلَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَوْمًا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوْلَى مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، إِنَّ أَسْعَدَ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، فَتَخَيَّلُوا مَعِي شُعُورَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَسْمَعُ هَذَا الثَّنَاءَ، وَهَذِهِ الشَّهَادَةَ الْعَظِيمَةَ مِنْ مُعَلِّمِ الْبَشَرِيَّةِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَيْفَ سَيَكُونُ ذَلِكَ دَافِعًا لَهُ عَلَى حِرْصِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَحُبِّهِ لِلْعِلْمِ، وَدَافِعًا لَهُ عَلَى السُّؤَالِ فِي أُمُورِ دِينِهِ وَآخِرَتِهِ؟!.
وَحِينَ سَأَلَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ: "أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ؟"، قَالَ: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)[الْبَقَرَةِ:255]؛ قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: "لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، اللَّهُ أَكْبَرُ! مَا أَجْمَلَ هَذَا التَّحْفِيزَ، وَمَا أَجْمَلَ أَثَرَهُ فِي نَفْسِ أُبَيٍّ!.
فَيَنْبَغِي لَنَا -مَعْشَرَ الْآبَاءِ وَالْمُرَبِّينَ- أَنْ نَنْتَقِيَ مِنْ عِبَارَاتِ الثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ لِأَبْنَائِنَا وَطُلَّابِنَا مَا يُعَزِّزُ ثِقَتَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَيُحَفِّزُهُمْ لِمُوَاصَلَةِ الْعَمَلِ الْجَادِّ وَالتَّمَيُّزِ فِيهِ وَإِتْقَانِهِ؛ فَالشَّبَابُ -بِطَبِيعَتِهِمْ- يَتَأَثَّرُونَ بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَيَنْمُو لَدَيْهِمُ الْحَافِزُ لِتَقْدِيمِ الْمَزِيدِ، وَلَقَدْ عَلَّمَنَا الْهَدْيُ النَّبَوِيُّ أَنَّ كَلِمَةً وَاحِدَةً تُحْيِي هِمَّةً عَظِيمَةً، فَقَدْ أَثْنَى -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَوَجَّهَهُ بِأُسْلُوبٍ حَكِيمٍ إِلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ قَائِلًا: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)؛ فَأَيْقَظَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ نَشَاطًا عَجِيبًا فِي نَفْسِهِ، قَالَ سَالِمٌ: "فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا".
وَمِنْ مَظَاهِرِ الِاهْتِمَامِ النَّبَوِيِّ بِالشَّبَابِ: إِسْنَادُ الْمَسْؤُولِيَّاتِ لَهُمْ، وَمِنْ أَبْرَزِ الْأَمْثِلَةِ عَلَى ذَلِكَ تَعْيِينُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَائِدًا لِجَيْشِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ فِي سِنِّ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ، وَفِي جَيْشِهِ مِمَّنْ هُمْ تَحْتَ إِمْرَتِهِ مِنْ كِبَارِ الْقَادَةِ الْعَسْكَرِيِّينَ، وَهَذَا الْقَرَارُ يُظْهِرُ ثِقَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الشَّبَابِ وَقُدْرَتِهِمْ عَلَى الْقِيَادَةِ، مِمَّا يُعْطِيهِمْ دَافِعًا قَوِيًّا لِتَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّاتِ الْكَبِيرَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَمِنْ ذَلِكَ تَسْلِيمُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَرْسَلَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ لِيَكُونَ أَوَّلَ دَاعِيَةٍ وَسَفِيرًا لِلْإِسْلَامِ هُنَاكَ.
وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَشِيرُ الشَّبَابَ فِي أُمُورٍ مُهِمَّةٍ؛ فَفِي غَزْوَةِ بَدْرٍ طَلَبَ الْمَشُورَةَ حَتَّى تَكَلَّمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: "فَامْضِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنَحْنُ مَعَكَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَقَدْ سُرَّ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- مِنْ كَلَامِ سَعْدٍ فَقَالَ: "سِيرُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ وَأَبْشِرُوا؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ".
وَمِنْ مَظَاهِرِ الِاهْتِمَامِ النَّبَوِيِّ بِالشَّبَابِ: تَشْجِيعُهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَحَثُّهُمْ عَلَى التَّوَسُّطِ فِيهَا، قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يُوَجِّهُهُ إِلَى عَدَمِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْعِبَادَةِ: "يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟"، فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ مَظَاهِرِ اهْتِمَامِهِ بِالشَّبَابِ: التَّرَفُّقُ بِهِمْ وَالْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ بِرِفْقٍ، وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِصَّةِ الشَّابِّ الَّذِي أَتَاهُ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الزِّنَا!، فَلَمْ يَغْضَبِ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، بَلِ احْتَوَاهُ وَأَقْنَعَهُ بِأُسْلُوبٍ مَنْطِقِيٍّ بِتَرْكِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَفَهُّمِهِ لِرَغَبَاتِ الشَّبَابِ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ الْحَسَّاسَةِ، وَكَيْفِيَّةِ التَّعَامُلِ الصَّحِيحِ مَعَهُمْ.
هَذَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ يُبَيِّنُ لَنَا صُورَةً مِنْ رِفْقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالشَّبَابِ فَيَقُولُ: "أَتَيْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا، أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا، سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا؟ فَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ: "ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، سَأَلَهُمُ الرَّسُولُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَلَمْ يُحَوِجْهُمْ إِلَى سُؤَالِهِ، فَكَانَ شَفُوقًا عَلَيْهِمْ رَحِيمًا بِهِمْ، يَهْتَمُّ بِشُؤُونِهِمْ وَبِمُرَاعَاةِ عَوَاطِفِهِمْ.
وَفِي هَذَا الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ الْكَرِيمِ لَفْتَةٌ إِلَى الْمُرَبِّينَ بِتَفَهُّمِ حَاجَاتِ الشَّبَابِ النَّفْسِيَّةِ وَرَغَبَاتِهِمُ الْعَاطِفِيَّةِ وَالتَّعَامُلِ الْأَمْثَلِ مَعَهُمْ وَفْقَ هَدْيِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ هَذَا الِاهْتِمَامَ النَّبَوِيَّ بِالشَّبَابِ تُرْجِمَ وَاقِعًا مَلْمُوسًا بِإِبْرَازِ نَمَاذِجَ شَبَابِيَّةٍ قِيَادِيَّةٍ، وَهَامَاتٍ عِلْمِيَّةٍ حُفِظَتْ وَرُوِيَتْ عَبْرَ التَّارِيخِ، وَلَا يَزَالُ أَثَرُهَا مَنْهَلًا عَذْبًا يَنْهَلُ مِنْ مَعِينِهِ الْمُسْلِمُونَ اقْتِدَاءً بِهِمْ وَاحْتِفَاءً بِتَمَيُّزِهِمْ، إِنَّهُمْ شَبَابُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ حَمَلُوا رَايَةَ الْإِسْلَامِ، وَكَانُوا أَهْلَ قِيَادَةٍ وَرِيَادَةٍ وَهُمْ لَا زَالُوا فِي أُولَى مَرَاحِلِ شَبَابِهِمْ.
لَقَدْ كَانَ هَدْيُ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فِي التَّرْبِيَةِ مُتَفَرِّدًا وَمُتَمَيِّزًا، وَكَانَ نَمُوذَجًا رَائِعًا فِي التَّعَامُلِ مَعَ الشَّبَابِ وَالْمُرَاهِقِينَ، حَيْثُ اهْتَمَّ بِهِمُ اهْتِمَامًا كَبِيرًا، فَقَدَّمَ لَهُمُ التَّوْجِيهَ الْمُنَاسِبَ، وَأَشْرَكَهُمْ فِي الْمَسْؤُولِيَّاتِ، وَحَفَّزَهُمْ وَشَجَّعَهُمْ، وَقَوَّمَ سُلُوكَهُمْ؛ فَهَلْ يَحْذُو الْمُرَبُّونَ حَذْوَهُ؟ فَلَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الِاهْتِمَامَ بِالشَّبَابِ لَيْسَ مُجَرَّدَ وَاجِبٍ دِينِيٍّ فَقَطْ، بَلْ هُوَ اسْتِثْمَارٌ نَاجِحٌ لِمُسْتَقْبَلِ الْأُمَّةِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُعِينَنَا عَلَى تَرْبِيَةِ أَبْنَائِنَا مُقْتَدِينَ بِهَدْيِ نَبِيِّنَا الْأَمِينِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ..
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم