عناصر الخطبة
1/النهي عن أكل الحرام 2/من مفاسد وأضرار القمار 3/من صور القمار وطرقه 4/جواز المسابقات وبعض ضوابطها 5/حكم أخذ العوض في المسابقاتاقتباس
ومن صور القِمار: البيع عن طريق السحب، بأن يدفع مالًا، وتكون البضاعة مرقمة، ويأتي المشتري فيختار رقمًا، وتكون البضاعة ذات الرقم الذي سحبه من نصيبه، وقد يكون من حظه بضاعة غالية الثمن أكثر مما دفع، وقد تكون قليلة الثمن أقل مما دفع...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِي لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70 - 71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلالَةٍ في النَّارِ.
قال الله -تعالى-: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)[البقرة: 188]، ومن أكْلِ أموال الناس بالباطل القِمار الذي هو المَيْسِر، الذي ذكر الله -تعالى- تحريمه صريحًا في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[المائدة: 90، 91]، وفي هذه الآية ذمٌّ وتقبيح وتبشيع لهذه الأعمال التي تُورِث هذه المضارَّ على دين العبد وقلبه وماله؛ فيصير عابدًا لهواه مُتَّبِعًا لشهوات نفسه، بعيدًا عن الخير والفلاح.
نهى الله -عز وجل- عن الميسر الذي هو كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة -وإن لم يكن على مال-، ومنه القِمار الذي هو من أشنعه وأقبحه، والقِمار -عباد الله- هو كل معاملة مالية يدخل فيها المرء مع تردده فيها بين أن يَغْرَم أو يَغْنَم -أي: بين ربح أو خسارة-، فالقِمار مغالبة ومغامرة ومخاطرة، أو أن القِمار هو جميع المغالبات التي فيها عِوَضٌ من الجانبين كالمراهنة ونحوها.
وقد نهى الله -عز وجل- عن القِمار؛ لِما فيه من مفاسدَ عظيمة على الفرد والمجتمع، فمن ذلك: ما يُسبِّبه من عداوة وبغضاء بين المتقامرين، وما فيه من صدٍّ عن ذكر الله وعن الصلاة.
والقِمار يَمْحَق المال ويُبدِّده، ويدعو إلى الديون المتراكمة، وهو مَدْعاة إلى الكسب من غير كدٍّ ولا عمل، ويدعو إلى الخمول والكسل، ويعيش المقامر في أوهام وفي قلق واضطراب.
وفي القِمار -عباد الله- هدم للبيوت العامرة، وفقد للأموال في وجوه الحرام، وافتقار وإذلال، وذهاب للأعمار، وضياع للأوقات، وقد يجر القِمار إلى منكرات عظيمة من شرب الخمر والكذِب، والرِّشوة والسرقة، نعوذ بالله من ذلك، وقد يجر إلى ضياع الأبناء والبنات، وقد قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "ومَن قالَ لِصاحِبِهِ: تَعالَ أُقامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ"(متفق عليه).
ثم لتعلموا - عباد الله - أن للقِمار صورًا كثيرة متنوعة:
منها: أن يلعب اثنان فأكثر ويدفع كل واحد منهما مالًا، على أن من فاز فإنه يأخذ المال، أو شيئًا منه، أو أن يتفق اثنان أو أكثر في مسابقة خيل أو مباراة، على أنه إذا فاز الفريق الفلاني فعلى كذا، وإن فاز الفريق الآخر فعلى كذا، وهذا يسمى بالمراهنات، وهي صورة من صور القِمار.
ومن صور القِمار: البيع عن طريق السحب، بأن يدفع مالًا، وتكون البضاعة مرقمة، ويأتي المشتري فيختار رقمًا، وتكون البضاعة ذات الرقم الذي سحبه من نصيبه، وقد يكون من حظه بضاعة غالية الثمن أكثر مما دفع، وقد تكون قليلة الثمن أقل مما دفع.
وما يحصل عن طريق بعض المؤسسات من أخذ أموال زهيدة من الناس، مع احتفاظهم بأسمائهم أو بأرقامهم، ثم يحصل السحب على رقم أو رقمين، فمن خرج رقمه، فله الجائزة، فهذا نوع من أنواع القِمار.
فالواجب -عباد الله- أن يحذر المسلم من أن يأكل حرامًا، أو يسعى في حرام، وإذا أَشْكَلَ على المسلم أمرٌ سأل أهل العلم؛ لقوله -تعالى-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النحل: 43].
وفَّقنا الله -عز وجل- لمرضاته، وأبعدنا عن سخطه وأليم عقابه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنكم ملاقو الله، فقدِّموا لأنفسكم ما يقربكم إلى الله والجنة، ويباعدكم عن سخطه والنار؛ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة: 7 - 8].
عباد الله: إن من محاسن الإسلام أنْ جَعَلَ في ديننا فُسحةً يروِّح المرء عن نفسه، ويلهو اللهو المباح، ولا سيما ما فيه خير ومنفعة، ومن ذلك أن أباح لنا المسابقات، مثل: سباق الخيل، والإبل، والرمي، والسباق على الأقدام، والسباحة، وسباق الدراجات، والمسابقات العلمية والثقافية، سابق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بين الخيل، وسابق -عليه الصلاة والسلام- بين الإبل، وسابق سلمة بن الأكوع رجلًا من الأنصار بين يدي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فسبقه.
وهذه الألعاب والمسابقات المباحة لا بد ألَّا يكون فعلها يؤدي إلى ترك واجب من صلاة، أو بِرِّ الوالدين أو عمل، أو تكون سببًا لأمور محرمة؛ كاللعن، والشتم، والتنازع، وأن يتقيد المتسابقين في اللعب المباح بستر العورة في أثناء اللعب، أو السباحة، وألَّا تكون هذه الألعاب سببًا لضياع الأوقات، وفعل المهمات، أو يكون غالبًا على المرء لعبه ولهوه، أو يكون متحمسًا تحمسًا زائدًا خارجًا عن المألوف، أو أن يخرج بهذا الحماس عن حسن المروءات.
وكل هذه الألعاب والمسابقات لا يجوز فيها أخذ العوض للفائز منهما، إلا ما استثناه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "لا سبقَ إلا في خفٍّ، أو في حافرٍ، أو نصلٍ"(سنن أبي داود)، والسبق: هو العوض في المسابقة والجائزة عليها، والنصل: هو السهم، والمراد بالخف: البعير، والمراد بالحافر: الخيل؛ لِما في ذلك من الاستعانة بها على إحقاق الحق ونصرته والدفاع عنه، والاستعداد للجهاد في سبيل الله، فيدخل في عموم قول الله -عز وجل-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)[الأنفال: 60].
ولم يكن الغرض من هذه الرياضات مجرد الحصول على المال وجمعه، ولا الشهرة، ولا حب الظهور، ويلحق بذلك المسابقات العلمية وحفظها واستظهارها؛ فإنها ذات نفع على الفرد والمجتمع، ويجوز أن يتولى دفع الجائزة الحاكمُ أو بعض المتسابقين أو غيرهم، أما إذا تولى جميع المتسابقين دفع الجائزة أو أحدهما، فلا يجوز؛ لأنه قِمار.
نسأل الله -تعالى- أن يسلك بنا طريق مرضاته.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم