تحريم المظاهرات

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2025-12-05 - 1447/06/14 2025-12-06 - 1447/06/15
عناصر الخطبة
1/خبث المنافقين وسوء أفعالهم 2/من هم أولو الأمر 3/طاعة ولاة الأمور برهم وفاجرهم 4/خطورة المسيرات والاعتصامات 5/حكم المظاهرات

اقتباس

وإن مما شاع في هذه الأيام، وأذيع عبر هذه الوسائل المختلفة من أعدائنا في الخارج والداخل ما يسمونه بالمسيرات والاعتصامات أو المظاهرات، وهذه علامة نعرفها من أحزاب قد تكررت غير مرة، ولكنّها باءت بالفشل لما وفّقنا الله -جل وعلا- إلى...

الخطبة الأولى:

 

الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

 

 وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى ونبيه المجتبى، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجه واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: عباد الله: فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

 

أيها المؤمنون: فضح الله -عَزَّ وَجَلَّ- المنافقين الذين أظهروا الإسلام، وأبطنوا الكيد له ولنبيه وللمؤمنين؛ فضحهم الله -جل وعلا- في غير ما سورةٍ من القرآن، ومن ذلك ما جاء في سياق آيات سورة النساء، يذكر الله -جل وعلا- حال هؤلاء المنافقين خصوصًا عند ورود الفتن، وعند اشتداد الأمور، وعند تحوُّل الحوادث لمصلحتهم، فقال -سبحانه-: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيطَانَ إِلَّا قَلِيلاً * فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ...)[النساء: 83- 84] (الآيات).

 

يفضح الله المنافقين بأنه إذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو أمرٌ من الخوف في أمانهم أو في رعبهم أذاعوا به، أي طاروا به كل مطار وأشاعوا فيه كل شائعة، وسروا فيه بالتحليلات بالشائعات الكاذبة، ولو أنهم عقلوا وكانوا مؤمنين وكانوا راشدين فردُّوا هذا الأمر المخوف إلى الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم- في حياته وهو ولي أمر المسلمين، وهو خليل رب العالمين، وهو المبعوث إليهم نبيًّا ورسولاً، لو ردوه إليه في حياته، أو ردوه إلى دينه وسنته بعد موته، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم.

 

وأولو الأمر -يا عباد الله- صنفان:

 الأمراء في أمور السياسة ومعاش الناس:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم *** ولا سراة إذا جهالهم سادوا

 

 والأمراء الذين تجب لهم الطاعة بالمعروف طاعةً لله -جل وعلا-، وسمعًا وطاعةً لأمرهم بما لا يخالف دين الله -جل وعلا-، ولهذا من أصول اعتقاد المؤمنين أننا نرى الطاعة لولاة الأمر برهم وفاجرهم بالمعروف إلى أن تقوم الساعة.

 

نعم، لأن طاعة الأمير طاعة لله، وطاعةٌ لرسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-، والله بهذا أمرنا؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)[النساء: 59]، وفي الصحيحين يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-: "مَن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن أطاعني أطاع الله. ومَن يعصِ الأمير فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله"، ولهذا تقرر في أصول اعتقاد المؤمنين أنه لا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بالسمع والطاعة بالمعروف. (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ)[النساء: 83].

 

 والصنف الثاني من أولي الأمر هم: العلماء الذين يُبيّنون أحكام دين الله، وأحكام النوازل التي يحتاج إليها الناس، معتمدين في ذلك على وحي الله كتابًا وسُنّة، ومراعين مصالح الأمة، وقواعد الشريعة المرعية؛ قال الله -جل وعلا-: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)، ثم قال -جل وعلا-: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيطَانَ إِلَّا قَلِيلاً)[النساء: 83].

 

 فدلَّ على أن الرد إلى غير الرسول والرد إلى غير أولي الأمر -علماء وأمراء- في طاعة الله -جل وعلا-، أن الرد إلى غيرهم هو اتباعٌ لخطوات الشيطان، واتباعٌ لهذا الشيطان في كيده للناس، وإقلاله أمنهم وأمانهم وعبادتهم لله -جل وعلا-.

 

 وإن مما شاع في هذه الأيام، وأذيع عبر هذه الوسائل المختلفة من أعدائنا في الخارج والداخل ما يسمونه بالمسيرات والاعتصامات أو المظاهرات، وهذه علامة نعرفها من أحزاب قد تكررت غير مرة، ولكنها باءت بالفشل لما وفّقنا الله -جل وعلا- إلى اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، ووحدة كلمتنا مع ولاة أمورنا وعلمائنا.

 

 فاللهَ اللهَ -عباد الله-، لا يخذلنكم هؤلاء المخذلون، ولا يرجفنكم هؤلاء المرجفون الذين اتخذوا هذه الوسائل من نعم الله بالاتصال، اتخذوها وسائل لإفسادكم وإفساد أولادكم وبناتكم، وتغيير حالكم من حال رغدٍ في عيش وأمنٍ وأمانٍ في وطن، وعبادةٍ لله وحده دونما شريك إلى ضد ذلك، وانظروا إلى حال من حولكم من البلدان كيف اضطرب عليهم أمنهم، وتشتت شملهم، لما سمعوا لهذه الدعوات المغرضة في مظاهراتٍ واعتصامات، وخروجٍ على ولاة أمورهم بغير علم وبغير حقٍ وبغير هدى.

 

وقد جاء في صحيح مسلم عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم- أنه قال في حديثٍ هو عَلَمٌ من أعلام النبوة، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-: "ستكون هناتٌ وهناتٌ، فمن أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرّق كلمتكم فاقتلوه كائنًا من كان".

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشأنه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم، وأحبهم وذبَّ عنهم إلى يوم رضوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها المؤمنون أيها العقلاء! انظروا إلى ما جرته المظاهرات والاعتصامات والخروج على ولاة الأمور، انظروا إلى ما جرته في بلدان المسلمين من أنواع النكبات والويلات واضطراب الأمن وتفرق الكلمة، لا بل وإراقة الدماء وسفكها بغير وجه حق.

 

واعلموا -عباد الله- أن هذه المظاهرات والاعتصامات أنها حرامٌ وكبيرةٌ من كبائر الذنوب؛ لعدة أمورٍ:

 

 أولها: ما جاء في سنن أبي داود بإسنادٍ جيد من حديث جابر بن عبد الله -رَضِيَ اللهُ عَنْهما- قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-: "من تشبَّه بقومٍ فهو منهم"، وهذه من العوائد الوافدة المستوردة من بلاد الكفر، لا يعرفها المسلمون لا خلفًا ولا سلفًا.

 

 ثانيًا: أن فيها معصية لله بمعصية ولي الأمر، الذي حرمها ومنع منها بقوة النظام وبقوة السمع والطاعة له بالمعروف، وسمعتم قول الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)[النساء: 59].

 

 ثالثًا: أنه يترتب عليها الإخلال بالأمن، ويترتب عليها تفويت المصالح وانتهاك الحرمات لا سيما مع ما يكون فيها من إيغار الصدور، وشحنها على الناس، ولا سيما على علمائهم وولاة أمورهم، بما يكون فيه إضرارهم وإضرار أمنهم واجتماعهم، وهذا كله منهج الخوارج في تأليب العوام على ولاة أمورهم، وتقرؤون التاريخ فيما حصل منهم مع أمير المؤمنين عثمان ثم مع أمير المؤمنين عليٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهما-، ثم على من بعدهم من أمراء وعلماء المسلمين، يسفكون دماءهم، سلم منهم المشركون الكافرون ولم يسلم منهم المؤمنون الركع السجود، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

 هذا وقد صدر عن هيئة كبار العلماء قرارٌ بالإجماع على أن هذه المظاهرات والاعتصامات، أنها حرامٌ ولا تجوز، ولا يجوز إذاعتها ولا إشاعتها، ولا تبريرها ولا تسويغها بين المسلمين.

 

ثم اعلموا –رحمني الله وإياكم- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة. وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار، ولا يأكل الذئب إلا من الغنم القاصية.

 

 اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم وارضَعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 اللهم عزًّا تعز به الإسلام وأهله، وذلاً تذل به الكفر وأهله. اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا أحدُ، يا فردُ، يا صمد، يا من لم تلد ولم تولد، اللهم من أراد بنا أو بالمسلمين أو بولاتنا وعلمائنا أو بشبابنا ونسائنا، أراد بهم فتنةً أو مكيدةً أو تبرجًا وسفورًا، اللهم فأشغله بنفسه، اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه.

 

اللهم آمِنّا والمسلمين في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم خذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم من شانأه أو ضاده اللهم فعليك به يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعل ولي أمرنا وإمامنا ردئًا للإسلام والمسلمين وكهفًا على أوليائك، واجعله ضرًا على أعدائك، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات

تحريم المظاهرات.doc

تحريم المظاهرات.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات