خطبة عيد الأضحى 1446

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2025-06-06 - 1446/12/10 2025-06-04 - 1446/12/08
التصنيفات: الأضحى
عناصر الخطبة
1/خير الملل وأسعد العباد 2/نعمة الإسلام من أجل النعم 3/من أعظم أسباب الثبات على الإسلام 4/التضحية والبذل في سبيل الدين 5/الاعتصام بالكتاب والسنة 6/أحكام الأضحية وسننها وآدابها.

اقتباس

لا يَثْبُتُ أَمامَ الفِتَنِ إِلا قَلْبٌ أُرْسِيَتْ دَعائِمُهُ بالإِيمانِ، وأُقِيمَتْ أَعْمِدَتُهُ بالعِلْمِ الشَّرْعِيِّ المُسْتَمَدِّ منَ القُرآن. بِالإِيمانِ تُواجَهُ أَمْواجُ الشَّهَواتِ، وبالعِلْمِ الشَّرْعِيِّ تُواجَهُ أَمواجُ الشُّبُهات. وأَعْظَمُ أَمانَةٍ يَجِبُ على الأُمَةِ اليَومَ أَنْ تَقُومَ بِها: تَحْصِينُ الجِيلِ مَنْ أَسْبابِ الانْحِراف، وتَرْبِيَتُهُم على هَدْيِ الكِتَاب؛ كِتاب اللهِ عِصْمَة وهِداية وأَمان...

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَين؛ تَعَالى جَدُّ رَبِنَا، مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً (قُلْ لَو كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا * تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)[الإسراء: 42- 44].

 

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَه؛ (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)[الإسراء: 111].

 

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَر، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيْراً

 

وَأَشْهَدُ أَنَّ محمداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلى يَومِ الدِّينِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ؛ (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[آل عمران: 179].

 

أيُّها المُسْلِمون: مِلَّةُ التَوحِيدِ أَكْرَمُ مِلَّةِ، ولِباسُ التَقْوَى خَيرُ لِباس، وأَسْعَدُ العِبادِ مَنْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيم.  عَبْدٌ أَكْرَمَهُ اللهُ بالتَوحِيدِ، وهَداهُ للإِسْلامِ، وشَرَّفَهُ بالقُرآنِ، وجَعَلَهُ مِنْ أَكَرَمِ أُمَةٍ. 

 

عَبْدٌ أَدْرَكَ مِنْ النِّعَمِ أَجَلَّها، ومِنَ الفَضَائِلِ أَعَزَّها، ومِنْ الكَرامَةِ أَسْماها. قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ، ونَفْسُهُ رَاضِيَة، وصَدْرُهُ مُنْشَرِحٌ، وحَياتُهُ طَيِّبَةٌ، ومُنْقَلَبُهُ في الآخِرَةِ إِلى نَعِيم. وهُوَ في الحَياةِ يَسِيرُ على صِرَاطٍ مُسْتَقِيم.

 

فَلا يَسْتَوِي هُو ومَنْ في الضَلالَةِ يَتَخَبَّطُ، ولا يَسْتَوِي هُو وَمَنْ على الكُفْرِ مُقِيم؛ (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ)[فاطر: 19- 22].

 

نِعْمَةُ الإِسْلامٍ لا نِعْمَةَ تَعْدِلُها، وَأَنَّى لِقَلْبٍ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَنْ يُدْرِكَ فَوزاً. وَأَنَّى لِقَلْبٍ صُرِفَ عَن الإسلامِ أَنْ يَطِيبَ لَهُ مُنْقَلَب؛ (وَمَن يَبْتَغِ غَيرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85]؛ فالحَمْدُ للهِ الذي هَدَانا للإِسْلامِ؛ (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَولَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)[الأعراف: 43].

 

وقد وَصَّى اللهُ عِبادَهُ المؤْمِنِينَ بِلُزُومِ التَّقْوَى، ووصَّاهُم بالثَبَاتِ على الإِسْلام؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]؛ قَالَ ابنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ الله-: "أَي حَافِظُوا عَلَى الإِسْلامِ في حَالِ صِحَّتِكُمْ وَسَلامَتِكُمْ لِتَمُوتُوا عَلَيهِ، فَإِنَّ الكَرِيمَ -سُبْحانَهُ- قَدْ أَجْرَى عَادَتَهُ بِكَرَمِهِ، أَنَّهُ مَنْ عَاشَ عَلى شَيءٍ مَاتَ عَلَيهِ، وَمَنْ مَاتَ على شَيءٍ بُعِثَ عَلَيهِ، فَعِياذاً بِاللهِ مِنْ خِلافِ ذَلِك"ا.هـ

 

إِنَّ مِنْ أَعظَمِ أَسْبابِ الثَّبَاتِ على الإِسلامِ: إِخلاص العَبْدِ لِرَبِهِ، واسْتِجابَته لِخَالِقِهِ، وانْقِياده لأَوامِرِهِ، واسْتِمْساكه بشَرائِعِ الدِّين؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)[البقرة: 208]؛ (ادْخُلُوا في السِّلْمِ كافَةِ) فِي جَمِيعِ شَرَائِعِ الدِّينِ كُلِّها، اعْمَلُوا بِما تُؤْمَرُونَ بِه، تَلَقَّوا أَوامِرَ اللهِ بالقَبُولِ. احْذَرُوا مُخالَفَةَ أَمْرِه، احذَرَوا الإعْراضَ عَنْ هَدي الرَّسُول -صلى الله عليه وسلم-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَينَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحْشَرُونَ)[الأنفال: 24].

 

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَر، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيراً

 

إِنَّ دِيناً أَكْرَمَنا اللهُ بِه، بُعِثَ بِهِ محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ أَرْبعَةَ عَشَرَ قَرْناً، ولَمْ يَزَلْ هَذَا الدِّينُ نَقِياً صَافِياً كَما نَزَل. مَحْفُوظاً بِحِفْظِ اللهِ لَه. سَخَرَ اللهُ لَهُ رِجالاً عُدُولاً أَوفِياءَ، يَتَوارَثُونَ القِيامَ بِحَقِّهِ، يَحْمِلُونَ على عَوَاتِقِهِم تَبْلِيغَ هذا الدِّينَ، ويَصْدُقُونَ في البَذْلِ لَه.  يَتَفَقَهُونَ في أَحْكامِ الشَّرِيعَةِ ويُفَقِّهُون، ويَتَعلَّمُونَ آياتِ القُرآنِ ويُبَلِّغُون، ويَنْشُرُونَ دِينَ اللهِ في الأُمَمِ ويُبَصِّرُون، يُدافِعُونَ عَنْ حِياضِ المِلَّةِ وفي سَبِيلِ اللهِ يُجاهِدُون. 

 

باعُوا للهِ أَنْفُساً، وأَرْخَصُوا لَهُ أَمْوالاً، واقْتَحَمُوا لأَجْلِ الدِّينِ الصِّعاب. أُوذُوا في سَبِيلِ اللهِ؛ (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)[آل عمران: 146]؛ حَمَلَوا هَذا الدِينَ أَمانَةً فَما ضَيَّعُوها، وحَمَلُوهُ رِسالَةً، فَما اطْمأَنُوا حَتَّى بَلَّغُوها.

 

واليَومَ ها هُوَ دِينُ اللهِ لَمْ يَزَلْ كَما نَزَل. فَجَزَى اللهُ عَنَّا إِخواناً سَبَقُونا. رَحَلُوا إِلى رَبِهِم، وَقَدْ وَرَّثُوا فِينا أَثَرَهُم، وأَبْقَوا فينا نَفْعَهُم. ومَدُّوا إِلَينَا حِبَالاً بِالوَحِيِّ مَوصُولَةً.

 

جَزَى اللهُ عَنَّا عُلَماءَ عَامِلُيِن، وجَزَى اللهُ عَنَّا دُعاةً مُخْلِصُين، وجَزَى اللهُ عَنا مُجاهِدين فاتِحين، وجَزَى اللهُ عَنَّا رَجالاً كانُوا لِدِينِ اللهِ عَامِلِين. جَمَعَنا اللهُ بِهِم مَعَ النَّبِيين، وأَدْخَلَنا وإِياهُم بِرَحْمَتِهِ في الصَّالحِين (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)[الحشر: 10].

 

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَر، لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيراً

 

أَيُها المُسْلِمون: وكُلَّما بَعُدَ الزَّمَانُ عَنْ عَصْرِ الرِسالَةِ كُلَّما عُظُمَتْ وتَضاعَفَت الفِتَنُ. والفِتَنُ زَلازِلُ تُمْتَحَنُ بِها القُلُوبُ. ولا يَثْبُتُ أَمامَ الفِتَنِ إِلا قَلْبٌ أُرْسِيَتْ دَعائِمُهُ بالإِيمانِ، وأُقِيمَتْ أَعْمِدَتُهُ بالعِلْمِ الشَّرْعِيِّ المُسْتَمَدِّ منَ القُرآن. بِالإِيمانِ تُواجَهُ أَمْواجُ الشَّهَواتِ، وبالعِلْمِ الشَّرْعِيِّ تُواجَهُ أَمواجُ الشُّبُهات.

 

وأَعْظَمُ أَمانَةٍ يَجِبُ على الأُمَةِ اليَومَ أَنْ تَقُومَ بِها: تَحْصِينُ الجِيلِ مَنْ أَسْبابِ الانْحِراف، وتَرْبِيَتُهُم على هَدْيِ الكِتَاب؛ كِتاب اللهِ عِصْمَة وهِداية وأَمان.

 

 في حَجَّةِ الوَدَاعِ خَطَبَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَومَ عَرَفَة، فَكانَ مما قَالَ: "وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ"، ثُمَّ قَالَ: "وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟"؛ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: "اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ"(رواه مسلم).

 

اللهُمَّ إِنا نَشْهَدُ أَنَّ عَبْدكَ ورَسُولَكَ نَبِيَّنا مُحمداً -صلى الله عليه وسلم- قَدْ بَلَّغَ رِسَالَتَكَ، وأَدَّها، نَصَح. اللهُمَّ فاجْزِهِ خَيرَ ما جَزيتَ نَبِياً عَنْ أُمَّتِهِ، واجْزِهِ خَيرَ ما جَزيتَ رَسُولاً عَنْ رِسالَتِه.

 

اللهمَّ أَقْمْنا على شَرِيعَتِهِ، وثَبِّتْنا على سُنَّتِه؛ (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ)[آل عمران: 193].

 

بارك الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَن لا إِله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشهدُ أَن محمداً عبدهُ ورسولُهُ النبي الأَمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه أجمعين. 

 

أَما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.

 

أَيُّهَا المُسْلِمُون: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج: 36 - 37].

 

عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "ضَحَّى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَينِ أَمْلَحَينِ أَقْرَنَينِ قَالَ: وَرَأَيتُهُ يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ، وَرَأَيتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، وَسَمَّى وَكَبَّرَ"(رواه مسلم).

 

وَفِي يَومِ النَّحْرِ خَطَبَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَومِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيءٍ»(رواه البخاري).

 

فَذَبْحُ الأَضَاحِي لا يَكُونُ إِلا بَعْدَ صَلاةِ العِيدِ، فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَذَبِيحَتُهُ ذَبِيحَةُ لَحْمٍ لَيسَتْ ذَبِيحَةَ نُسُك، وَآخِرُ يَومٍ لِذَبْحِ الأُضْحِيَةِ هُوَ غُرُوبُ شَمْسِ آخِرِ يَومٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ اليومُ الثالثُ عَشَر، وَيَجُوزُ ذَبْحُ الأُضْحِيَةِ لَيلاً وَنَهَاراً، والذَّبْحُ في النَّهَارِ أَولَى، وَيَومُ العِيدِ بَعْدَ الخُطْبَتَينِ أَفْضَل، وَكُلُّ يَومٍ أَفْضَلَ مِمَّا يَلِيهِ؛ لِما فِيهِ مِنَ المبادَرَةِ إِلى فِعْلِ الخَير.  

 

والأُضْحِيَةُ لا تَكُونُ إِلا مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ؛ لِقَولِ اللهِ -تَعَالى-: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعام)[الحج: 34]؛ وبَهِيمَةُ الأَنْعَامِ هِيَ الإِبِلُ والبقرُ والغَنَمُ ضَأَنُها وَمَعْزُها.

 

وَيُشْتَرَطُ لِلأُضْحِيَةِ أَنْ تَبْلُغَ السِّنَّ المحدَّدِ شَرْعَاً. فَمِنَ الإِبِلِ مَا لَهُ خَمْسُ سَنَوَات، وَمِنَ البَقَرِ مَا لَهُ سَنَتَان، وَمِنَ الماعِزِ مَا لَهُ سَنَةٌ، وَمِنَ الضَّأَنِ مَا لَهُ نِصْفُ سَنَة، ولا يُجْزِئُ ما كانَ أَقَلَّ مِنْ ذلك. 

 

وَيُشْتَرَطُ في الأُضْحِيَةِ أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً مِنَ العُيُوبِ، وَهِيَ: العَرَجُ البَيِّنُ، وَالعَوَرُ البَيِّنُ، والمَرَضُ البَيِّنُ، والعَجْفاءُ التي لا تُنْقِي -أَي الهزيلةُ التي لا مُخّ في عِظامِها-، وكُلُّ ما كَانَ في حُكْمِ هَذِهِ العُيُوبِ أَو أَشَدّ، فَهُوَ دَاخِلٌ في ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَولَى. 

 

والأَضْحِيَةُ مِنْ أَعظَمِ العِبادات، قَرَنَ اللهُ عِبادَةَ الذَّبْحَ بِعبادَةِ الصلاةِ في آياتٍ مِنَ القُرآن؛ (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)[الكوثر: 2].

 

ولا يُباشِرُ النَّحْرَ والذَّبْحَ كَافِرٌ، فالكافِرُ لا تَصِحُّ تَحْرُمُ ذِبِيحَتُهُ إِلا مَنْ كانَ مِنْ أَهْلِ الكِتاب. فَعَلَى المُسْلِمِ أَن يَتَفَطَنَ لذلكَ عِنْدَ اسْتِعَانَتِهِ بِمَنْ يُعِينُهُ عَلَى ذَبْحِ الأَضاحِي. 

 

أَخْلِصوا للهِ في نُسُكِكُم، وسَلُوا رَبَكُمُ القَبُول، فإِن اللهَ لا يَقْبَلُ مِن العَمَلِ إِلا ما كَانَ لَهُ خالِصاً. كُلُوا من الأُضْحِيَةِ، واهْدُوا مِنْها، وَتَصَدَّقوا، وادَّخِرُوا، واهْنَؤُوا بما رَزقَكُمُ اللهُ. وكُونُوا للهِ مِن الشاكِرين (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)[الحج: 28].

 

ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّهُ صَحَّ عَنْ رَسُولِكُمْ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَال: «إنَّ الله كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، فَإذَا قَتَلْتُم فَأحْسِنُوا القِتْلَة، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَليُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَه، وَلْيُرِح ذَبِيحَتَهُ»(رواه مسلم).

   

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.

المرفقات

خطبة عيد الأضحى 1446.doc

خطبة عيد الأضحى 1446.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات