عناصر الخطبة
1/اعتبار أهل الإيمان بمرور الأيام والأعوام 2/الآثار الحسنة لمحاسبة النفس 3/على العبد المسلم المسارعة لطاعة الله تعالى 4/الميزان الصحيح للربح والخسران 5/شقاء من لا يتعظ بمرور الأيام والأعواماقتباس
إنَّ العبد المسلم وظيفتُه في هذه الحياة المسارَعة إلى مرضاة ربه، والبُعْد التام عن الآثام والسيئات؛ فشأن المسلم أن يزداد بمرور الأوقات تقرُّبًا إلى ربه -جل وعلا-، وألَّا تشغَلَه الدنيا الفانيةُ عن الآخرة الباقية...
الخطبة الأولى:
الحمد لله مُدَبِّرِ الأمورِ، مُصرِّفِ الأحوالِ؛ (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ)[الرَّحْمَنِ: 29]، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، الملك العظيم الشان، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، سيد ولد عدنان، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه، وعلى آله وأصحابه، مَنْ مَنَّ عليهم ربهم بالرضوان.
أمَّا بعدُ، فيا معاشرَ المسلمينَ: اتقوا الله -جل وعلا-؛ فتقواه سبب النجاة من كل مرهوب، والفوز بكل مرغوب، قال -جل وعلا-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الْبَقَرَةِ: 189].
معاشرَ المسلمينَ: إنَّ في تعاقُب الأعوام مُدَّكَرًا، وفي تواليها مزدجر، قال -جل وعلا-: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)[النُّورِ: 44].
وإن من صفات أهل الإيمان تفكُّرَهم الدائم في جميع الحالات، بما يكون سببًا يقودهم لعبادة ربِّهم، والتقرب إليه بمختلف الطاعات وبُعْدهم عن المعاصي والسيئات، قال -جل وعلا-: (إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آلِ عِمْرَانَ: 190-191]، روى البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما استيقظ منتصف الليل، قرأ الآيات العشر من آخر سورة آل عمران، ثم توضأ وَصَلَّى، وقد ذكر أهل العلم استحباب قراءتها عند القيام من النوم، والتدبُّر لما دلت عليه من تعظيم الخالق وكمال التذلل له -جل وعلا-.
معاشرَ المسلمينَ: حقٌّ علينا الاعتبار بتوالي السنين، وسرعة مرورها، وأن نحاسب الأنفس محاسبةً جادَّةً تكون معها التوبة النصوح، والإنابة الجادَّة لما يحقق العبودية الكاملة لله -جل وعلا-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الْحَشْرِ: 18]؛ ففي اختلاف الليل والنهار ومرور الأيام والشهور أعظم واعظ لمن تذكَّر وتدبَّر وتعقَّل، تدبُّرًّا يؤول به إلى تعظيم خالقه -جل وعلا-، وتحقيق العبودية له -عز شأنه-، والاتصاف بالتقوى التي تحمله إلى الوقوف عند حدود الله -جل وعلا-، والامتثال الكامل لأوامره وأوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، مع الحذر من أسباب عقابه وبأسه؛ (إِنَّ في اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)[يُونُسَ: 6].
إخوةَ الإسلامِ: إنَّ العبد المسلم وظيفتُه في هذه الحياة المسارَعة إلى مرضاة ربه، والبُعْد التام عن الآثام والسيئات؛ فشأن المسلم أن يزداد بمرور الأوقات تقربًا إلى ربه -جل وعلا-، وألا تشغله الدنيا الفانية عن الآخرة الباقية؛ (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)[غَافِرٍ: 39]، فَطُوبَى لمن نهى نفسه عن الغي والآثام، وحافظ في هذه الحياة على كل ما يرضي الملك العلام، فما أفلح من أفلح إلا بحفظ نفسه عن العِصِيّ، وتزكيتها بطاعة الرحمن؛ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشَّمْسِ: 9-10]، فكن أيها المسلم ممن يتزود بمرور الأيام من الخيرات والصالحات، قال -جل وعلا-: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[الْبَقَرَةِ: 197]، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "خيركم من طال عمره وحسن عمله"(رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح).
أيها المسلمون: الميزان في الربح والخسران، والفوز والحرمان إنما هو بكمال الإيمان وطاعة الرحمن، ومتابَعة سيد ولد عدنان عليه أفضل الصلاة والسلام، قال -جل وعلا-: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[الْعَصْرِ: 1-3].
اللهمَّ وَفِّقْنا لاغتنامِ الأوقاتِ بما يُرضي ربَّ الأرض والسماوات، اللهمَّ اجعلنا من المعتبِرِينَ المتعظينَ المفلحينَ، الفائزينَ يا ربَّ العالمينَ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله العلي الأعلى، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ذو الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبي المصطفى، صاحب الشفاعة العظمى، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه، أولي البر والتقوى.
عبادَ اللهِ: من علامات الشقاء أن تمر الأعوام والإنسان غافل عن محاسبة نفسه ومراجعة حاله، فالتسويف في التوبة قسوة عظمى، وبلية كبرى، فعلى المسلم أن يلين قلبه لآيات الله الكونيَّة وآياته الشرعيَّة، وأن يصلح علاقته بربه -جل وعلا-؛ (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)[الْحَدِيدِ: 16]، فبادروا -رحمكم الله- إلى المسارعة بالخيرات والمسابقة إلى الطاعات، واحذروا المعاصي والسيئات، والتزموا بشرع رب الأرض والسماوات.
ثم أكثِرُوا في كل وقت وحين من الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهمَّ عن الآل والصحابة أجمعين.
اللهمَّ اغفر للمسلمين أجمعين، اللهمَّ تب عليهم يا تواب يا رحيم، اللهمَّ ارحمهم برحمتك الواسعة، اللهمَّ أجزل لهم عظيم الأجر، واحفظهم بحفظك يا كريم، اللهمَّ الطف بنا وبهم يا لطيف يا منان، اللهمَّ أصلح أحوال المسلمين، واجبر كسرهم، اللهمَّ اشف مريضهم، وفرج كرباتهم، يا عظيم الشأن.
اللهمَّ احفظ خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحبه وترضاه، اللهمَّ وفِّقْ جميعَ ولاةِ أمورِ المسلمينَ لما تحبه وترضاه يا ربَّ العالمينَ.
وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم