مسافرون

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2025-06-27 - 1447/01/02 2025-07-03 - 1447/01/08
عناصر الخطبة
1/في الأسفار تختبر التقوى 2/استصحاب النية الصالحة في السفر 3/دعاء السفر وفوائده 4/نعمة المواصلات وتعددها 5/تنبيهات لأصحاب السفر السياحي

اقتباس

وذاكَ سَفَرٌ تَحَوَّلَ مِنْ كَونِهِ مِنْ كَمالِياتِ الفَرْدِ والأُسْرَةِ، إِلى كَونِهِ حَاجَةً بَلْ ضَرَورَةً لا غِنَى للمرءِ عَنْها، يَتَحَمَّلُ الرَّجُلُ لأَجْلِ السِّياحَةِ دُيُوناً لا قِبَلَ لَهُ بِوَفائِها، وَلَرُبَّمَا تَنازَلَتِ بَعْضُ الأُسْرَ في أَسْفارِهِا عَنْ بَعْضِ المَبادِئِ، وَلَرُبَّمَا فَرَّطَتْ في بَعْضِ القِيَم...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

أَيها المُسْلِمون: ضَارِبٌ في الأَرْضِ مُسافِرٌ بَيْنَ أَقْطارِها، يَقْطَعُ الفَيافِيْ ويَتَجَاوَزُ القِفار، يُفَارِقُ وطَناً، ويُغَادِرُ بَلَداً، يَسِيْرُ في الأَرْضِ، يَتَنَقَّلُ بَيْنَ أَرْجائِها، يُسافِرُ وغَاياتُ المُسافِرِيْنَ لا يُحاطُ بِها، يُسافِرُ وَلِكُلِّ مُسافِرٍ ما نَوَى، ولِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيْها.

 

ومَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ مُسافِراً فإِنَّما يَنْفَصِلُ عَنْ دَارٍ، ويَنأَى عَنْ وَطَنْ، ويَبْتَعِدُ عَنْ أَهْلٍ وينأَى عَنْ عَشِيْرَة، وفي الأَسْفارِ تَتَجَلَّى خَفاياَ الأَسْرار، في الأَسْفارِ تُمْتَحَنُ المَبادِئُ وتُخْتَبَرُ التَقْوَى، وتُبْتَلى الأَخْلاقُ وتَتَجَلَّى حَقِيْقَةُ المُراقَبَةُ لله.

 

إِذا فَارَقَ المُسافِرُ وطَنَهُ، ابْتَعَدَ عَنْ الأَعْيُنِ التِيْ تَعْرِفُه، وخَالَطَ أَقْوماً لا يَعْرِفُونَهُ، فلا يَهابُ مِنْهُم ذَماً، ولا يَخْشَى مِنْهُم لَوماً، ولا يَدارِيهِم بِعَمَل، فَيَتجَرَّدُ مِنْ كُلِّ لِباسٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِلِباس، ويَنْسَلِخُ مِنْ كُلِّ مُروءَةٍ لَمْ تَكْنَ لَهُ بِخُلُق.

 

ولا يَثْبُتُ على المَبادِئِ في أَوطَانِ الغُرْبَةِ إِلا مَنْ اسْتَوطَن الإِيْمانُ قَلْبَهُ، ولا يُحافِظُ على التَقْوَى في أَسْفارِهِ إِلا مَنْ حافَظَ عليها في جَهْرِهِ وفي إِسْرارِه.

 

في الأَسْفارِ إِسْفارٌ عَنْ أَخْلاقِ ومَبادِئِ ومَعادِنِ الرِجَال، كَمْ عادَ مُسافِرٌ مِنْ سَفَرِهِ بِخَيْبَةٍ وخَسارَةٍ وزَلل، عَادَ بِخُلُقٍ مَثْقُوبٍ، أَو بِشَرَفٍ مَسْلُوبٍ، أَو بِعِرْضٍ مُضَيَّعٍ، أَو بِقَلْبٍ عَنِ الهُدَى مَقْلُوب!.  

 

وكَمْ عادَ مُسافِرٌ مِنْ سَفَرِهِ بِأَكْرَمِ المَكاسِبِ وأَسْمَاها، بِعْلٍمٍ نَافِعٍ، أَو بِعَمَلٍ رافِعٍ، أَو بِسَعيْ لَهُ عِنْدَ اللهِ شافِع، أَو عَادَ مِنْ سَفَرِهِ بِالسَلامَةِ والكَفاف؛ نُزْهَةٌ لَمْ يَتَجاوَزْ فِيْها حَدّاً ولَمْ يَرْتَكِبْ فيها مُنْكَراً، ولَمْ يَتَنازَلْ فِيها عَنْ فَضِيْلَةٍ ولَمْ يَتَخَلَّى فيها عَنْ خُلُق.  

 

في الأَسْفارِ تَتَضاعَفُ أَسْبابُ الأَخْطارِ وتَكْثُرُ دَواعِي الفِتَنِ، وتَقَابِلُ المَرءَ في أَسْفارِه شَدائِدُ قَدْ لا تَكُونُ في بَلَدِه، الأَسْفارُ مَكامِنُ الأَخْطار، وإِنْ تَيَسَرَتْ سُبُلُ الأَسْفارِ في هذِهِ الأَزْمانِ، إِلا أَنَّهَا سَتَبْقَى تَحُفُّ بِها المَكارِه، في الحَدِيْثِ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ"(متفق عليه).

 

ومِنْ هُنا كَانَ حَرياً بالمُسْلِمِ أَنْ لا يَمْضِيَ في سَفَرٍ حَتَى يُصَحِحَ نِيَّتَهُ ويَتَعاهَدَ قَصْدَه، فَلا يَرْتَحِلُ إِلى مُنْكَرٍ، ولا يَشُدُّ الرَّحْلَ إِلى حَرام، ولا يَعْمِدُ إِلى مَوْطِنِ فِتْنَةٍ، ولا يَسْتَهِيْنُ في مُرافَقَةِ أهْلِ الآثام.

 

يَبْتَدِئُ المُسْلِمُ سَفَرَهُ بِما كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَبْتَدِئُ بِهِ أَسْفارَه، يَبْتَدِئُها بِدُعاءِ السَّفَر، وهُو دُعاءٌ مَهِيْبٌ يَمْلأُ القَلْبَ إِجلالاً للهِ تَوْقِيْراً، يَمْلأَ القَلْبَ إَقْبالاً إِلى اللهِ وافْتِقاراً، دُعاءُ السَفَرِ دَعاءٌ عَظِيْمٌ، يَسْتَعِيْنُ بِهِ العَبْدُ رَبَهُ على تَيْسِيْرِ كُلِّ عَسِيْرٍ وعلى دَفْعِ كُلِّ خَطَر، وعلى جَلْبِ كُلِّ نَفْعٍ وعلى الوِقايَةِ مِنْ كُلِّ ضَرر.

 

في دُعاءِ السَفَرِ يَسْتَودِعُ المُسافِرُ رَبَهُ دِيْنَهُ ودُنْياهُ، وأَهْلَهُ ومالَهُ، يَسأَلُ رَبَهُ أَنْ يَكونَ لَهُ في السَّفَرِ مُصاحِباً، وفي الأَهْلِ خَلِيْفَةً حافِظاً.

 

دُعاءُ السَفَرِ يُوقِظُ في العَبْدِ التَفَكُرَ فِيْما يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عليهِ في سَفَرِهِ مِنْ لُزُومِ البِرِّ والتَقْوَى، ومِنَ العَمَلِ ما بِهِ اللهُ يَرْضَى، دُعاءُ السَفَرِ لَيْسَ قَولاً مُجَرَّداً، ولا عِبارَاتٍ تُرَدَّدُ خَلْفَ مَنْ يَدْعُو بِها، دُعاءُ السَفَرِ اعْتِصامٌ باللهِ وتَعَلُّقُ بِه.

 

عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ -رَضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كانَ إذَا اسْتَوَى علَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلَاثًا، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكبَر"، ومَنْ أَيْقَنَ أَنَّ اللهَ أَكْبَرُ، صَغُرَتْ أَمامَهُ كُلُّ الشدائدِ، واسْتَمَد العَونَ مِنَ العَليِّ الأَكْبَر، ثُمَّ قالَ: "سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا، وَما كُنَّا له مُقْرِنِينَ"، يُنَزِّهُ اللهَ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ، فَهُوَ الذي أَمَدَّ العِبادَ بالنِعَمِ، وسَخَرَّ لُهُم المَراكِبَ التِيْ تَحْمِلُهُم في أَسْفارِهِم، وما كَانَ العِبادُ على تَسْخِيْرِها قَادِرِيْنَ لَولا فَضْلُ اللهِ وتَيْسِيْرُهُ لَهُم، ومَنْ كَانَ هَذا فَضْلُهُ، وجَبَ شُكْرُهُ، والقِيامُ بأَمْرِه، ثُمَّ قالَ: "وإنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ"، أَيْ: إِليهِ صائِرُونَ ورَاجِعُونَ وعِنْدَهُ مَوْقُوفَون.

 

ثُمَّ قالَ: "اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هذا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ في الأهْلِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن وَعْثَاءِ السَّفَرِ -أَي: مِنْ الشِّدَةُ المَشَقَةُ والتَّعَب- وَكَآبَةِ المَنْظَرِ -أَيْ: مِن كلِّ مَنظرٍ يَعقُبُ الكآبةَ عندَ النَّظرِ إِليهِ، ومِنْ كُلِّ عَمَلٍ يُورِثُ والهَمَّ والحَزَن- وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المَالِ وَالأهْلِ -يَسْتَعِيذُ باللهِ أَنْ يَرَى ما يَسُوؤُهُ في أَهْلِهِ أَو مالِهِ عِندَ مُنْقَلَبِه إِليهِم-"(رواه مسلم).

 

فَمَنْ اسْتَجابَ اللهُ دُعاءَهُ هذا، فَلْتَهْنأَ لَهُ الأَسفار، ولْتَسْعَدْ بِهِ الأَقْطَار، ولْيَطِبْ لَهُ في كُلِّ أَرْضٍ قَرار؛ (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)[الزخرف: 12، 13].

 

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.

 

أيها المسلمون: يَسَّرَ اللهُ لِعِبادِهِ وَسائِلَ الأَسْفارِ، وذللَ لَهُم أَسْبابَها، فَمَراكِبُ تَحْمِلُهُم في البَرَّ، ومَراكِبُ تَحْمِلُهُم في البَحْر، ومَراكِبُ تَحْمِلُهُم في الجَوِّ، وتِلْكَ وَسائِلُ امْتَنَّ اللهُ على العِبادِ بإِسْدائِها، قَالَ اللهُ -عز وجل-: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[النحل: 8]، قَالَ السَّعْدِيُّ -رحمه الله-:  "(وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) مِمَّا يَكُوْنُ بَعْدَ نُزُوْلِ القُرْآنِ مِنَ الأَشْيَاءِ التِيْ يَرْكَبُهَا الخَلْقُ، في البَرِّ وَالبَحْرِ والجَوِّ، ويَسْتَعْمِلُونَها في مَنافِعِهِم ومَصَالحِهِم، فَإِنَّ اللهَ لَـمْ يَذْكُرْهَا بِأَعْيَانِها؛ لأَنَّ اللهَ -تعالى- لا يَذْكُرُ في كِتَابِهِ إِلا مَا يَعْرِفُهُ العِبَادُ، أَوْ يَعْرِفُوْنَ نَظِيْرَهُ".

 

ومَنْ تأَمَلَ في هذهِ الوَسائِلِ المُسَخَرَةِ أَبْصَرَ عَجَباً، في كُلِّ ساعَةٍ تَمُرُّ، تُقَدَّرُ أَعْدادُ المُسافِرِيْنَ المُحَلِّقِيْنَ في الجَوِّ بِما يزِيْدُ على مِلْيُونٍ وَخَمْسِمائةِ أَلْفَ مُسافِرٍ في الساعَةِ الواحِدَة، يقْطَعُونَ أَبْعَدَ المَسافَاتِ بِأَسْرَعِ الأَوْقات، في مَراكِبَ في الجَوِّ آمِنَةٍ -بإِذْنِ اللهِ-؛ (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ)[الملك: 19].

 

عِبادَ اللهِ: وإِذا ذُكِرَتِ الأَسْفارُ تَنَوَّعَتِ المَفاهِيْمُ تِجاهها، ولِكُلِّ مُسافِرٍ مِنْ سَفَرِهِ غَايَة، فَمُسافِرٌ يَمْتَطِيْ ظَهْرَ مَرْكَبهِ لِعَمَلِ طَاعَةٍ يَرْجُو بِها عِنْد اللهِ زُلْفَى، مِنْ عُمْرَةٍ أَو طَلِبِ عِلْمٍ، أَو صِلَةِ رَحِمِ، أَو دَعْوَةِ إِلى اللهِ، أَو نحوها،  وَمُسافِرٌ يَمْتَطِيْ ظَهْرَ مَرْكَبهِ لِيَكْسِبَ تِجارَةٍ ويَطْلُبَ رِزْقاً، وَمُسافِرٌ يَمْتَطِيْ ظَهْرَ مَرْكَبهِ يَنْشُدُ لِمَرَضِهِ شِفاءً، ولِداِئِهِ دَواءً، وَمُسافِرٌ يَمْتَطِيْ ظَهْرَ مَرْكَبهِ لِيَسْتَمْتِعَ بِنَزْهَةٍ، ويَأَنَسَ بِمُتْعَةٍ، ويَسْتَجِمَّ بِمُباح، ومُسَافِرٌ، ومُسَافِرٌ، ومُسَافِر، وما بَيْنَ كُلِّ مُسافِرٍ ومُسافِرٌ مِنَ المَقاصِدِ والغاياتِ ما بَيْنَ السَّماءِ والأَرض.

 

وأَعْظَمُ المُسافرِيْنَ خَطَراً، وأَشَدُّهُم ضَرراً، مَن آبَ مِنْ سَفَرِهِ بِعَمَلٍ يُغْضِبُ رَبَهُ، أَو رَجَعَ مِنْهُ بِجَرِيْرَةٍ يُجَرْجِرُ وَيْلَاتِها، بِئِسَ المُسَافِرُ وبِئِسَ ما رَجَعَ بِه، تَمَتَّعَ بلذاتِ مِنَ الحَرامِ سَاعَةً، وانْقَلَبَ بَعْدَها حَسِيْراً، وسَيُسأَلُ عَنْها بَعْدَ قَيامِ السَّاعَة.

 

تَفْنَى اللَّذَاذَةُ مِمَّنْ نَالَ صَفْوَتَهَا *** مِنَ الْحَرَامِ وَيَبْقَى الْخِزْيُ وَالْعَارُ

تَبْقَى عَوَاقِبُ سُوءٍ فِي مَغَبَّتِهَا *** لَا خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِنْ بَعْدِهَا النَّارُ

 

وإِنَّ أَعَمَّ ما شَاعَ في مُجْتَمَعَاتِنا اليَومَ مِن الأَسْفارِ هُوَ سَفَرُ السِياحَةِ، وذاكَ سَفَرٌ تَحَوَّلَ مِنْ كَونِهِ مِنْ كَمالِياتِ الفَرْدِ والأُسْرَةِ، إِلى كَونِهِ حَاجَةً بَلْ ضَرَورَةً لا غِنَى للمرءِ عَنْها، يَتَحَمَّلُ الرَّجُلُ لأَجْلِ السِّياحَةِ دُيُوناً لا قِبَلَ لَهُ بِوَفائِها، وَلَرُبَّمَا تَنازَلَتِ بَعْضُ الأُسْرَ في أَسْفارِهِا عَنْ بَعْضِ المَبادِئِ، وَلَرُبَّمَا فَرَّطَتْ في بَعْضِ القِيَم، وَلَرُبَّمَا سَافَرَوا إِلى بِلادِ كُفْرٍ، أَو هان َعليهِم أَنْ يَتَنَزَّهُوا في بِلادِ عُهْر!.

 

ومَنْ ابْتُلِيَ بِهذِهِ الأَسْفارِ فَلْيحذَرْ أَنْ يَكُونَ سَبباً لِبلاءِ غَيْرِه، لِيَكُفَّ عَنْ نَشْرِ أَخْبارِهِ، ولَيُمْسِكْ عَنْ بَثِّ صُوَرِه، فَليْسَ كُلُّ رَبِّ أُسْرَةٍ قادِرٌ، ولَيْسَ كُلُّ قادِرٍ يَهَوَى، فَرَحِمَ اللهُ مَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ رَحِيْمٌ، وعَقْلٌ سَلِيْمٌ، وعَزِيْمَةٌ في الحَقّ.

 

وإِلى كُلِّ مُقِيْمٍ وإِلى كُلِّ مُسافِر: هذهِ وصِيَّةُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لَكْم فَالزَمُوها، عَنْ أَبِي ذَرٍ -رضي الله عنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئةَ الحَسَنَةَ تَمْحُها، وَخَالِقِ النَّاسَ بخلقٍ حَسَنٍ"(رواه الترمذي).

 

اللهم أَحْسنَ حَياتَنا، وأَحْسِنَ وفَاتَنا، واختم بالصالحات أعمالنا.

المرفقات

مسافرون.doc

مسافرون.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات