عناصر الخطبة
1/ خطورة الحسد على الدين والدنيا. 2/ نماذج من الحسد في القرآن والسنة. 3/ آثار الحسد وعقوباته على الحاسد. 4/ علاج الحسد.اقتباس
وقد سماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- داء الأمم، فقال محذراً: “دبَّ إليكم داءُ الأممِ قبلَكم: الحسدُ والبغضاءُ هيَ الحالقةُ، لا أقولُ تحلِقُ الشَّعرَ ولكن تحلِقُ الدِّينَ، والَّذي نفسي بيدِهِ....
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، الرحيم بالخلق أجمعين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
أيها المؤمنون والمؤمنات: أن يحيا الإنسان الحياة الطيبة في ظل الطاعات لخالقه ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، هي أحلى وألذ ما ينعم به المسلم. ولا يدرك قيمة هذه النعمة إلا من عاشها، وكل ذي نعمة محسود، والحسد نقيض الإيمان وعدو للدين ورأس كل المساوئ، ولا يجدر بمؤمن أن يكون من أهله، فهو شر وغم في الدنيا، مسبب للقلب في الأمراض والأتعاب، ولعطب الأنفس ودمار الأعصاب، ويجعل العلاقات محل اضطراب.
وقد سماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- داء الأمم، فقال محذراً: “دبَّ إليكم داءُ الأممِ قبلَكم: الحسدُ والبغضاءُ هيَ الحالقةُ، لا أقولُ تحلِقُ الشَّعرَ ولكن تحلِقُ الدِّينَ، والَّذي نفسي بيدِهِ لا تدخُلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمِنوا، ولا تؤمِنوا حتَّى تحابُّوا، أفلا أنبِّئُكُم بما يثبِّتُ ذالك لكم؟ أفشوا السَّلامَ بينكُم”؛ فمن أراد أن يسلم فليحذر من داء الأمم.
أيها الأحبة: إن الحسد داء عضال ومرض قتال، شره كبير وبلاؤه خطير، ما تحكم من إنسان إلا أشقاه وأضل مسعاه، إنه سلاح من أسلحة الشيطان يضرب به قلوب العباد فتتمزق، ويسربه للجماعات فتتفرق.
إنه داء يتمنى من ابتلي به زوال النعمة عن المحسود، وهو أول ذنب عظيم عصي به الله تعالى، حينما أمر سبحانه الملائكة أن يسجدوا لآدم -تشريفاً- فسجدوا، إلا إبليس الذي منعه الحسد السجود لآدم فأبى، فقال: (أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ).
وكذلك كان الأمر بين ابني آدم حين تقبل الله -تعالى- قربان أحدهما ولم يتقبل الآخر، فقال تعالى: (فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ). وما الذي حمل إخوة يوسف على فعلهم إلا الحسد؟ (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا)، فرموه في الجب.
إن داء الحسد خطير، ولا يكاد يسلم منه أحد، وقد يصيب العلماء، والتجار، وأهل المناصب والمكانة، وفي ميادين التنافس على فعل الخير، وبين النساء حين تختص بعضهن بالوضاءة والجمال، وحتى بين الجماعات والدول.
والحاسد يحترق من داخله، فيجد في صدره ضيقاً وبغضاء وكراهية لظهور نعمة على أخيه المسلم، فيتمنى زوالها أو يسعى لزوالها عنه، وقد ذم الله تعالى القوم الحاسدين للناس فقال: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ).
ونهى عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: “لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا... وكونوا عباد الله إخواناً”.
وقد تجلب هذه الآفة لصاحبها خمس عقوبات:
غم لا ينقطع، ومصيبة لا يُؤجر عليها، ومذمة لا يُحسد عليها، وسخط من الله -عز وجل-، وإغلاق باب التوفيق.
وللحسد أسباب منها:
١. غياب التقوى وضعف الإيمان؛ مما يهيئ للشيطان سبيل إدخال الحسد للقلب.
٢. العداوة والبغضاء.
٣. الكبر؛ مما يجعل المتكبر لا يتحمل رؤية من هو أفضل منه.
٤. عدم الرضا بقضاء الله والقناعة بما قسمه.
وقال الشاعر:
ألا قلْ لِمَن باتَ لي حاسِدًا *** أتدري على منْ أسأتَ الأدبْ
أسأتَ على اللهِ في حكمِهِ *** لأنك لمْ ترضَ لي ما وهَبْ
فجزاكَ ربِّي بأنْ زادَني *** وسدَّ عليكَ وجوهَ الطلبْ
فاحذروا -عباد الله- من هذا الداء، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبكلام سيد المرسلين، ويغفر الله لي ولكم ولمن قال آمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي بيده الخلق والإنشاء، والإماتة والإحياء، والعافية والبلاء، وجعل لكل داء دواء، وقال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ). ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله.
عباد الله: لا يشك أو يجادل كل عاقل في كون أن الحسد داء خطير، إذا انتشر بين قوم أهلكهم، وإذا ساد مجتمعاً أفسده.
قالوا:
كلُّ العداوةِ قد تُرجى إماتتُها *** إلا عداوةَ مَن عاداكَ في حسدِ
وإن الحاسد مخذول موزور ، ومغموم مهجور، بينما المحسود محبوب منصور ، ومنعم مزور.
واسمعوا واعتبروا -رحمكم الله- في أحد الصلحاء كان يجلس بجانب ملكٍ ينصحه، ويقول له: “أحسن إلى المحسن بإحسانه، فإن المسيء ستكفيه إساءته”. فحسده على قربه من الملك بعض الجهلة، وقالوا للملك: إنه يزعم أنك أبخر، وأنه إذا اقترب منك وضع يده على أنفه كي لا يشم رائحتك.
فأراد الملك التحقق، وفي اليوم التالي أطعمه الحاسد ثوماً، فلما دخل على الملك قال كعادته: "أحسن إلى المحسن بإحسانه فإن المسيء ستكفيه إساءته".
فقال الملك: أدنُ مني، فدنا ووضع يده على فمه خشية أن يشم رائحة الثوم، فظن الملك أنه يفعل كما قيل له، فكتب بخطه إلى أحد عمّاله: "إذا أتاك صاحب كتابي هذا فاقتله".
وفي الطريق، لقيه الحسود، فأخذ منه الكتاب وقال: "هبه لي"، فأعطاه إياه.
فلما وصل العامل، قرأ الكتاب فقتل الحسود، ثم بعث بجثته إلى الملك.
ولما عاد الرجل الصالح إلى الملك قال له:
"أحسن إلى المحسن بإحسانه فإن المسيء ستكفيه إساءته".
فقال الملك: ماذا فعلت بالكتاب؟ قال: لقيني فلان وطلبه فأعطيته له. قال الملك: إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر. قال: ما قلت ذلك، وإنما أطعمني ثوماً فكرهت أن تشمه. فقال الملك: صدقت، ارجع إلى مكانك، فقد “لقي المسيء إساءته”.
فتأملوا -رحمكم الله- شؤم الحسد وما جرّ إليه.
اللهم طهّر قلوبنا من الحقد والحسد، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم