عناصر الخطبة
1/ظاهرة السباق إلى نشر الأخبار 2/التثبت مطلب شرعي 3/تحذير السلف من الشائعات وبيان أضرارها 4/نماذج من الشائعات وقعت في عهد الصحابة 5/علاج الشائعاتاقتباس
يكثر اللغط والكلام بين الناس في المجالس، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وغالب الكلام يطلق بلا تثبت، وكل يحرص على السبق في نشر الخبر، وبذلك انتشرت الأخبار المكذوبة، والإشاعات الباطلة، فكم من مصيبة وقعت بسبب ذلك....
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله وراقبوا ألسنتكم، فكل لفظ تلفظه مسجل عليك وأنت مسؤول عنه، (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18].
معاشر المسلمين: يكثر اللغط والكلام بين الناس في المجالس، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وغالب الكلام يطلق بلا تثبت، وكل يحرص على السبق في نشر الخبر، وبذلك انتشرت الأخبار المكذوبة، والإشاعات الباطلة، فكم من مصيبة وقعت بسبب ذلك، وكم من طلاق وقع، ونفس أزهقت، وعرض قذف، وعورة هتكت، وفرقة بين متحابين؛ كل ذلك بسبب الإشاعة ونقل الكلام بلا تثبت!.
ومن المعلوم أن التثبت مطلب شرعي؛ لقوله -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الحجرات: 6]، وفي قراءة أخرى: (فتثبتوا)، وقد حذر الشارع أشد التحذير من نقل الشخص لكل ما يسمعه، فقد أخرج مسلم في مقدمة صحيحه عن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع"، وجاء من طرق أخرى متصلا صحيحا، وسمي كاذبا لأنه ينقل الكذب لا محاله، ولو لم يتعمد الكذب.
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث المغيرة بن شعبة قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"، فقوله: "قيل وقال"، يعني كثرة الكلام ونقله بلا فائدة.
وأخرج أحمد وغيره من حديث أبي قلابة قيل لأبي مسعود: مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي زَعَمُوا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ"، قال العظيم آبادي: "بِئْسَ مَطِيَّة الرَّجُل": الْمَطِيَّة بِمَعْنَى الْمَرْكُوب، "زَعَمُوا": الزَّعْم قَرِيب مِنْ الظَّنّ، أَيْ: أَسْوَأ عَادَة لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَّخِذ لَفْظ زَعَمُوا مَرْكَبًا إِلَى مَقَاصِده، فَيُخْبِر عَنْ أَمْر تَقْلِيدًا مِنْ غَيْر تَثَبُّت؛ فَيُخْطِئ وَيُجَرَّب عَلَيْهِ الْكَذِب".
ولذلك حرص سلفنا الصالح على التثبت والحذر من الإشاعات، قال عمر -رضي الله عنه-: "إياكم والفتن؛ فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف".
أيها المؤمنون: عودوا أنفسكم عدم الحديث فيما لا علم لكم به، ولا تتكلموا بكل ما تسمعون، وأقلوا من الكلام، فمن صمت سلم، ومن نقل الكلام فلا بد أن يقع في النميمة والغيبة، وهذه من كبائر الذنوب التي يعذب صاحبها بسببها في قبره، كما ثبت ذلك في الصحيح، فنقل الكلام ونشر الإشاعات، يوقع العبد في الموبقات، وتخرب المجتمعات، وتتقطع العلاقات، وتنشب الخلافات، وتحل الويلات.
اللهم قنا شر ألسنتنا يا رب العالمين، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا أيها الناس: لا يزال الحديث موصولا عن خطر الإشاعات، ولقد سطَّر التاريخ خطر الإِشاعة إذا دبت في الأمة وإليك أمثلة من ذلك:
أولاً: لما هاجر الصحابة من مكة إلى الحبشة وكانوا في أمان، أُشيع أن كفار قريش في مكة أسلموا فخرج بعض الصحابة من الحبشة وتكبدوا عناء الطريق، حتى وصلوا إلى مكة ووجدوا الخبر غير صحيح، ولاقوا من صناديد قريش التعذيب، وكل ذلك بسبب الإِشاعة!.
ثانياً: في غزوة أحد لما قتل مصعب بن عمير أُشيع أنه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقيل: قُتل رسول الله، فانكفأ جيش الإِسلام بسبب الإِشاعة، فبعضهم هرب إلى المدينة وبعضهم ترك القتال!.
ثالثاً: إشاعة حادثة الإِفك التي اتهمت فيها عائشة البريئة الطاهرة بالفاحشة، وما حصل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين معه من البلاء، وكل ذلك بسبب الإِشاعة!.
عباد الله: لابد من قطع دابر الإشاعات، وذلك بالتعامل معها بالمنهج الشرعي، ونسوق ذلك باختصار:
أولاً: التأني والتروي: فالتأني من الله والعجلة من الشيطان،
قد يدرك المتأني بعض حاجته *** وقد يكون مع المستعجل الزلل
ثانياً: التثبت في الأخبار: قال الله -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الحجرات: 6]، سبب نزول الآية: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق؛ ليأخذ منهم الصدقات، وأنه لما أتاهم الخبر فرحوا، وخرجوا ليتلقوا رسولَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه لما حُدّث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه رجع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله: "إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة"، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذلك غضباً شديداً، فبينما هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد، فقالوا: "يا رسول الله، إنا حُدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أن يكون إنما رده كتاب جاءه منك؛ لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله".
فأنزل الله -عز وجل- عذرهم في الكتاب: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الحجرات: 6]، معنى التثبت: تفريغ الوسع والجهد لمعرفة حقيقة الحال، ليعرف أيثبت هذا الأمر أم لا؟ والتبين: التأكد من حقيقة الخبر وظروفه وملابساته، يقول الحسن البصري: "المؤمن وقاف حتى يتبين".
اللهم استعملنا في طاعتك، واجعلنا واقفين على حدودك.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم