آدَابِ الدُّعَاءِ

محمد البدر
1447/05/15 - 2025/11/06 04:31AM

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِيْنَ يَسْتَكْبِرُوْنَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُوْنَ جَهَنَّمَ دَاخِرِيْنَ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾.وَقَالَﷺ:«الدُّعَاءُ هُوَ العِبادَةُ»رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَﷺ:«يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ:مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ،مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ،مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.فَالدُّعَاءُ مِنْ أَجَلِّ العِبَادَاتِ،ومِنْ أَعظمِ الطَّاعاتِ.قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ  اِبْنَ تِيمِيَّةَ-رَحِمَهُ اللهُ:وقَوْله تَعَالَى﴿إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾عَقِيبَ قَوْلِهِ:﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَدْعُهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ الَّذِينَ لَا يُحِبُّهُمْ.ا.هـ

عِبَادَ اللَّهِ:الدُّعَاءُ قُربةُ الأَنْبِيَاءِ،فَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ دَعَا اللهَ تَعَالَى،وتَضَرَّعَ إِليْهِ كَمَا أَخْبَرَنَا بذلك ربُّ العالمينَ فَقَالَ عَنْ أَيُّوبَ عليهِ السلامُ:﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾. وَقَالَ عَنْ يونسَ عليهِ السلامُ:﴿وَذَا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إلَهَ إلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾وَقَالَ عَنْ زَكَرِيَّا عليهِ السلامُ:﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ(89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾.

عِبَادَ اللهِ:وللدعاء آداب وآكدها:إفراد الله بالدعاء والْإِخْلَاصِ له قَالَ تَعَالَى:﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾.فمن دعا ميتاً أو غائباً،نبياً أو ولياً  ملكاً أو جناً في حال رخاء أو شدة فقد اتخذه شريكاً مع الله تعالى وهو الذي بعث الله نبيهﷺيحذر منه وينهى عنه.

عِبَادَ اللهِ:وَمِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ رفع اليدين واستقبال القبلة دُعاءٌ بِتَضَرُّعٍ وانْكِسارٍ، وذُلٍّ وافْتِقارٍ، وإِلحاحٍ وإِصْرارٍ،مِنْ غَيْرِ يَأَسٍ ولا قُنُوطٍ، ولا اسْتِبْطاءٍ ولا مَلل وَأَنْ يَكُونَ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً اقتداءً بالنبيﷺومنها أن يحسن ظنه بربه ويظن بربه إجابة الدعاء ولو طال الأمد وَيُحَذِّرُ مِنَ الِاعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ قَالَﷺ:«يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ،يَقُولُ:دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.ومن الآداب أن يقرن دعاءه بما يكون سبباً لإجابة دعائه كالتوسل بأسماء الله وصفاته كأن يقول اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله أنت أن تغفر لي.ومثل اللهم أنت الرحمن الرحيم فارحمني. وكالتوسل إلى الله بالعمل الصالح  قَالَ تَعَالَى:﴿رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ﴾فذكروا أولاً إيمانهم بالله وبرسولهﷺثم ذكروا حاجتهم وهي طلبُ المغفرة والتكفير والتوفي مع الأبرار.إلخ.

أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ،وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ,وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللَّهِ:وَمِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ تحرَّى الحلالَ فِي المطعمِ والمشربِ والملبسِ،قَالَﷺ:«أَيُّهَا النَّاسُ،إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا،وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ،فَقَالَ:﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا،إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾وَقَالَ:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ،يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ،يَا رَبِّ،يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ،وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ،وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ،فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

عِبَادَ اللَّهِ:وَمِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ عَلَى الداعِي أنْ يُوقِنَ بالإجابةِ،وأَنْ يكونَ حاضِرَ القلبِ وَقْتَ الدُّعاءِ وَأَنْ لَا يَدْعُوا عَلَى نفسِه،وَأَنْ لَا يَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِه،وَأَنْ لَا يَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِه،قَالَﷺ:«ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ»رَوَاهُ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانيُّ.وَقَالَﷺ:«مَنْ هَذَا اللَّاعِنُ بَعِيرَهُ»قَالَ:أَنَا،يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ:«انْزِلْ عَنْهُ،فَلَا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ،لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ،وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ،وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ،لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ،فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.الاوَصَلُّوا عِبَادَ اللهِ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ،وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ كَمَا  أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد،وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ،وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ،وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَاحْفَظْ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا،اللّهمّ وَهيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ

الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَالَّتِي تَدُلُّهُ عَلَى الْخَيرِ وَتُعِينُهُ عَلَيْهِ ،واصرِفْ عَنه بِطانةَ السُّوءِ يَا رَبَّ العَالمينَ،وَاللّهمّ وَفِّقْ جَميعَ ولاةِ أَمرِ الْمُسْلِمِينَ لما تُحبهُ وَتَرضَاهُ لمَا فِيهِ صَلَاحُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ يَا ذَا الجَلَالِ والإِكْرَامِ ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ،وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ 

يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

المرفقات

1762392863_آدَابِ الدُّعَاءِ.pdf

المشاهدات 313 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا