أول وقفة مع سورة الفاتحة
إبراهيم بن سلطان العريفان
اَلْـحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ؛
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ.. نَقِفُ الْيَوْمَ مَعَ مُطْلَعِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، أُمِّ الْكِتَابِ، الَّتِي لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ إِلَّا بِهَا، وَالَّتِي جَمَعَ اللَّهُ فِيهَا مَعَانِي الدِّينِ كُلَّهُ: عَقِيدَةً وَشَرِيعَةً وَمَنْهَجَ حَيَاةٍ.
اِفْتَتَحَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ الْعَظِيمَةَ بِقَوْلِهِ ]الْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[.
اَلْـحَمْدُ: هُوَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ، الحَمْدُ هُوَ شُعُورُكَ أَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ فِي حَيَاتِكَ مَصْدَرُهَا وَاحِدٌ، اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. الْحَمْدُ يَجْمَعُ مَعَانِي الشُّكْرِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّعْظِيمِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ (الْـحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ) أَي: كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ قَلْبٍ صَادِقٍ تَرْجَحُ بِحَسَنَاتِ الدُّنْيَا كُلِّهَا.
تَأَمَّلُوا كَيْفَ افْتَتَحَ رَبُّنَا كِتَابَهُ بِالْـحَمْدِ؛ لِيُعَلِّمَ عِبَادَهُ أَنْ يَفْتَتِحُوا حَيَاتَهُمْ بِالْـحَمْدِ، وَيَخْتِمُوهَا بِالْـحَمْدِ، وَيَسْتَقْبِلُوا النِّعَمَ وَالْبَلَايَا بِالْـحَمْدِ. وَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا ﷺ يَعِيشُ بِالْـحَمْدِ؛ فَيَقُولُ عِنْدَ النِّعْمَةِ (الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ)، وَعِنْدَ الْبَلَاءِ (الْـحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ).
وَهَذَا نَبِيُّ اللَّهِ أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فِي جَسَدِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا لِسَانٌ يَذْكُرُ بِهِ اللَّهَ وَقَلْبٌ يَخْفِقُ بِحُبِّ اللَّهِ، فَكَانَ لِسَانُهُ لَا يَنْقَطِعُ عَنِ الْـحَمْدِ، حَتَّى قَالَ اللَّهُ فِيهِ ]إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ[.
فَمَنْ أَرَادَ رَاحَةَ الْقَلْبِ، فَلْيَتَعَلَّمِ الْـحَمْدَ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الرِّضَا، وَالرِّضَا يَجْلِبُ السَّعَادَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ ]رَبِّ الْعَالَمِينَ[ فَهُوَ اِعْتِرَافٌ بِرُبُوبِيَّةِ اللَّهِ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ، فَهُوَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ، الْمُدَبِّرُ الْمُرَبِّي لِعِبَادِهِ، الَّذِي لَا تَقُومُ ذَرَّةٌ فِي الْكَوْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْعَالَمُونَ هُمُ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْخَلْقِ.
فَاللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ: رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ، رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، رَبُّ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ،رَبُّ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، رَبُّ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، رَبُّ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ،
لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ عَنْ سُلْطَانِ رَبِّهِ وَتَدْبِيرِهِ.
يَا عِبَادَ اللَّهِ.. حِينَ تَقُولُ فِي صَلَاتِكَ ]الْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[ فَأَنْتَ تُوَحِّدُ اللَّهَ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، وَتُعْلِنُ أَنَّهُ لَا مُدَبِّرَ لِهَذَا الْكَوْنِ سِوَاهُ، وَلَا رَازِقَ إِلَّا هُوَ، وَلَا نَاصِرَ إِلَّا هُوَ،
وَلَا مَلْجَأَ إِلَّا إِلَيْهِ.
أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ فِي السِّجْنِ يَقُولُ ]ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ[ فَاللَّهُ هُوَ الرَّبُّ وَحْدَهُ، وَهُوَ الْمُرَبِّي لِعِبَادِهِ بِنِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ.
فَلْيَكُنْ قَلْبُكَ – أَيُّهَا الْمُسْلِمُ – عَامِرًا بِالْـحَمْدِ، وَلِسَانُكَ رَطْبًا بِالْـحَمْدِ، وَجَوَارِحُكَ نَاطِقَةً بِالشُّكْرِ، فَإِنَّكَ عَبْدٌ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْـحَامِدِينَ الشَّاكِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ..
اَلْـحَمْدُ لِلَّهِ وَلِيِّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ..
نَقِفُ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا ]الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ[ هَذَانِ الاِسْمَانِ الْعَظِيمَانِ يَدُلَّانِ عَلَى صِفَةِ الرَّحْمَةِ الْوَاسِعَةِ.
الرَّحْمٰنُ: رَحْمَتُهُ عَامَّةٌ شَمِلَتِ الْخَلْقَ جَمِيعًا فِي الدُّنْيَا؛ بَرَّهُمْ وَفَاجِرَهُمْ، مُؤْمِنَهُمْ وَكَافِرَهُمْ. قَالَ تَعَالَى ]وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ[.
الرَّحِيمُ: رَحْمَتُهُ خَاصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِينَ؛ فِي الدُّنْيَا هِدَايَةً وَتَثْبِيتًا، وَفِي الْآخِرَةِ مَغْفِرَةً وَرِضْوَانًا وَجَنَّاتِ النَّعِيمِ.
وَقَدْ رَأَى الصَّحَابَةُ رَحْمَةَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ! فَقَالَ (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً).
وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ: قِصَّةُ الرَّجُلِ الَّذِي قَتَلَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ نَفْسًا، ثُمَّ تَابَ وَقَصَدَ أَرْضًا صَالِحَةً، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ، وَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَمَا رَأَى امْرَأَةً فِي السَّبْيِ تَبْحَثُ عَنْ وَلَدِهَا، فَلَمَّا وَجَدَتْهُ ضَمَّتْهُ إِلَى صَدْرِهَا (اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا).
يَا عَبْدَ اللَّهِ.. لَا تَيْأَسْ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّكَ، فَإِنَّهُ هُوَ الرَّحْمٰنُ الرَّحِيمُ.
اَللَّهُمَّ ارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ الْوَاسِعَةِ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ تَشْمَلُهُم رَحْمَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
المرفقات
1757614757_أول وقفة مع سورة الفاتحة.pdf
1757642876_أول وقفة مع سورة الفاتحة.docx