ابتلاء الأبرص والأقرع والأعمى
د. محمود بن أحمد الدوسري
ابتلاء الأبرص والأقرع والأعمى
د. محمود بن أحمد الدوسري
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ أَبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى؛ بَدَا لِلَّهِ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ([1])، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الْأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ([2]). فَمَسَحَهُ، فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا، وَجِلْدًا حَسَنًا، فَقَالَ: أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْإِبِلُ. فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ([3])، فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا.
وَأَتَى الْأَقْرَعَ، فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ. فَمَسَحَهُ، فَذَهَبَ، وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا. قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ. قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا.
وَأَتَى الْأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ. فَمَسَحَهُ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ. قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْغَنَمُ. فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا([4]). فَأُنْتِجَ هَذَانِ، وَوُلِّدَ هَذَا([5])، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ.
ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي([6])، فَلَا بَلَاغَ([7]) الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ، وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ، وَالْمَالَ، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي. فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ. فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ؛ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ([8]). فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا؛ فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ.
وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا؛ فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ.
وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ، وَابْنُ سَبِيلٍ، وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ، شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ([9]) الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ. فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ؛ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
عِبَادَ اللَّهِ.. وَمِنْ أَهَمِّ الْفَوَائِدِ وَالْعِبَرِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ([10]):
1- جَوَازُ التَّحَدُّثِ بِأَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي جَاءَ بِهَا شَرْعُنَا: وَلَمْ يُكَذِّبْهَا.
2- جَوَازُ ذِكْرِ مَا جَرَى لِمَنْ مَضَى: وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ غِيبَةً فِيهِمْ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي تَرْكِ تَسْمِيَتِهِمْ.
3- الِاعْتِبَارُ بِأَحْوَالِ السَّابِقِينَ: لِأَخْذِ الْعِظَةِ وَالْعِبْرَةِ، قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يُوسُفَ: 111].
4- قَضَاءُ اللَّهِ نَافِذٌ لَا مَحَالَةَ: لِقَوْلِهِ: «بَدَا لِلَّهِ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ» أَيْ: قَضَى اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: «فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ»، وَقَدْ كَانَ كَمَا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [الْبَقَرَةِ: 117].
5- الِابْتِلَاءُ سُنَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ فِي الْخَلْقِ: فَإِنَّ الْبَلَاءَ يُمَحِّصُ وَيُمَيِّزُ الْمُؤْمِنَ الصَّابِرَ وَالشَّاكِرَ، مِنَ الْمُنَافِقِ الْكَاذِبِ الَّذِي يَدَّعِي الْإِيمَانَ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 3].
6- الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَةِ وَقُدْرَتِهِمْ عَلَى التَّشَكُّلِ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ: اسْتِجَابَةً لِأَمْرِ اللَّهِ، وَبِالصُّورَةِ الَّتِي يُرِيدُهَا اللَّهُ؛ لِإِنْفَاذِ أَمْرِهِ فِي عِبَادِهِ.
7- التَّمَتُّعُ بِالْمَظْهَرِ الْحَسَنِ، وَالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ؛ مَرْكُوزٌ فِي فِطْرَةِ النَّاسِ.
8- حُبُّ الْمَالِ فِطْرَةٌ بَشَرِيَّةٌ: قَالَ تَعَالَى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الْفَجْرِ: 20]، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ تَمَنَّى نَوْعًا مِنَ الْمَالِ يُحِبُّهُ، وَتَمِيلُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ.
٩- اسْتِحْبَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْمَرِيضِ فِي الرُّقْيَةِ: فَقَدْ كَانَ الْمَلَكُ يَدْعُو لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ، وَيَمْسَحُ عَلَيْهِ؛ فَيَبْرَأُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.
١٠- شُكْرُ اللَّهِ عَلَى سَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ وَالْحَوَاسِّ؛ بِالصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ.
١١- تَجَدُّدُ النِّعَمِ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ؛ يُوجِبُ مُضَاعَفَةَ الشُّكْرِ، وَزِيَادَتَهُ.
١٢- جَوَازُ قَوْلِ الْمَرْءِ لِأَخِيهِ: «أَنَا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ»، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: «أَنَا بِاللَّهِ وَبِكَ»، فَالْأُولَى جَائِزَةٌ، وَالثَّانِيَةُ شِرْكٌ.
١٣- التَّحْذِيرُ مِنْ كُفْرَانِ النِّعَمِ: وَالتَّرْغِيبُ فِي شُكْرِهَا، وَالِاعْتِرَافُ بِهَا، وَحَمْدُ اللَّهِ عَلَيْهَا.
١٤- التَّحْذِيرُ مِنَ الْبُخْلِ: لِأَنَّهُ حَمَلَ صَاحِبَهُ عَلَى الْكَذِبِ، وَجَحْدِ نِعْمَةِ اللَّهِ.
١٥- مِنْ عَوَاقِبِ الْجُحُودِ: سَلْبُ النِّعْمَةِ الَّتِي لَمْ يُؤَدِّ صَاحِبُهَا شُكْرَهَا.
١٦- لِلْمَعَاصِي أَخَوَاتٌ: رُبَّمَا تَكُونُ أَكْبَرَ مِنْهَا؛ فَالْبُخْلُ مَعْصِيَةٌ جَرَّتْ صَاحِبَهَا إِلَى الْكَذِبِ، وَجَحْدِ نِعْمَةِ اللَّهِ.
17- الشَّاكِرُ قَلِيلٌ فِي النَّاسِ: قَالَ تَعَالَى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سَبَأٍ: 13].
18- كَثِيرٌ هُمُ الَّذِينَ يَصْبِرُونَ عَلَى الضَّرَّاءِ، وَقَلِيلٌ مَنْ يَنْجَحُ فِي السَّرَّاءِ: فَأَكْثَرُ النَّاسِ يَصْبِرُ عَلَى الِابْتِلَاءِ بِالْمَرَضِ وَالضَّعْفِ، وَالْفَقْرِ وَالْحِرْمَانِ، وَلَكِنْ قَلِيلٌ مِنْهُمُ الَّذِينَ يَصْبِرُونَ عَلَى الِابْتِلَاءِ بِالصِّحَّةِ وَالْقُدْرَةِ، وَالْغِنَى وَالثَّرَاءِ.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «ابْتُلِينَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا، ثُمَّ ابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ بَعْدَهُ فَلَمْ نَصْبِرْ» حَسَنٌ – رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ – رَحِمَهُ اللَّهُ –: (قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْبَلَاءُ يَصْبِرُ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى الْعَافِيَةِ إِلَّا صِدِّيقٌ)([11]).
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ ... أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. وَمِنَ الْفَوَائِدِ وَالْعِبَرِ أَيْضًا:
19- الْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ: فَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ تَعَالَى لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فِي أَمْوَالِهِمْ؛ فَجَعَلَ مِنْ نَاقَةٍ وَبَقَرَةٍ وَشَاةٍ وَادِيًا مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ.
20- فَضْلُ الْمَالِ الْمُثْمِرِ: فَاللَّهُ تَعَالَى أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالْمَالِ الْمُثْمِرِ؛ النَّاقَةِ الْعُشَرَاءِ، وَالْبَقَرَةِ الْحَامِلِ، وَالشَّاةِ الْوَالِدَةِ، فَفِي اسْتِثْمَارِ الْمَالِ الْمُثْمِرِ خَيْرٌ كَثِيرٌ.
21- الْمَالُ سِلَاحٌ ذُو حَدَّيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ نِعْمَةً لِصَاحِبِهِ، أَوْ نِقْمَةً عَلَيْهِ.
22- الْغَنِيُّ مُبْتَلًى بِغِنَاهُ، وَالْفَقِيرُ مُبْتَلًى بِفَقْرِهِ: وَاللَّهُ تَعَالَى ابْتَلَى الثَّلَاثَةَ بِكِلَا الْأَمْرَيْنِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 35].
23- لَيْسَ الْغِنَى وَالْفَقْرُ دَلِيلًا عَلَى رِضَا اللَّهِ أَوْ سَخَطِهِ عَلَى الْعَبْدِ: قَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا} [الْفَجْرِ: 15، 17]؛ أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.
24- شَاكِرُ النِّعْمَةِ لَهُ الرِّضَا وَالْبَرَكَةُ وَالزِّيَادَةُ، وَكَافِرُهَا لَهُ الْمَحْقُ وَالْغَضَبُ: وَهَذَا مَا حَصَلَ لِلْأَعْمَى الَّذِي رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ، وَوَسَّعَ عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ، وَأَمَّا الْأَبْرَصُ وَالْأَقْرَعُ – اللَّذَانِ كَفَرَا نِعْمَةَ اللَّهِ – فَقَدْ دَعَا عَلَيْهِمَا الْمَلَكُ؛ فَزَالَتْ عَنْهُمَا النِّعْمَةُ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إِبْرَاهِيمَ: 7].
25- فَضْلُ الصَّدَقَةِ، وَالْإِحْسَانِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ: وَإِكْرَامِهِمْ، وَتَبْلِيغِهِمْ مَآرِبَهُمْ.
26- مَشْرُوعِيَّةُ الدُّعَاءِ عَلَى الْبَخِيلِ، وَكَافِرِ النِّعْمَةِ: فَقَدْ دَعَا الْمَلَكُ عَلَى الْأَبْرَصِ وَالْأَقْرَعِ اللَّذَيْنِ كَفَرَا نِعْمَةَ اللَّهِ.
27- جَوَازُ السُّؤَالِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِلضَّرُورَةِ.
28- وُجُوبُ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ: وَلِذَلِكَ قَالَ الْمَلَكُ – فِي صُورَةِ السَّائِلِ: «رَجُلٌ مِسْكِينٌ، وَابْنُ سَبِيلٍ، وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ»؛ أَيْ: تَقَطَّعَتْ بِيَ الْأَسْبَابُ؛ فَبَعْدَ الْبَحْثِ عَنِ الرِّزْقِ وَلَمْ أَجِدْ، فَإِنِّي أَسْأَلُكَ بَعْدَ اللَّهِ، وَأَسْأَلُكَ بِاللَّهِ.
29- النَّفْعُ وَالضَّرُّ وَالرِّزْقُ بِيَدِ اللَّهِ وَحْدَهُ؛ فَلَا نَتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَى اللَّهِ: قَالَ الْمَلَكُ – لِلسَّائِلِ: «فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ»؛ أَيْ: إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا أَنْتَ سَبَبٌ يَسَّرَهُ اللَّهُ لِي؛ لَكِنَّ الْمَالِكَ وَالرَّازِقَ وَالْمُعْطِيَ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ.
30- صِفَتَا الرِّضَا وَالْغَضَبِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ الثَّابِتَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: وَاللَّائِقَةِ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، قَالَ الْمَلَكُ: «فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ»، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى – فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التَّوْبَةِ: 100]؛ وَقَالَ – فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ: {أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [الْمَائِدَةِ: 80].
([1]) بَدَا لِلَّهِ: أي: سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ من القضاء المحتوم الذي لا يتغيَّر؛ فَأَرَادَ إِظْهَارَهُ، ومِثلُه قوله تعالى: {الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66]؛ أي: عَلِمَ عِلْمَ ظُهور، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَافِيًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. ووقع في روايةٍ لمسلم: «فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ». انظر: فتح الباري، (6/502).
([2]) قَذِرَنِي النَّاسُ: أي: أشمأزوا من رؤيتي واستقذروها. انظر: منحة الباري بشرح صحيح البخاري، (06/549).
([3]) نَاقَةً عُشَرَاءَ: العشراء: هي الحامل من النُّوق التي مضى لحملها عَشَرَة أشهر أو ثمانية، أو هي كالنُّفَساء من النساء. انظر: التمهيد، لابن عبد البر (6/468)؛ لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح، (4/335).
([4]) شَاةً وَالِدًا: هي التي قد عُرِف منها كثرة الولد والنِّتاج. انظر: جامع الأصول، (10/321).
([5]) وَوُلِّدَ هَذَا: أي: أي فعل في شاته كما فعل ذلك في إبله وبقره.
([6]) تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي: كناية عن العجز عن بلوغ البلد المنشود أو العودة. و(الحبال): جمع حَبْل، وهو العهد والذِّمام والأمان والوسيلة، وكل ما يرجو منه خيرًا أو فرَجًا، أو يستدفع به ضررًا، والحَبْل: السبب، فكأنه قال: انقطعت بي الأسباب.
([7]) فَلَا بَلَاغَ: أي: ليس لي ما أبلغ به غرضي.
([8]) وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ: أَيْ: وَرِثْتُه عَنْ آبَائِي وأجْدادي، كَبِيرًا عَنْ كَبِيرٍ، فِي الْعِزِّ والشَّرَف. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (4/142).
([9]) لَا أَجْهَدُكَ: أي: لا أشُقُّ عليك في الأخذ والامتنان. انظر: جامع الأصول، (10/321).
([10]) انظر: فتح الباري، (6/502، 503)؛ إكمال المُعْلِمِ بفوائد مُسلم، (8/515)؛ الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري، للكرماني (14/94)؛ منحة الباري بشرح صحيح البخاري، (06/548)؛ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، (4/1327)؛ شرح رياض الصالحين، لابن عثيمين (1/498)؛ توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم، للراجحي (8/383)؛ الأبرص والأقرع والأعمى من قصص القرآن والسنة، د. سمير الصباغ (ص15-22).
([11]) عُدَّةُ الصابرين وذخيرةُ الشاكرين، (ص115).
المرفقات
1762239863_ابتلاء الأبرص والأقرع والأعمى.docx