اجتماع الكلمة ووحدة الصف
إبراهيم بن سلطان العريفان
الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِالِاجْتِمَاعِ وَنَهَىٰ عَنِ التَّفَرُّقِ، وَأَمَرَ بِالطَّاعَةِ وَنَهَىٰ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ جَعَلَ فِي اجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ قُوَّةً، وَفِي التَّنَازُعِ ضَعْفًا وَذِلَّةً، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَىٰ نَهْجِهِ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ.
أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي الْمُقَصِّرَةَ أَوَّلًا بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ هٰذَا الدِّينِ الْحَنِيفِ اجْتِمَاعُ الْكَلِمَةِ وَوَحْدَةُ الصَّفِّ، فَهِيَ سِرُّ قُوَّةِ الْأُمَّةِ وَسَبَبُ عِزَّتِهَا، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿إِنَّ هٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَأَنَا۠ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَاعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا۟﴾.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ: (إِنَّ اللَّهَ يَرْضَىٰ لَكُمْ ثَلَاثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا۟ بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ).
فَالِاجْتِمَاعُ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، وَالْفُرْقَةُ أَصْلُ كُلِّ فَسَادٍ، وَقَدْ فَهِمَ السَّلَفُ الصَّالِحُ هٰذَا الْمَعْنَى الْعَظِيمَ، فَكَانُوا يُوصُونَ دَائِمًا بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ؛ يَحْذَرُونَ مِنَ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ، حَتَّىٰ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ t: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ كَمَا أَنَّ الشَّاذَّ مِنَ الْغَنَمِ لِلذِّئْبِ.
مَعَاشِرَ الْأَحِبَّةِ.. إِنَّ التَّارِيخَ الْقَرِيبَ يَشْهَدُ كَيْفَ كَانَتْ هٰذِهِ الْبِلَادُ قَبْلَ التَّوْحِيدِ!! كَانَتْ قَبَائِلُ مُتَفَرِّقَةً، مُتَنَازِعَةً، تَسُودُهَا الْفَوْضَىٰ وَالْحُرُوبُ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ فِيهَا الضَّعِيفَ، حَتَّىٰ قَيَّضَ اللَّهُ لَهَا الْإِمَامَ الْمُؤَسِّسَ الْمَلِكِ عَبْدَ الْعَزِيزِ آلَ سُعُودٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَجَمَعَ اللَّهُ بِهِ الْقُلُوبَ بَعْدَ شَتَاتٍ، وَوَحَّدَ الصُّفُوفَ بَعْدَ تَفَرُّقٍ، وَجَمَعَ الْكَلِمَةَ تَحْتَ رَايَةِ التَّوْحِيدِ، فَأَبْدَلَ اللَّهُ الْخَوْفَ أَمْنًا، وَالتَّنَاحُرَ أُلْفَةً، وَالْفَقْرَ غِنًى، فَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْقَصَصِ الْوَاقِعِيَّةِ الْمُعَبِّرَةِ عَلَىٰ أَثَرِ وَحْدَةِ الْكَلِمَةِ فِي حَيَاةِ الشُّعُوبِ، مَا نَرَاهُ الْيَوْمَ مِنْ أَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَرَخَاءٍ وَاسْتِقْرَارٍ.
فَاتَّقُوا اللَّهَ - عِبَادَ اللَّهِ - وَاحْرِصُوا عَلَىٰ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْحَقِّ، فَإِنَّ فِيهِ عِزَّكُمْ وَقُوَّتَكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّهَا سَبَبُ ضَعْفِكُمْ وَهَلَاكِكُمْ، وَاذْكُرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَىٰ ]وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ[.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْحَقِّ، وَلَا تَجْعَلْ لِلْفُرْقَةِ إِلَيْنَا سَبِيلًا، وَاحْفَظْ وَطَنَنَا وَوُلَاةَ أَمْرِنَا، وَأَدِمْ عَلَيْنَا نِعْمَةَ الْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
نَفَعَنِيَ اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَبِهَدْيِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَأَقُولُ قَوْلِي هٰذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِـحَاتُ، وَبِفَضْلِهِ تَتَنَزَّلُ الْبَرَكَاتُ، وَبِحِكْمَتِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ الْأَمِينُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
عِبَادَ اللَّهِ.. إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا فِي هٰذِهِ الْبِلَادِ الْمُبَارَكَةِ نِعْمَةَ الْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ، وَلَا يَحْفَظُ هٰذِهِ النِّعْمَةَ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَى الْحَقِّ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ، وَطَاعَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا۟ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُو۟لِى الْأَمْرِ مِنكُمْ[ وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي).
إِنَّ الْوَطَنَ - عِبَادَ اللَّهِ - لَيْسَ مُجَرَّدَ أَرْضٍ نَعِيشُ عَلَيْهَا، بَلْ هُوَ هُوِيَّةٌ وَانْتِمَاءٌ وَوَفَاءٌ، وَكُلُّ فَرْدٍ مَسْؤُولٌ عَنْ حِمَايَتِهِ، وَالذَّوْدِ عَنْ مُقَدَّرَاتِهِ، وَالْمُشَارَكَةِ فِي بِنَائِهِ. وَقَدْ قِيلَ: مَنْ لَمْ يَشْكُرْ نِعْمَةَ الْوَطَنِ، لَمْ يَشْكُرْ نِعْمَةَ الدِّينِ. وَقِيلَ أَيْضُا: مَنْ لَا وَطَنَ لَهُ، لَا عِزَّ لَهُ.
إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَبَا هٰذِهِ الْبِلَادَ بِنِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ؛ فَجَعَلَهَا مَهْوَى أَفْئِدَةِ الْمُسْلِمِينَ، تَحْتَضِنُ قِبْلَةَ الْإِسْلَامِ وَالْمَسْجِدَ الْـحَرَامَ، وَمَسْجِدَ نَبِيِّهِ ﷺ، وَجَعَلَهَا آمِنَةً مُسْتَقِرَّةً فِي وَقْتٍ تَعْصِفُ فِيهِ الْفِتَنُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْأَوْطَانِ.
تَأَمَّلُوا - رَعَاكُمُ اللَّهُ - قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) فَإِذَا اجْتَمَعَ الْأَمْنُ وَالصِّحَّةُ وَالرِّزْقُ، فَذٰكَ تَمَامُ النِّعْمَةِ. وَهٰذَا مَا نَعِيشُهُ الْيَوْمَ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - فِي هٰذِهِ الْبِلَادِ الطَّيِّبَةِ.
فَلْنَحْمَدِ اللَّهَ عَلَىٰ هٰذِهِ النِّعْمَةِ، وَلْنَحْذَرْ مِنْ أَسْبَابِ زَوَالِهَا، وَلْنَغْرِسْ فِي قُلُوبِ أَبْنَائِنَا حُبَّ الْوَطَنِ، وَالْوَلَاءَ لِقِيَادَتِهِ، وَالِاجْتِمَاعَ عَلَىٰ كَلِمَةِ الْحَقِّ.
وَلْنَكُنْ - عِبَادَ اللَّهِ - لَبِنَاتِ بِنَاءٍ، لَا مَعَاوِلَ هَدْمٍ، وَلْنَكُنْ حُمَاةً لِلْوَطَنِ، أَوْفِيَاءَ لِقِيَادَتِهِ، مُسَاهِمِينَ فِي نَهْضَتِهِ، شَاكِرِينَ لِلَّهِ عَلَىٰ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ نِعَمٍ ]وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[.
اللَّهُمَّ احْفَظْ وَطَنَنَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَأَدِمْ عَلَيْنَا نِعْمَةَ الْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَوَفِّقْ خَادِمَ الْـحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىٰ، وَاجْعَلْ هٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
هٰذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَىٰ خَيْرِ الْأَنَامِ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِذٰلِكَ فَقَالَ ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا۟ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًا[.
المرفقات
1758249500_اجتماع الكلمة ووحدة الصف.pdf
1758249514_اجتماع الكلمة ووحدة الصف.docx