احذروا مكر الأعداء وأهل الأهواء
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الهويمل
احذروا مكر الأعداء وأهل الأهواء
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا . أَمَّا بَعْدُ :-
فأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى ، فَفِيهَا الْعَوْنُ وَالنُّصْرَةُ وَالنَّجَاحُ وَالنَّجَاةُ وَالْفَلاَحُ .
عباد الله : إن بلادنا العزيزة ، محسودة من قِبَلِ الأعداء وأهل الأهواء ، أعداء التوحيد والسنة ، فهم يُحِيكون الخطط ، ويكيدون المكائد ضد هذه البلاد المباركة ، بلاد التوحيد والسنة ، فهم أهل مكر وإفساد وخيانة ، نسأل الله جل وعلا أن يُفْشِل مخططاتهم وأن يُبْطِلَ كيدهم ، يقول الله جلَّ وعلا : ( إنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ ) ، ويقول الله جلَّ وعلا : ( وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) ، ويقول الله جلَّ وعلا : ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) .
عباد الله : إن الأسلحة الإعلامية لها أثر بالغ في الصد عن دين الله ، وتشكيل قناعات الناس واعتقاداتهم وأفكارهم ، وتوجيه مشاعرهم وسلوكهم ، ومن أبرز تلك الأسلحة الإعلامية سلاحُ الإشاعات المغرضة المبنية على الكذب والتزوير والتدليس وحجب الحقائق وقلبها . فوصفوا الرسل بالكذب والسحر والجنون والشعر والسفاهة والضلالة ، ووصفوا أتباعهم بأوصاف دونية ، كل ذلك بقصد التنفير عن أنبياء الله ورسله وصد الناس عن الإيمان بهم وبالنور الذي أُنزل معهم . قال الله تعالى : { كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } . ومن تلك الأمثلة لما بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم استعمل كفار قريش في مكة ذلك الأسلوب لتنفير الناس عنه وعن دينه فأشاعوا أنه ساحر لا يكاد أحد يسمع كلامه حتى يسحره ، حتى إن بعضهم إذا دخل مكة وضع القطن في أذنيه خوفاً من سحره كما أوهموه . وأشاعوا أن محمداً إنما جاء ليسب أباءكم ويسفه أحلامكم ويقطع أرحامكم حتى يبغضوه ويعادوه . ولما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ونصره الله تعالى في بدر ، أظهر بعض المشركين وبعض اليهود الإسلام نفاقاً وخداعا مع بقائهم في الباطن على كفرهم ، ثم سلكوا ذلك المسلك في حربهم وعداوتهم ، فنشروا الدعايات المغرضة ، والإشاعات الكاذبة ، لتفريق كلمة المسلمين ، وإدخال الرعب في قلوبهم والفَتِّ في عزائمهم ، ولتشكيك ضعفاء الإيمان في عقيدتهم ودينهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم . ولخطر هذا النوع من الحرب وأثره السيء ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخذ من التدابير ما يقطع به الطريق على الأعداء أن يستغلوه ضده ، فتراه يَدَعُ الشيء الذي يود لو فعله لأجل ذلك ، كما ترك قتل بعض من يستحق القتل ممن يُظهر الإسلام حتى لا يُشيع الأعداء أن محمداً يقتل أصحابه الذين يهاجرون إليه ، فيكون ذلك مانعاً من هجرة الناس إليه والدخول في دينه . وكما ترك الكعبة على حالها بعد أن فتح مكة مع أنه كان يرغب في هدمها وإعادة بنائها على قواعد إبراهيم ويجعل لها بابين ملاصقين للأرض باب يدخل منه الناس وباب يخرجون منه . فترك ذلك مع رغبته فيه خشية أن يُشاع عنه صلى الله عليه وسلم أنه لا يُعظِّم البيت ولا يُجلُّه ولا يحترمه ، وأنه إنما فتح مكة للعبث بالبيت وتغيير معالمه فيكونَ في ذلك فتنة لضعفاء الإيمان فيرتدوا بعد إيمانهم ، وفتنة لمن لا يعرف حقيقة الحال من المشركين فيزدادوا للنبي صلى الله عليه وسلم عداوة ، ولدينه كراهية ، لأن الأعداء دائما يسعون إلى قلب الحقائق . وتوارث الأعداء وأهل الأهواء هذا الميراث ، فحاربوا به الأئمة المصلحين ، المجددين لِمَا اندثر من معالم الدين ، كما فعلوا مع الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ومع أنصار دعوته من أئمة وأمراء آل سعود رحمهم الله فقد نشروا عنهم من الدعايات الكاذبة قولاً وكتابة مالا يحصى . ولما أسس الإمام عبد العزيز آل سعود رحمه الله هذه الدولة السعودية الثالثة ، وسلك مسلك سلفه الصالح في الحكم بالكتاب والسنة وحماية التوحيد وقمع البدعة ، قامت عليه وعلى دولته وأسرته ورجاله حروب الشائعات لتقضي على ملكه ولتحطم مشروعه ، ولكن خيب الله مساعيهم وحطم آمالهم . وها نحن اليوم نعايش حربا إعلامية شرسة وإشاعات مغرضة تجردت عن كل معاني المروءة والحياء والصدق والأمانة والمسؤولية ، تستهدف دولتنا بصفة عامة ، وتستهدف ولاة أمرنا وعلمائنا بصفة خاصة . تهدف إلى خلخلة الوحدة الوطنية وتشكيك أفراد الشعب في دولتهم وولاة أمورهم وزرع الأحقاد في قلوبهم ليسهل قيادهم إلى نشر الفوضى والمظاهرات ، كما فعلوا بالشعوب الأخرى . ولكن بحمد الله لن يعودوا إلا بالخيبة والندامة والخسران بفضل الله أولاً ثم بفضل ما نحن عليه من الحق والوعي والإدراك والتلاحم والترابط حكاماً ومحكومين بفضل الله .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا . أَمَّا بَعْدُ :-
فاتقوا الله عباد الله ، واحذروا من مكائد أعدائكم ولا سيما ما ينشرونه في وسائل إعلامهم ضد دولتنا وولاة أمرنا وعلمائنا ومجتمعنا ، وما ينشرونه من التشكيك في عقيدتنا واقتصادنا ومشاريعنا الإنمائية ، فإنهم يريدون إضعاف ارتباطنا وتماسكنا مع ولاة أمورنا . فيجب علينا الحذر التام من إعلام عدونا وقنواته . وان نحذر من نشر الأخبار التي يتضح خبث مصدرها أو جهالة مصدرها ، والتي تُسيء إلى الوطن وولاة أمره . ولأننا منهيون عن إشاعة الأخبار وإذاعتها إذا كان يتعلق بها ضرر عام كما في قوله تعالى : { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } . كما علينا لزوم السمع والطاعة لولاة أمورنا في المعروف والوقوف معهم في صف واحد ضد من يريد بنا شراً ، فالدفاع عن هذا البلد هو دفاع عن التوحيد والسنة والعقيدة الصحيحة ، دفاع عن الدولة التي تنشر الخير في مشارق الأرض ومغاربها ، دفاعا عن الحرمين الشريفين . وأن نساهم في قوة وطننا وعزته بما نستطيع ، فالوطن إنما يقوم بأيدينا جميعاً . وأن نساهم في نشر محاسن بلدنا . وأن نناصر دولتنا وولاة أمورنا .
يقول صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى : أقولها بكل صراحة ووضوح ، نحن مستهدفون في عقيدتنا ، مستهدفون في وطننا ، إلى أن قال رحمه الله : دافعوا عن وطنكم ، دافعوا عن أبنائكم ، دافعوا عن الأجيال القادمة .
عباد الله : إنَّ موقف المسلم حيال هذه الحرب الإعلامية على بلادنا ، أن لا يردد ما يردده الأعداء من اتهامات باطلة ، وأن يقف صفَّاً واحداً مع ولاة الأمر ، يطيعهم طاعة لله ، ما لم يأمروا بمعصية ، وأن لا يقبل ولا يسمع مقالة أهل السوء فيهم ولا في العلماء ، بل يذب عن أعراضهم ويدافع عنهم ، فإنَّ الأعداء وأهل الأهواء لا يطعنون في الولاة والعلماء لذواتهم ، بل لما يحملونه من أمانة ملقاة على عواتقهم ، نصرةً للدين ودفاعاً عنه وحملاً لراية التوحيد ودعوة الناس إليها .
عباد الله : إنَّ قنوات الأعداء الإعلامية التي تشنُّ حربها على بلادنا ، إنما هي حرب على الإسلام وأهله ، وليس المقصود منها نصرة مظـلـوم أو حفظ حقوق كما يزعمون ، فهل ترون الأعداءَ نصروا مسلماً مظلوماً ، أو أعطوا له حقوقاً . كلا والله ، بل إنَّهم نفخوا نار الحروب والثورات حتى أضرموها ، فاشتعلت نيران فتنهم ، فَسُفِكت الدماء ، وشُرِّد مئات الآلاف ، وصارت الحال أسوأ مما كانت عليه ، ومَـثَـلُ هؤلاء مَـثَـلُ اليهود الذين قال الله عنهم : { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِيـنَ } .
وَكُلُّ مَنْ عَادَى التَّوْحِيدَ وَأَهْلَهُ قَصَمَهُ اللهُ ، وَرَدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَنَكَّسَ رَايَتَهُ ، وَلَمْ يُحَقِّقْ لَهُ غَايَتَهُ ، وَهَذِهِ سُنَّةٌ كَوْنِيَّةٌ ثَابِتَةٌ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُدْرِكَهَا ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى ، وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِرَبِّكُمْ ، وَثِقُوا بِخَالِقِكُمْ ، وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ كَمَا أَمَرَكُمْ ، وَاحْذَرُوا الْفُرْقَةَ وَالاِخْتِلاَفَ ، وَكُونُوا يَدًا وَاحِدَةً وَصَفًّا وَاحِدًا مَعَ مَنْ وَلاَّة أَمْرِكُمْ وَدَافِعُوا عَنْ بِلاَدِكُمْ .
هذا وصلوا وسلموا على نبينا محمد فقد أمرنا اللهُ بالصّلاة والسّلام عليه فقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا ) . اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد ، وارض اللهم عن أصحابه أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم احفظ علينا إيماننا وأمننا واستقرارنا واجتماع كلمتنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين ، اللهم أصلح أحوال المسلمين وأنزل عليهم الأمن والسكينة والطمأنينة برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم اغْفرْ لنا ولوالدينا ولجميع المسلمينَ والمسلماتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ برحمتك يا أرحم الراحمين : ( ربنا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ ) عبادَ اللهِ اذكُروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يَذكُرْكم واشكروه على نِعمِه يزدْكم ، ولَذِكْرُ الله أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون .
( خطبة الجمعة 11/4/1447هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل للتواصل جوال و واتساب / 0504750883 )
المرفقات
1759335255_احذروا مكر الأعداء وأهل الأهواء.docx