ادخال السرور على المسلمين عبادة تحيي القلوب وتؤلف النفوس
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
بسم الله الرحمن الرحيم
خُطْبَةُ: إدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى المُسْلِمِينَ
عِبَادَةٌ تُحْيِي القُلُوبَ وَتُؤَلِّفُ النُّفُوسَ.
الخُطْبَةُ الأُولَى
الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَامْتَدَّ فَضْلُهُ إِلَى كُلِّ حَيٍّ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الكَرِيمُ اللَّطِيفُ، الَّذِي يُؤَلِّفُ بَيْنَ القُلُوبِ بَعْدَ شَتَاتٍ، وَيُنَزِّلُ السَّكِينَةَ عَلَى الأَرْوَاحِ بَعْدَ عَنَاءٍ وَغُمُومٍ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ؛ البَسَّامُ المِطْعَامُ، السَّاعِي فِي إدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ مَكْلُومٍ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَتْقِيَاءِ الكِرَامِ.
أَمَّا بَعْدُ؛ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ،
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ!
لَقَدِ ازْدَحَمَتِ الأَعْمَالُ، وَاشْتَدَّتْ مُنَافَسَاتُ الدُّنْيَا، وَكَثُرَتِ الضَّغُوطُ وَالقَلَقُ وَالهُمُومُ المَكْتُومَةُ؛ تَرَى المُبْتَسِمَ يُخْفِي دَمْعًا، وَالمُتْرَفَ يَئِنُّ مِنْ قَلَقٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ إِلَّا اللَّهُ. وَفِي خِضَمِّ هَذَا الضَّجِيجِ يَغْفُلُ كَثِيرٌ عَنْ بَابٍ مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ العِبَادَةِ: إدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ؛ عِبَادَةٌ لَا تَحْتَاجُ مَالًا كَثِيرًا وَلَا جَهْدًا شَاقًّا، وَلَكِنَّهَا تُثَقِّلُ المِيزَانَ وَتُرْضِي الرَّحْمَنَ.
عِبَادَ اللَّهِ!
قَالَ نَبِيُّكُمْ ﷺ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا» (رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ بَعْضُهُمْ).
وَقَالَﷺ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَقَالَﷺ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَقَالَ: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ» (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).
وَيَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾
فَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَهِيَ مِنْ أَيْسَرِ مَا يُدْخِلُ السُّرُورَ عَلَى القُلُوبِ.
وَيَقُولُ تَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾
فَاللِّينُ وَالرِّفْقُ سَبِيلٌ إِلَى اجْتِمَاعِ القُلُوبِ وَدَوَامِ السُّرُورِ بَيْنَهَا.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ!
إدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى قَلْبِ مُسْلِمٍ
عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ يَغْفُلُ عَنْ عَظِيمِ فَضْلِهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، مع أنها سَبَبٌ مِنْ أعظمِ أَسْبَابِ أُنْسِهِمْ وَسَعَادَتِهِمْ، وَسَبَبُ تَآلُفِهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادُدِهِمْ، عِبَادَةٌ مِنْ أَحَبِّ العِبَادَاتِ إِلَى اللَّهِ، مَنْ عَمِلَ بِهَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَأَحَبَّهُ النَّاسُ، وَمَنْ عَمِلَ بِهَا فَرِحَ النَّاسُ بِمَقْدِمِهِ وَسَأَلُوا عَنْهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ
قِيلَ لِمُحَمَّدِ ابْنِ المُنكَدِرِ: أَيُّ الدُّنْيَا أَعْجَبُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: إدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى المُؤْمِنِ.
والإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عندما سُئِلَ: أَيُّ الأَعْمَالِ تُحِبُّ؟ قَالَ: «إدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَقَدْ نَذَرْتُ نَفْسِي لِتَفْرِيجِ كُرُبَاتِهِمْ».
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلَّا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ، أَوْ عَجِبَ، مِنْ فِعَالِكُمَا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]...
لَقَدْ فَضَّلُوا شِبَعَ بَطْنِ ضَيْفِهِمْ عَلَى شِبَعِ بُطُونِهِمْ, وَقَدَّمُوا سُرُورَ صَاحِبِهِمْ المُسْلِمِ عَلَى سُرُورِ ذَوَاتِهِمْ, وَإِنْ كَانَتْ ذَوَاتُهُمْ قَدْ نَعِمَتْ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنَ السُّرُورِ هُوَ أَعْلَى وَأَكْبَرُ.
وَهُذَا صَّحَابِيُّ جَلِيلٌ يُسْرِعُ بِكُلِّ قُوَّتِهِ لِيُبَشِّرَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا بِعَفْوِ اللَّهِ عَنْهُمْ وَصَدْرُهُ يَمْتَلِئُ حُبًّا وَفَرَحًا وَسَعَادَةً وَسُرُورًا حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَنْتَظِرْ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهِمْ بَلْ بَدَأَ يُنَادِيهِمْ مِنْ بَعِيدٍ مِنْ أَعْلَى الجَبَلِ بِأَعْلَى صَوْتِهِ، يَقُولُ كَعْبٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ، أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ...!
عِبَادَاللَّهِ!
إدْخَالُ السُّرُورِ لَيْسَ تَرَفًا اجْتِمَاعِيًّا؛ إِنَّهُ فِقْهُ قَلْبٍ وَسُنَّةُ نَبِيٍّ؛ أَنْ تَصِلَ إِلَى حَاجَاتِ النَّاسِ بِأَلْطَفِ عِبَارَةٍ وَأَقْصَرِ طَرِيقٍ، وَأَنْ تُطَبِّبَ مَا انْكَسَرَ فِيهِمْ بِابْتِسَامَةٍ صَادِقَةٍ، أَوْ كَلِمَةٍ رَفِيقَةٍ، أَوْ مَعُونَةٍ ولو خَفِيفَةٍ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ!
إدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى المُسْلِمِينَ عِبَادَةٌ تُسْعِدُ القَلْبَ وَتُرْضِي الرَّبَّ.
هُوَنُ ورٌ يُغْرَسُ فِي الصُّدُورِ، وَدَوَاءٌ لِلْجُرُوحِ وَالهُمُومِ
افْرَحْ لِفَرَحِهِمْ، وَابْتَسِمْ لِلِقَائِهِمْ، وَوَاسِ مُحْتَاجَهُمْ، وَسَامِحْ مُسِيئَهُمْ، وَادْعُ لَهُمْ بِظَهْرِ الغَيْبِ.
إدْخَالُ السُّرُورِ.. كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ، نَظْرَةُ رَحْمَةٍ، زِيَارَةٌ فِي شِدَّةٍ، عَوْنٌ فِي كُرْبَةٍ، شَفَاعَةٌ فِي حَاجَةٍ، صَدَقَةٌ خَفِيَّةٌ، دَعْوَةٌ صَادِقَةٌ، كُلُّهَا مَفَاتِيحُ سُرُورٍ.
مَا خَابَ مَنْ جَعَلَ مَنْ حَوْلَهُ يَبْتَسِمُ، وَمَا نَدِمَ مَنْ نَثَرَ الخَيْرَ فِي طَرِيقِ النَّاسِ.
أَدْخِلُوا السَّعَادَةَعَلَى القُلُوبِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تُنِيرُ لَكَ الطَّرِيقَ يَوْمَ الظُّلْمَةِ، وَذُخْرٌ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ لَا يَضِيعُ.
النَّاسُ بِالنَّاسِ مَادَامَ الحَيَاءُ بِهِمْ
وَالسَّعْدُ لَاشَكَّ تَارَاتٌ وَهَبَاتُ
وَأَفْضَلُ النَّاسِ مَا بَيْنَ الوَرَى رَجُلٌ
تُقْضَى عَلَى يَدِهِ لِلنَّاسِ حَاجَاتُ
قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَمَا مَاتَتْ مَكَارِمُهُمْ
وَعَاشَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَمْوَاتُ
عِبَادَاللَّهِ!
الدُّنْيَا أَقْصَرُ مِنْ أَحْزَانِنَا، وَأَضْيَقُ مِنْ ضَغَائِنِنَا؛ سَنَرْحَلُ جَمِيعًا؛ فَمَا أَجْمَلَ أَنْ نُخَلِّفَ وَرَاءَنَا رَصِيدًا مِنْ دَعَوَاتٍ بَيْضَاءَ، وَقُلُوبًا شَهِدَتْ لَنَا بِالخَيْرِ..
أَلَا فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَكُونُوا مَفَاتِيحَ خَيْرٍ مَغَالِيقَ شَرٍّ، وَانْشُرُوا بَيْنَ النَّاسِ رُوحَ الرَّحْمَةِ وَالبِشْرِ، وَأَحْيُوا القُلُوبَ بِابْتِسَامَةٍ، وَأَمِيتُوا الأَحْقَادَ بِإِحْسَانٍ، فَإِنَّ العَبْدَ لَا يَزَالُ فِي ظِلِّ رَحْمَةِ اللَّهِ مَا دَامَ يُفَرِّحُ عِبَادَ اللَّهِ.
«اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ».
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُلِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ إدْخَالَ السُّرُورِ عَلَى القُلُوبِ مِنْ أَجَلِّ القُرَبِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاسِعُ الفَضْلِ وَالنِّعَمِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَبْهَجُ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَلْيَنُهُمْ جَانِبًا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللَّهِ،
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبْهَجَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَلْيَنَهُمْ جَانِبًا، وَأَقْرَبَهُمْ إِلَى القُلُوبِ.
يُمَازِحُ أَصْحَابَهُ وَلَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، وَتَفِيضُ مَجَالِسُهُ بِالأُنْسِ وَالسَّكِينَةِ.
جَاءَتْهُ عَجُوزٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الجَنَّةَ، فَقَالَ:
«يَا أُمَّ فُلَانٍ، إِنَّ الجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ».
ثُمَّ بَيَّنَ لَهَا أَنَّهَا إِذَا دَخَلَتْ سَتَكُونُ شَابَّةً فِي الجَنَّةِ، فَابْتَسَمَتْ وَفَرِحَتْ، فَكَانَ مِزَاحُهُ ﷺ جَبْرًا لِلْقُلُوبِ لَا كَسْرًا لَهَا.
وَكَانَ ﷺ يُدَاعِبُ الصِّغَارَ، وَيُسَمِّيهِمْ بِأَلْقَابٍ مُحَبَّبَةٍ، وَيُقَابِلُ كُلَّ أَحَدٍ بِالبِشْرِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عِبَادَاللَّهِ!
المُؤْمِنُ لَا يَعِيشُ عَبُوسًا وَلَا مُتَجَهِّمًا؛ بَلْ يَزْرَعُ البَهْجَةَ حَوْلَهُ بِطِيبِ خُلُقِهِ وَسَمَاحَةِ قَلْبِهِ.
قَالَﷺ:
«يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا،وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا».
فَالْحَيَاةُ قَصِيرَةٌ، وَأَجْمَلُ مَا فِيهَا أَنْ نُهَوِّنَ عَلَى النَّاسِ مَشَقَّتَهَا، وَنَمْلَأَ قُلُوبَهُمْ تَفَاؤُلًا وَأَمَلًا.
وَمِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ السُّرُورِ: الهَدِيَّةُ؛ قَالَ ﷺ:
«تَهَادُوا تَحَابُّوا».
لَيْسَتِ الهَدِيَّةُ بِثَمَنِهَا، وَلَكِنْ بِعِطْرِهَا الإِنْسَانِيِّ الَّذِي يُذِيبُ الجَفَاءَ، وَيُورِثُ المَحَبَّةَ، وَيُبْقِي ذِكْرَى جَمِيلَةً لَا تُنْسَى.
اللَّهُ أَكْبَرُ… مَا أَعْظَمَ هَذَا الدِّينَ، وَمَا أَرْحَمَ هَذَا الرَّبَّ الكَرِيمَ!
دِينٌ يَجْعَلُ مِنْ إدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى القُلُوبِ عِبَادَةً تُرْفَعُ بِهَا الدَّرَجَاتُ، وَتُغْسَلُ بِهَا الخَطَايَا، وَيُنَالُ بِهَا القُرْبُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ.
تُسْعِدُهُ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، أَوْ بِمَوْقِفٍ نَبِيلٍ، أَوْ بِابْتِسَامَةٍ صَادِقَةٍ.
تُفَرِّحُهُ بِسَلَامٍ حَارٍّ، أَوْ بِرِسَالَةٍ جَمِيلَةٍ، أَوْ بِزِيَارَةٍ مُفْعَمَةٍ بِالمَوَدَّةِ.
تُوَاسِيهِ فِي حُزْنِهِ، وَتُشَارِكُهُ فِي أَفْرَاحِهِ، وَتُعِينُهُ فِي حَاجَتِهِ، وَتُهْدِي لَهُ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الخَيْرِ.
تُطْعِمُهُ وَتُكْرِمُهُ، وَتُقْرِضُهُ إِنْ ضَاقَ، وَتُلَبِّي دَعْوَتَهُ وَلَوْ مِنْ بَعِيدٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ.
أَيُّهَا المُحْسِنُ المُفَرِّجُ لِلْكُرَبِ،
أَتَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُحْزِنُكَ وَقَدْ أَفْرَحْتَ عِبَادَهُ؟
أَتَظُنُّ أَنَّهُ يُسَلِّمُكَ لِلْحُزْنِ عِنْدَ سَكَرَاتِ المَوْتِ، وَقَدْ كُنْتَ تُسْعِدُ المَلْهُوفِينَ وَتُفَرِّحُ القُلُوبَ؟
أَتَظُنُّ أَنَّ قَبْرَكَ يُمْلَأُ وَحْشَةً وَأَنْتَ مَلأْتَ بُيُوتَ المُسْلِمِينَ فَرَحًا وَسُرُورًا؟
أَتَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يَنْسَى مَنْ وَاسَى المُنْكَسِرَ، وَأَطْعَمَ الجَائِعَ، وَأَعَانَ المُحْتَاجَ؟
كَلَّا وَاللَّهِ…
إِنَّ رَبَّكَ لَا يَنْسَى مَنْ أَدْخَلَ البَهْجَةَ عَلَى قَلْبِ مُؤْمِنٍ، وَلَا يَخْذُلُ مَنْ أَقَالَ عَثْرَةَ مَكْرُوبٍ أَوْ جَبَرَ خَاطِرَ حَزِينٍ.
سَتَلْقَاهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَتَجِدُ خيرات تَنْتَظِرُكَ قد قدمتها ،
وَأَيْدٍ ضَعِيفَةٌ أَعَنْتَهَا، وَأَرْوَاحٌ حَزِينَةٌ أَسْعَدْتَهَا.
فَهَنِيئًا لَكَ — إِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ السُّرُورِ — فَإِنَّكَ تُسْعِدُ عِبَادَ اللَّهِ، وَاللَّهُ بِوَعْدِهِ لَا يُخْلِفُ المِيعَادَ! وقد قال عز وجل :
﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
عِبَادَاللَّهِ! تَذَكَّرُوا دَائِمًا
أَنَّ أَسْعَدَ النَّاسِ.
مَنْ أَسْعَدَ النَّاسَ.
وَهَكَذَا كَانَ نَبِيُّنَا ﷺ، أَكْثَرَ النَّاسِ إدْخَالًا لِلسَّعَادَةِ عَلَى القُلُوبِ، يَمْسَحُ دَمْعَةَ الحَزِينِ، وَيُخَفِّفُ هَمَّ المَهْمُومِ، وَيَقُولُ لِمَنْ ضَاقَ صَدْرُهُ:
«لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا».
كَانَﷺ إِذَا لَقِيَ أَحَدًا سَرَّهُ، وَإِذَا تَحَدَّثَ إِلَيْهِ أَكْرَمَهُ، وَإِذَا فَارَقَهُ دَعَا لَهُ بِالخَيْرِ.
فَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ كَانَ رَحْمَةً مَهْدَاةً، وَبِسْمَةً مُشِعَّةً، وَسُرُورًا يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، صَاحِبِ الوَجْهِ الأَنْوَرِ، وَالقَلْبِ الأَطْهَرِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَ سُنَّتَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهَجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ يَا وَاسِعَ الرَّحْمَةِ، يَا لَطِيفًا بِعِبَادِهِ، يَا مُفَرِّجَ الكُرُوبِ، وَيَا مُجِيبَ دَعْوَةِ المُضْطَرِّينَ، اشْفِ مَرِيضَنَا، وَعَافِ مُبْتَلَانَا، وَاغْفِرْ ذُنُوبَنَا، وَسَدِّدْ خُطَانَا، وَاسْتَعْمِلْنَا فِي طَاعَتِكَ وَلَا تَسْتَبْدِلْنَا.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مَفَاتِيحَ خَيْرٍ مَغَالِيقَ شَرٍّ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يُسْعِدُ عِبَادَكَ وَيَجْبُرُ قُلُوبَهُمْ.
اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلَادَنَا وَاجْعَلْهَا آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً رَخَاءً وَسَعَةً وَسَلَامًا،
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا فِيهِ صَلَاحُ البِلَادِ وَالعِبَادِ، وَأَعِنْهُمْ عَلَى رِعَايَةِ الدِّينِ وَخِدْمَةِ الحَرَمَيْنِ وَنُصْرَةِ الإِسْلَامِ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ المُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَارْفَعْ عَنْهُمُ البَلَاءَ، وَادْفَعْ عَنْهُمُ الفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ،
أَنْتَ الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ،
أَنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ،
اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، هَنِيئًا مَرِيئًا، سَحًّا طَبَقًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ،
اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا أَمْطَارَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ،
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْثَ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ،
اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أغِثْنَا.
عِبَادَاللَّهِ،
اذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1762477827_إدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى المُسْلِمِينَ.pdf