الأسباب الجالبة للأرزاق
أحمد بن علي الغامدي
أما بعد:فاعلموا رعاكم الله أنَّ من أسماء ربِّنا جلّ وعلا الرازق والرزّاق ، فهو الذي بيدِه – وحدَه- أرزاقُ الخلائق كلِّها والمتكفّلُ بها، قَسَمَ الأَرْزَاقَ بِحِكْمَةٍ وَعَدْلٍ وَرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ، فَأَفَاضَ بِجُودِهِ وَمِنَّتِه على أُناس، وَقَدَرَ وَقَبَضَ بِحِكْمَتِهِ على آخرين ،قَالَ الله تَعَالى: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) وَقَالَ سُبْحَانَهُ وتعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) فتوسيعُ الرزقِ لأناسٍ وتضييقُه على آخرين مبنيٌ على خبرةٍ وعلمٍ من الخبير البصير ببواطنِ الأشياءِ والأمورِ ، وبالعالمِ العلوي والسفلي، وبالماضي، والحاضر، والمستقبل، ؛ وَقد أَمَرَ سبحانه وتعالى عِبَادَهُ بِطَلَبِ الرِّزْقِ، وَتَحَرِّي الأَسْبَابْ، قَالَ تَعَالَى: (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ ، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم ( لن تموت نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا) وقال صلى الله عليه وسلم(لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ فَرَّ مِنَ الرِّزْقِ كَمَا يَفِرُّ مِنَ الْمَوْتِ؛ لأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ).
عباد الله : سأسوق لكم في هذه الخطبة جملةً من أسباب سعةِ الأرزاقِ والبركةِ فيها: فمنها ومن أجلِها :تقوى الله- جل وعلا- .قال ابنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: إنَّ أَسْرَعَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَرَجًا قولُه تعالى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}. وقال الله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ).
ومن أسباب جلب الأرزاق: الإلحاحُ في الدعاء .قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ يَنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَرْزِقُنِي فَأَرْزُقَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَكْشِفُ الضُّرَّ فَأَكْشِفَهُ عَنْهُ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ".رواه الإمام أحمد. وإذا سألتَ- عبدَ الله -الرزقَ : فانوِ : أن يرزقكَ اللهُ من كل خيراتِ الدنيا والآخرة ، فالرزقُ ليس محصورا على الأموالِ فقط ،بل إنّ من جليلِ الأرزاق أيضا :الهدايةَ والعلمَ النافع والذريةَ ، وصلاحَها دينا وبدنا، والعافيَة والسترَ لك ولأهل ِبيتِك في الدنيا والآخرة، والتوفيقَ والحفظَ ، والعقلَ والحكمةَ والبصيرة، وحُسنَ الخلق وغيرَ ذلك من خيراتِ الدنيا والآخرة.
ومن أسباب سعة الأرزاق : الاستغفار . قال الله جل جلاله عن نبيه نوحٍ عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ[ ليس بمال واحد بل بأنواع من المال ] وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}.
ومن أسباب جلب الرزق : العمرةُ والحجّ ،قَالَ صلى الله عليه وسلم: ("تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ؛ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ، خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ").
ومن أسباب جلبِ الأرزاق : الشكر ، قال الله تعالى :(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) ، وإنّ شكرَ النعم يستوجب:أن يتحققَ في القلب :أن ّكلَّ نعمة دينية أو دنيوية: فهي من الله وحدَه ابتداءً ،ودواما ،ونفعا وبركة، قال الله تعالى (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ).
ومن أسبابِ جلبِ الأرزاق :صلةُ الأرحام. قَالَ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ).
ومن أسباب جلب الأرزاق : الصِّدقُ والبيان في البيع والشراء والإيجار فهو بَرَكَةٌ في الأموالِ،قال عليه الصلاة والسَّلام عن ((فإن صَدَقا وبيَّنا (البائع والمشتري )بورِكَ لهما في بَيعِهِما وَإِنْ كَذِبَا وَكَتَمَا مُحِقَت بَرَكَةُ بيعهما)).
ومن أسباب الرزق :الإحسانُ إلى الضعفاء ، قال عليه الصلاة والسَّلام: ( هل تُنصرون وتُرزقونَ إلا بضعفائكم ) [البخاري].
عباد الله : أقول هذا القول ...
أما بعد : فإنّ من جليل أسباب الرزق :صدقَ التَّوَكُّلِ عَلَى الكريم الوهاب ، والتعلقَ به وحده في طلب الأرزاق والخيرات وعدمَ التفاتِ واستشرافِ القلب للمخلوقين، والإياسَ التامَّ منهم أجمعين ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا " وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَزَلَتْ به فاقةٌ [ أَيْ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ :من فَقْرٍ وَضِيقِ مَعِيشَةٍ ]فأنزلَها بالناسِ؛ لم تُسَدَّ فاقتُهُ، ومَنْ نزلت به فاقةٌ فأنزلها بالله؛ فيوشك الله له برزق عاجلٍ أو آجلٍ".
فالله الله – عباد الله- عَلِّقُوا بِالله وحده قُلُوبَكُمْ في كلِ شيء ،مع الجدِ والاجتهادِ في العملِ بالأسباب المشروعة، ،فَإِنَّ الأمرَ كلَه لله ومن الله وبالله.
وإن الْـمُـسْلِمَ السَّعِيدَ هُوَ الَّذِي تَعْتَدِلُ أَمَامَهُ مَسَالِكُ الحَيَاةِ فِي طَلَبَ الرِّزْقِ، فَيَجتهدُ في العمل وَيَتَصَبَّبُ عَرَقُهُ ويحرص على إتقان عمله ومهنتِه وتجارته، وعلى الاستمرار في تطوير نفسه ، وهو مع اجتهاده في بذل الأسباب المشروعة ، لا يركنُ إليها ولا يعتمد عليها ، بل يتوكل على الله وحده ويتحرى الرزق الحلال .
أسأل الله أن يبسطَ علينا من جميعِ أنواعِ الأرزاقِ في الدنيا والآخرة ، كما أسأله أن يكفيَنا بحلاله عن حرامه ، وأن يغنينا بفضله الواسعِ العظيم عمن سواه.إن ربي لسميع الدعاء
المرفقات
1759395344_الأسباب الجالبة للأرزاق.doc