الأمن (موافقة للتعميم+مشكولة ومختصرة)

صالح عبد الرحمن
1447/03/25 - 2025/09/17 19:23PM

خطبة عن الأمن 27-3-1447هـ (موافقة للتعميم+مشكولة ومختصرة)

الخطبة الأولى:

الحمد لله مسبغِ النعم ومحيي الرمم وموجدِ الناس من عدم ، واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له أرأف من ملك وأعدل من حكم ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الورى وقدوة الأمم ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة القمم وسلم تسليما أما بعد :

فاتقوا الله يا مسلمون فمن اتقى الله وقاه ورزقه وكفاه ، وبتقوى الله صلاح الحال والمآل والعاجل والآجل والحاضر والمستقبل واشكروا نعم ربكم بلدة طيبة ورب غفور

أيُّها المسلمون: يقول الله تبارك الله وتعالى( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) 

هل الدُّنيا إلا أمنٌ في الأوطان، وعَافيةٌ في الجَسدِ، وكِفَايةٌ في الرِّزقِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ: (مَنْ أَصبَحَ مِنكُم آمنًا في سِربِهِ، مُعافًى في جَسَدِهِ، عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكَأنَّما حِيزتْ لَهُ الدُّنيا)، واسألوا الذينَ فَقَدوا الأوطانَ، وكَثُرتْ عَليهم الأحزانُ، فَهَا هُمْ يَتَحسَسونَ الأَخبارَ، وقَدْ طَالَ عَليهم الانتظارُ، فَالصَّغيرُ مُشتاقٌ إلى بُيوتِها وشِعابِها، والكَبيرُ يَتمَنى أن يُدفنَ في تُرابِها، فَالقُلوبُ تَتَقطَّعُ، والنَّفوسُ تَتَطَلَّعُ.

وتَأملوا تِلكَ اللحظَّةَ التي فَارقَ فِيها خَيرُ إنسانٍ، أَفضلَ البُلدانِ، يَقولُ عبدُ اللهِ بنُ عَدِّي رَضِيَ اللهُ عَنهُ: رَأيتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ وَاقِفَاً عَلى الحَزْوَرَةِ وهو مكانٌ في مكة فَقَالَ: (واللهِ إنَّكِ لخيرُ أَرضِ اللهِ، وأَحبُ أَرضِ اللهِ إلى اللهِ، مَا أَطيبَكِ مِنْ بَلدٍ، وأَحبَّكِ إليَّ، ولَولا أَنَّ قَومِي أَخرجوني مِنكِ مَا سَكَنْتُ غَيرَكِ).

وحَيثُ أنَّ مُفَارقةَ الأوطان قِطعَةٌ مِن العَذابِ، يُمرِضُ الأجسادَ ويُشغِلُ الأَلبَابَ، فَقَد دَعَا النَّبيُ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّمَ رَبَّهُ أن يُحَبِّبَ المَدينةَ لَهم، لِتَملأَ الفَجوةَ التي سَبَبَّها فِراقُ الوطَنِ في القُلوبِ، فَقَالَ: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ)، فَأَصبَحَتْ وَطَناً لَهُ ولأصحَابِهِ، حتى كَانَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إذا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إلى جُدُرَاتِ المَدينةِ، أَوضَعَ رَاحِلتَهُ -يَعني: أَسرعَ-، وَإنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهِ لِلمَدينةِ.

حبُّ الأوطان .. شيءٌ قد جَبلَ اللهُ تعالى عليهِ كلَّ المخلوقاتِ، فانظروا إلى الطُّيورِ والأسماكِ تقطعُ آلافَ الأميالِ ثُمَّ تَحِنُّ إلى أوطانِها فَترجعَ إليها، والحيواناتُ تشتاقُ إلى مَسَاكنِها وتُدافعُ عَنها، وهَكَذا الشُّعوبُ تَفتخرُ بأَوطَانِها، وتُنَاضلُ عَن بُلدانِها. 

فكيفَ إذا كانَ هذا الوطنُ، فيه بقعةٌ قد دعا لها الخليلُ الأول عليه السلامُ: (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً)، وفِيهِ بُقعةٌ يَشتاقُ لها الإيمانُ، ويَرجعُ إليها في آخرِ الزَّمانِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ الإيمَانَ لَيَأْرِزُ إلى المَدِينَةِ -أي: يَرجعُ إلى المدينةِ- كما تَأْرِزُ الحَيَّةُ إلى جُحْرِهَا).

فمن يلومُ المسلمينَ في حبِّ هذه البلاد، وقد أخَذَتْ مُقدساتُه بفؤادِ كلِّ مسلمٍ على وجهِ الأرضِ، يحبُّها، ويَغارُ لها، ويُدافعُ عنها، ويتمنى أن يراها في أمنٍ واستقرارٍ، عامرةً بالحُجَّاجِ والمعتمرينَ والزُّوَّارِ.

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كلِ ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ هو الغنيُّ وعبادُه الفقراءُ، وهو القويُّ وخلقُه هم الضُّعفاءُ، وصلى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه، والتَّابعينَ ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فاتقوا الله يا مؤمنون واشكُروه عَلى نِعَمِهِ التي لا تُحصى، فَها أنتم تَستيقظونَ كُلَّ صَبَاحٍ في أَمنٍ وَخَيراتٍ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ).

ويقول المولى سبحانه (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا). 

وقال الله تعالى (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)

وإن من شكر المنعم عز وجل التّحَدُّثَ بما أَنْعَمَ اللهُ به علينا في هذه البلادِ المباركة، مِن نعمةِ الأمنِ والتّوحيدِ والعقيدة، ووَحْدَةِ الصّفِّ واجتماعِ الكلمةِ خلفَ القيادةِ الرّشيدة، فتلك بحمدِ اللهِ نعمةٌ ظاهرةٌ يَنْعَمُ بها المواطنُ والمقيمُ في وطنِنا الكريم، والتأكيد على الاعتزاز بما حبا الله بلادنا من مكانة دينية وحضارية، والخدمات المقدمة للحرمين الشريفين وللعالم الإسلامي أجمع، وأن كل فرد مسؤول عن حفظ هذه النعمة، وحفظ مقدرات هذا الوطن.

حفظ الله بلادنا من كل سوء ومكروه يارب العالمين.

المشاهدات 623 | التعليقات 0