الإتقان مفتاح النجاح الدنيوي والأخروي

د.عبدالحميد المحيمد
1447/05/24 - 2025/11/15 12:40PM

 

إن الحمد للّه، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللّه فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،  وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله  اللَّهم صلَّ على محمدٍ وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللَّهم بارك على محمدٍ وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ، في العالمين إنك حميدٌ مجيد .

عباد اللّه ، أوصيكم ونفسي بتقوى اللّه.

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ "

أيها الأحبة في اللَّه، الإتقان في العمل سبب لمحبة الله، والإتقان في العمل سبب لكسب الرضا الربّاني، والإتقان في العمل سبب للفوز بالجنة يوم القيامة، والإتقان في العمل سبب لأن يبارك اللَّه في مالك ويبارك في رزقك.

قال تعالى : (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ )

؛ فاللَّه سبحانه هو متقِنُ الكون، وهو الذي أحكم خلقه. واللَّه سبحانه يحبّ الإتقان؛ يقول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ»، أي: يُحكِم هذا العمل ويؤدِّيه بالصورة الصحيحة والصورة الحسنة، ظاهرَه وباطنه.

وكان النبي عليه الصلاة والسلام – في مناسبة هذا الحديث – في المقبرة، وقيل: إنه كان في وفاة إبراهيم ولدِ النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فرأى فُرْجةً في القبر، أي فتحةً صغيرة، فأمر بأن تُسوّى ويُتم إصلاحها، وقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ».

مع أنها تسويةٌ صغيرة في القبر، ومع ذلك قال: إن اللَّه تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه. ثم قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «أما إنها لا تضرُّ ولا تنفعُ ولكنها تقرُّ عينَ الحيِّ وإنَّ العبدَ إذا عمل عملًا أحبَّ الله أن يُتقنه »

أي: لا تضر الميت ولا تنفعه، ولكن تَقَرّ بها عين الحيّ؛ عندما يرى تسوية هذا التراب.

فالإتقان قاعدة دنيوية، والإتقان قاعدة أخروية؛ ففي الآخرة لا يقبل اللَّه منك إلا العمل المتقَن. فإذا أمضى الإنسان حياته في الصلاة ولكنه لم يركع الركوع الصحيح، فكأنه لم يصلِّ؛ فلا تُكتب له هذه الصلاة إذا لم يكن يطمئن فيها. ولذلك قال النبيّ عليه الصلاة والسلام للرجل الذي نَقَرَ الصلاة: «ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ». لم يقل له: إنك صليت ربعالصلاة، ولا ثلث الصلاة، بل قال: «ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ»، حتىرجع ثلاث مرات، ثم بعد ذلك تعلّم الرجل من النبيّ عليه الصلاةوالسلام.

فالإتقان إذن يكون في أعمال الآخرة ويكون في أعمال الدنيا. ما الذي يفسد الإتقان؟

في الطاعات وأعمال الآخرة الذي يفسد الإتقان هو الرياء؛ فإذا دخل الرياء والعُجْب في هذا العمل من أجل الدنيا أفسد هذا العمل، ولو كان مُحكماً ولو كان مُتقَناً. ولذلك مما يذكره ابن الجوزي رحمه اللَّه في كتابه أخبار الحمقى والمغفلين، أنه قال: كان رجل في المسجد يصلي، فتعجّب الناس من صلاته، فأخذ قوم يمدحونه ويصفونه بالصلاح فدخل عليه الشيطان والعُجْب وأغراه. قال: فإذا بهذا الرجل يقطع صلاته ويلتفت إليهم ويقول:” وفوق هذا فإني صائم! “. انظر كيف أغراه الشيطان فدخل في الرياء.

وأما في أعمال الدنيا، فما الذي يفسد الإتقان؟ يفسده الخداع والتدليس والغش، وهذا كثير اليوم في المنتجات التي تتشابه على الناس، حتى لم يَعُد يُعرَف المنتج الأصلي من المنتج التقليد. فإذا دلَّس الإنسان في هذا المنتج، ودلَّس في هذه الصناعة، وخلط فيها وغشّ فيها، فهذا يفسد الإتقان، وهذا كسبه حرام وربحه حرام، وجسمه ينمو من الحرام. ولذلك لما مرّ النبي عليه الصلاة والسلام—وكان يراقب الإتقان في طاعات الصحابة، ويراقب الإتقان أيضاً في أسواق الصحابة—مرّ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالسوق يراقب المنتجات والبضائع المعروضة ولا يكتفي بجمالها الظاهر؛ ظاهرُها الإتقان

النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرّ على صُبْرَةِ طعامٍ، فأدخَل أصابعَه فيها فإذا فيه بَلَلٌ فقال: ( ما هذا يا صاحبَ الطَّعامِ ) ؟ قال: أصابتْه سماءٌ يا رسولَ اللهِ قال: ( فهلَّا جعَلْتَه فوقَ الطَّعامِ حتَّى يراه النَّاسُ، مَن غشَّنا فليس منَّا )

قال النبي عليه الصلاة والسلام قاعدةً ينبغي أن يعلِّقها كلُّ من اشتغل في التجارة والاستثمار والاسترباح، فقال النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم:( مَن غشَّنا فليس مِنَّا )

يعني: هذا التصرّف وهذا السلوك وهذا الخداع وهذا التدليس ليس من أخلاق النبيّ عليه الصلاة والسلام، ولا من أخلاق الإسلام، ولا من أخلاق المسلمين، ولكنه نوع من الطمع دفعَ هذا الشخص إلى أن يخدع الناس.

فإذاً الإتقان هو أساس نهضة الأمم، والإتقان هو أساس صلاح البدن، لأنك تأكل من حلال، والإتقان هو أساس قبول الأعمال يوم القيامة إذا كانت مشحونة بالإخلاص للَّه عز وجل.

قال تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)،

وقال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)

فالناس التي تتفوق عليك يوم القيامة كانت عندها النية والإخلاص، وكان عملهم أحسن من عملك؛ كانت صلاتهم متزنة، وكان صيامهم يحافظون عليه، وكانت قراءتهم للقرآن مُجوَّدة،وكانوا يُبادرون بالصدقات ويُخفون الصدقة ولا يُبْطِلونها

بالمنِّ والأذى.ولكلِّ إتقانٍ آفة؛ فآفة الصدقة ماذا؟ أن تَمُنَّ بالمنِّ والأذى. وآفة الصلاة ألا يكون فيها خشوع، وهكذا

فإذاً الإتقان هو السبيل لرضوان الله عز وجل، وهذا ما أكّده النبي عليه الصلاة والسلام بقوله

«إن اللَّه تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»

فنسأل الله أن يجعلنا من المتقنين، وأن يتقبل منا، إنه هو السميع العليم

أقول ما تسمعون، وأستغفر اللَّه

.

الخطبة الثانية

الحمدُ للَّه، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللَّه

من أسباب الإتقان أن يكون هذا الإنسان عنده الكفاءة، ويطوِّر نفسه، ويُصلح نفسه، ويتعلّم. ومن أسباب عدم الإتقان أن هذا الإنسان يتقادَم، يعني يبقى على هذه الحال ولا يتعلّم. ولذلك ذكر القرآن لنا قصصَ أشخاصٍ تولَّوا مناصب لأنهم كانوا من أهل الإتقان؛قال:(اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)..[ يوسف ،آية 55 ]صاحب هذه المقولة يوسف عليه السلام، لأنه كان عنده القدرة على الإتقان، وكان عنده خبرة في الحسابات والكتابة والدراية، ولذلك يصبح على خزائن الأرض، يعني وزير المالية.

وموسى عليه السلام—ماذا قالت ابنةُ ذاك الشيخ الكبير، وقيل هو ابن أخي شعيب؟—قالت: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)..[ القصص ، آية 26 ] لماذا قالت: القوي الأمين؟ لأن القويَّ الأمين سيتقن العمل؛ فهم يحتاجون إنساناً أميناً سيعيش معهم في البيت، ويحتاجون إنساناً قويّاً يرعى لهم الحلال ويستطيع أن يسقي الحلال ويزاحم الرعاة. فقالت: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)

وكيف عرفت ذلك؟ عرفت هذه الكفاءة عندما رأت أن صخرةً عظيمةً كانوا يضعونها على فم البئر، وكان يضعها الرعاة، فأزاحها موسى عليه السلام. وعرفت أنه أمين عندما قالت له: إن أبي يدعوك ليجزيَك أجر ما سقيتَ لنا، فراحا يمشيان، فقال لها: «امشي خلفي، فإنّا

لا ننظر إلى أعجاز النساء». فعرفت أن هذا الرجل الأمين، وهذا الرجل القوي، يستحق أن يُعينهم في بيتهم، وفعلاً تزوّج هذه الفتاة كما قيل فيما بعد.

فنسأل اللَّه أن يعيننا وإياكم، وأن يُصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يجعلنا ممن يتقنون ويُخلِصون، إنه على كل شيء قدير.

اللَّهم فَرِّج كروبنا وكروب المسلمين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين.

اللَّهم فرّج عن إخواننا في السودان، وفي كل مكان.

اللَّهم أغِثْنا يا رحمن يا رحيم، اللهم اسقِنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللَّهم يا وليُّ يا حميد، اسقِنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

اللَّهم اغث البلاد والعباد، اللَّهم اغث البلاد والعباد، اللَّهم اغث البلاد والعباد بفضلك ورحمتك يا رحمن يا رحيم.

وصلى اللَّه على نبينا محمد.

 

المرفقات

1763199613_الإتقان_مفتاح_النجاح_الدنيوي_والآخروي.docx

المشاهدات 219 | التعليقات 0