الإيمان بالكتب المنزلة

عبدالرحمن سليمان المصري
1447/05/15 - 2025/11/06 20:52PM

الإيمان بالكتب المنزلة

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي من على أمة الإسلام بإنزال القرآن العظيم ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد:

أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى :﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾

عباد الله: إن من حكمة الله عز وجل أن بعث رسلا وأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؛ لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، ودعوتهم للإيمان به ، وبكل ما دعا عباده إليه ، وأنزل عليهم كتبا ؛ ليبينوا للناس ما نزل إليهم ، والإيمان بالكتب هو الركن الثالث من أركان الإيمان الستة ، التي لا يتم إيمان العبد إلا بها ، قال تعالى: ﴿ آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ﴾الآية ، وفي حديث جبريل المشهور "قال: فأخبرني عن الإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم : " ‌أن ‌تؤمن ‌بالله، ‌وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره " رواه مسلم.

 

عباد الله : إن من أصول الإيمان العظيمة؛ التصديق الجازم بالكتب والرسالات ، التي أنزلها الله على عباده بواسطة رسله وأنبيائه، وأنها كلام الله حقيقة غير مخلوقة ، وقد أنزل الله مائة وأربعة كتب على رسله، ويجب على المسلم الإيمان بالكتب تفصيلا فيما سماه الله تعالى لنا في القرآن الكريم ، وهي الصحف المنزلة على إبراهيم ، والتوراة المنزلة على موسى ، والزبور المنزل على داود ، والإنجيل المنزل على عيسى ، والقرآن الكريم المنزل على نبينا ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

وأما ما ذكر منها إجمالا وجب علينا الإيمان به إجمالا ، لأن هذا من الغيب الذي أمرنا أن نؤمن به ، ونقول فيه ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم :  ﴿ وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ﴾ الشورى:15.

عباد الله: يجب الإيمان بالوحي المنزل كله ، قال تعالى: ﴿ قولوا آمنا بالله ومآ أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ﴾ البقرة: 136.

ومن أنكر شيئا مما أنزله الله فقد كفر ، قال تعالى : ﴿ ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا ﴾ النساء: 136 .

عباد الله : والإيمان بالكتب السابقة يكون بتصديق ما صح من أخبارها، مما لم يبدل أو يحرف ، واعتقاد أن الانقياد لها ، والحكم بها كان واجبا على الأمم التي نزلت إليهم ، ونؤمن بأن الكتب السماوية يصدق بعضها بعضا  ، فكلها دعت إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة ، قال تعالى: ﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ﴾.

وكل الكتب جاءت لهداية الناس ، وسعادتهم في الدنيا والآخرة ، وأن الشريعة اللاحقة ناسخة للشريعة السابقة كليا أو جزئيا ، ثم نسخت جميع الكتب السابقة ؛ بالقرآن الكريم، فالرسول صلى الله عليه وسلم  أرسل للناس كافة للإنس والجن ، قال تعالى: ﴿  وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ﴾ المائدة: 48 ، فالقرآن أمين وحاكم على ما قبله من الكتب ، وهو أشملها وأعظمها ، حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره.

عباد الله : وقد أخبرنا الله تعالى في كتابه ، أن أهل الكتاب قد حرفوا وبدلوا في  كتبهم ، فلم تعد كما أنزلها الله على أنبيائه ، قال تعالى: ﴿ من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ﴾ النساء: 46.

فلا يجوز للمسلم أن يقرأ منها شيء ، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في كتاب من كتبهم ، فغضب وقال :" والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا، ما وسعه إلا أن يتبعني " رواه أحمد وحسنه الألباني.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا  ،       أما بعد :

 عباد الله: إن الإيمان بالكتب ، يدعو المسلم إلى التأمل في عناية الله تعالى بعباده ، ولطفه بخلقه ، حيث جعل لكل قوم كتابا ، يهديهم لما فيه خيرهم وفلاحهم ، وجعل لكل أمة شريعة تناسب أحوالهم ،  ﴿لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا﴾المائدة:48 ، وجعل الله خاتم الكتب القرآن العظيم ، وهو أعظمها شأنا، وأرفعها مكانة ، ومجرد التصديق بالقرآن لا يكفي للإيمان به ، فلا بد مع التصديق من الأخذ به ، والعمل بأوامره وترك نواهيه ، والإيمان بمحكمه، والتسليم لمتشابهه ، قال تعالى : ﴿ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ﴾الأعراف:3.

عباد الله: والقرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد ، الذي يتعبد بتلاوته بعد بعثة الرسول ﷺ ، قال أبو ذر رضي الله عنه يا رسول الله، أوصني. قال: " أوصيك بتقوى الله، فإنه رأس الأمر كله "، قلت: يا رسول الله، زدني. قال: "عليك بتلاوة القرآن وذكر الله ، فإنه نور لك في الأرض ، وذخر لك في السماء " رواه ابن حبان وحسنه الألباني.

وقد جعل الله قبول الأعمال مرتبط باتباع النبي الكريم ، والعمل بالقرآن العظيم ، إذ لا يقبل الله العمل بغيره بعد نزوله ، ﴿ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ﴾ آل عمران :85.

ولم يتكفل الله بحفظ الكتب السابقة ، بل وكل حفظها إلى علماء الأمة التي أنزلت عليها ، قال تعالى: ﴿والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء﴾ الآية المائدة: 44 ، ولكنهم ضيعوا ، وغيروا وحرفوا ، أما القرآن الكريم فهو آخر الكتب ، وقد تولى الله حفظه بنفسه ، قال تعالى:﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾ الحجر: 9 .

والقرآن؛ كتاب كثيرة خيراته ، عظيمة بركاته ، فهو كلام رب العالمين ، قال تعالى: ﴿ وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ﴾ الأنعام: 155، فهو مبارك في تلاوته، وفي أثره، وتأثيره ، وكل خير ونعمة، دينية أو دنيوية أو أخروية، فإنها بسببه، وأثر عن العمل به.

ومن بركته:  الهداية والتوفيق ، والأجور العظيمة ، والطمأنينة وراحة النفس ، والشفاء من الأمراض البدنية والمعنوية ، وتيسير الأمور وقضاء الحوائج قال تعالى: ﴿ وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون ﴾ الأنبياء: 50.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾،

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين  

المرفقات

1762517650_الإيمان بالكتب المنزلة خطبة جمعة.docx

1762517653_الإيمان بالكتب المنزلة خطبة جمعة.pdf

المشاهدات 333 | التعليقات 0