الاستغفار! الكنز العظيم.

الاستغفار! الكنز العظيم.


الخُطْبَةُ الْأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ، الْكَرِيمِ الْحَلِيمِ، الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ، وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَصْفَاهُ رَبُّهُ وَاجْتَبَاهُ وَخَصَّهُ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَالْحَوْضِ الْمَوْرُودِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ!
فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ؛ فَهِيَ زَادُ السَّائِرِينَ، وَحِرْزُ الْخَائِفِينَ، وَسَبَبُ كُلِّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: ١١٩].

أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ فِي اللَّهِ…
مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ بَيْنَ جَنْبَيْهِ نَفْسٌ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، يَزِيغُ بَصَرُهُ، وَيَضْعَفُ قَلْبُهُ، وَتَثْقُلُ جَوَارِحُهُ، فَيَقَعُ بِالذُّنُوبِ؛ لَكِنَّ اللَّهَ فَتَحَ لَنَا بَابًا عَظِيمًا لَا يُغْلَقُ أَبَدًا، مِفْتَاحُهُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مُنْكَسِرَةٌ: " أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ "
كَمْ مِنْ ذَنْبٍ مَحَقَ اللَّهُ أَثَرَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ! وَكَمْ مِنْ هَمٍّ انْفَرَجَ صَدْرُ صَاحِبِهِ لِمَا لَهَجَ بِهَا!
إِنَّ الِاسْتِغْفَارَ لَيْسَ لَفْظًا عَابِرًا يُقَالُ بِاللِّسَانِ فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ حَيَاةٌ لِلْقَلْبِ، وَتَنْقِيَةٌ لِلرُّوحِ، وَتَجْدِيدٌ لِلْعَهْدِ مَعَ اللَّهِ.
أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، مَا أَجَلَّهَا مِنْ كَلِمَةٍ وَمَا أَجْمَلَهَا مِنْ شِعَارٍ..

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
لِلِاسْتِغْفَارِ مَكَانَتُهُ الْعَظِيمَةُ وَمَنْزِلَتُهُ الْعَلِيَّةُ فِي دِينِ اللَّهِ؛ هُوَ بَابُ الرَّحْمَةِ، وَمِفْتَاحُ الْفَرَجِ، وَأَسَاسٌ لِاسْتِجْلَابِ الْخَيْرَاتِ وَحُلُولِ الْبَرَكَاتِ، وَنُزُولِ النِّعَمِ وَزَوَالِ الْعُقُوبَاتِ وَالنِّقَمِ.
عِبَادَاللَّهِ! نَحْنُ فِي زَمَنٍ كَثُرَتْ فِيهِ الْفِتَنُ وَالْمِحَنُ وَالشَّدَائِدُ، وَكَثُرَتْ فِيهِ الذُّنُوبُ وَالْمَعَاصِي، وَقَلَّ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَصَابَ كَثِيرٌ مِنَ الْبِلَادِ الْقَحْطُ وَالْجَدْبُ؛ وَإِذَا كَانَ أَهْلُ الْأَرْضِ يَعْجِزُونَ عَنْ إِنْزَالِ قَطْرَةٍ مِنَ السَّمَاءِ، فَإِنَّ لَنَا رَبًّا يُسْقِي الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، وَيَفْتَحُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِمَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ مُسْتَغْفِرًا مُنِيبًا.

اقْرَءُوا—رَحِمَكُمُ اللَّهُ—مَا قَالَهُ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ:
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾
فَمَنْ أَرَادَ الْغَيْثَ فَالِاسْتِغْفَارُ سَبَبٌ لِنُزُولِهِ: ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾،
وَمَنْ تَمَنَّى الْغِنَى بَعْدَ الْفَقْرِ فَالِاسْتِغْفَارُ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْمَالِ: ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ﴾،
وَمَنْ طَلَبَ الذُّرِّيَّةَ فَالِاسْتِغْفَارُ سَبَبٌ لِلْبَنِينَ: ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾،
وَمَنْ رَجَا جَنَّةَ رَبِّهِ فَالِاسْتِغْفَارُ سَبَبٌ لِدُخُولِهَا: ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾.

وَهَذَا الْفَارُوقُ عُمَرُ—رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ—خَرَجَ يَوْمًا يَسْتَسْقِي، فَمَا زَادَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، وَقَالَ: طَلَبْتُ الْغَيْثَ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَاتِ.
وَجَاءَ رِجَالٌ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ يَشْكُونَ: أَحَدُهُمُ الْجَدْبَ، وَآخَرُ الْفَقْرَ، وَثَالِثٌ قِلَّةَ الْوَلَدِ؛ فَجَعَلَ يُجِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَفْسِ الْجَوَابِ: عَلَيْكَ بِـ "أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ"؛ تِيمُّنًا بِآيَاتِ سُورَةِ نُوحٍ الْمُتَقَدِّمَةِ.

عِبَادَ اللَّهِ:
اسْتَغْفِرُوا أَسْتَغْفِرُاللَّهَ،
اسْتَغْفِرُوا وَالْهَجُوا وَأَلِحُّوا بِالِاسْتِغْفَارِ،
أَسْتَغْفِرُاللَّهَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.
الِاسْتِغْفَارُ لَيْسَ لِلْمُذْنِبِ فَقَطْ عِنْدَ الْوُقُوعِ فِي الْخَطِيئَةِ؛ بَلْ هُوَ حَتَّى مَنْهَجٌ لِلصَّالِحِينَ بَعْدَ الطَّاعَاتِ؛ لِطَرْدِ الْعُجْبِ وَقَمْعِ الْكِبْرِ، وَقَايَةً لِلْقَلْبِ مِنْ آفَاتِ الْقَبُولِ. فَقَدْ خَتَمَ اللَّهُ أَعْمَالًا عِظَامًا بِالِاسْتِغْفَارِ؛ وَمِنْهَا قِيَامُ اللَّيْلِ ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذَّارِيَاتِ: ١٨]، وَنُخَتِمُ مَجَالِسَنَا بِكَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ» كَفَّارَةٌ لِمَا كَانَ فِيهَا.
وحِينَمَا تُوَفَّقُ لِطَاعَةٍ—صَلَاةٍ، أَوْ صِيَامٍ، أَوْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ—فَاخَتْمُهَا بِاسْتِغْفَارٍ يَحْمِلُ مَعْنَى الْانْكِسَارِ لِلَّهِ، وَيُجَبِّرُ مَا فِي الْعَمَلِ مِنْ تَقْصِيرٍ، وَيَحْفَظُهُ مِنْ آفَةِ الرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ.
وَإِذَا ذَكَرْنَا الِاسْتِغْفَارَفَنَذْكُرُ سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ،
فَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
«سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ: أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ:
اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي، وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ».
قَالَﷺ: «مَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَمَعْنَاهُ:أَنَّ مَنْ قَالَ هَذَا الدُّعَاءَ بِقَلْبٍ حَاضِرٍ وَاعْتِقَادٍ صَادِقٍ فِي الصَّبَاحِ أَوِ الْمَسَاءِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ اللَّيْلَ أَوِ الْفَجْرَ، كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، لِأَنَّهُ جَمَعَ كَمَالَ التَّوْحِيدِ، وَالِاعْتِرَافَ بِالنِّعْمَةِ، وَالْإِقْرَارَ بِالذَّنْبِ، وَالِافْتِقَارَ إِلَى الْمَغْفِرَةِ.

ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ يَدْعُوكُمْ: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا﴾ [هُودٍ: ٣].
وَفِي الصَّحِيحِ: « يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ».

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ!
"لَقَدْ كَانَ فِي الْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، فَرُفِعَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ."
فَأَمَّا الْأَوَّلُ– عِبَادَ اللَّهِ – فَكَانَ وُجُودَ النَّبِيِّ ﷺ بَيْنَ النَّاسِ، أَمَانًا لَهُمْ وَرَحْمَةً تَحُفُّهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الْأَنْفَالِ: 33]
وَأَمَّا الثَّانِي– وَهُوَ الْأَمَانُ الْبَاقِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ – فَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ، قَالَ تَعَالَى:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الْأَنْفَالِ: 33]
فَمَا دَامَ فِي الْأَرْضِ أَلْسِنَةٌ تَلْهَجُ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَأَيْدٍ تُرْفَعُ بِالِاعْتِذَارِ، وَقُلُوبٌ تَخْشَعُ وَتَنِيبُ؛ فَإِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ بَاقِيَةٌ، وَبَلَاءَهُ مَرْفُوعٌ، وَغَضَبَهُ مَدْفُوعٌ بإذن الله عز وجل.

فَلَا تَتْرُكُوا – رَعَاكُمُ اللَّهُ – هَذَا الْأَمَانَ الْعَظِيمَ، وَلَا تَهْجُرُوا هَذَا الْبَابَ الْكَرِيمَ، بَابَ الِاسْتِغْفَارِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ لِكُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْنَاهُ،
وَنَسْتَغْفِرُكَ لِكُلِّ ذَنْبٍ ضَيَّقَ أَرْزَاقَنَا،
وَنَسْتَغْفِرُكَ لِكُلِّ ذَنْبٍ مَحَا حَسَنَاتِنَا،
وَنَسْتَغْفِرُكَ لِكُلِّ ذَنْبٍ أَمَاتَ قُلُوبَنَا،
وَنَسْتَغْفِرُكَ لِكُلِّ ذَنْبٍ أَبْعَدَنَا عَنْ جَنَّتِكَ،
وَنَسْتَغْفِرُكَ لِكُلِّ ذَنْبٍ قَرَّبَنَا مِنْ نَارِكَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْمُكْثِرِينَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ، الْفَائِزِينَ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالرِّضْوَانِ..
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهَجِهِ وَاقْتَفَى.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْخَلَائِقَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَزْوَاجًا؛ وُجُوهٌ كَالِحَةٌ، وَأُخْرَى مُسْفِرَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ. وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ تَسُرَّهُ صَحِيفَتُهُ فَلْيُكْثِرْ فِيهَا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ؛ «طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا». وَأَوْلَى مَنْ نَسْتَغْفِرُ لَهُمَا: الْوَالِدَانِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٢٤]، وَفِي الْخَبَرِ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ… بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِهِ لَهُ».

عِبَادَ اللَّهِ! الْمُؤْمِنُ يَحْمِلُ هَمَّ ذُنُوبِهِ، وَيَرَى تَقْصِيرَهُ دَائِمًا،
لِذَلِكَ هُوَ يَسْتَغْفِرُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَلَاسِيَّمَا إِذَا تَأَمَّلَ عَظِيمَ امْتِنَانِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَمَا أَسْدَاهُ عَلَيْهِ مِنَ النِّعَمِ وَالْخَيْرَاتِ، وَنَظَرَ إِلَى حَالِهِ مِنَ التَّقْصِيرِ، عَرَفَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَّا بِكَثْرَةِ الِاسْتِغْفَارِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي فَضْلِ الِاسْتِغْفَارِ: إِنَّهُ إِذَا اسْتَقَرَّ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ الِاعْتِرَافُ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَبِارْتِكَابِهِ الذُّنُوبَ؛ كَانَ هَذَا طَرِيقًا لِتَمَامِ الْعُبُودِيَّةِ وَسَلَامَتِهَا مِنَ الْآفَاتِ، فَيَرْتَقِي فِي دَرَجَاتِ الْإِيمَانِ، وَتَهُونُ عَلَيْهِ نَفْسُهُ وَيَتَوَاضَعُ لِلَّهِ تَعَالَى، مِمَّا يُوصِلُ إِلَى كَمَالِ الْعُبُودِيَّةِ.
لِذَلِكَ امْلَأْ وَقْتَكَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَ«لحظات الِانْتِظَارِ… امْلَأْهَا بكثرة الِاسْتِغْفَارِ»؛ لِيُكْثِرَ أَجْرُكَ وَيَنْفَرِجْ هَمُّكَ.
وَالِاسْتِغْفَارُ كَذَلِكَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ الْقُوَّةِ والصحة والْعَافِيَةِ وَالنَّشَاطِ.
فَقَدْ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ:
﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾

فَمَنْ أَكْثَرَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ قَوَّى اللَّهُ بَدَنَهُ، وَثَبَّتَ عَزْمَهُ، وَجُعَلَ فِي قَلْبِهِ طَاقَةً وَإِقْبَالًا عَلَى الطَّاعَةِ.
لِذَلِكَ لَا تَمَلَّ مِنَ التَّوْبَةِ حَتَّى وَإِنْ تَكَرَّرَ الذَّنْبُ، أَلَيْسَ كُلَّمَا اتَّسَخَ ثَوْبُكَ غَسَلْتَهُ؟! كَذَلِكَ كُلَّمَا أَذْنَبْتَ (اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ).
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ كَانَ يَقُولُ:
«وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً»
وَمَنْ كَانَ يَقُولُ: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ، جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ»
وَعَلَى مَنْ كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ،
وَهُوَالَّذِي قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ،
فَكَيْفَبِنَا نَحْنُ الْمُذْنِبِينَ الْمُقَصِّرِينَ؟
فَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى سَيِّدِ الْمُسْتَغْفِرِينَ،
وَعَلَى إِمَامِ التَّائِبِينَ،
الَّذِي عَلَّمَ الْأُمَّةَ الِاسْتِغْفَارَ، وَدَلَّهَا عَلَى طَرِيقِ الْأَبْرَارِ،
وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ فَقَالَ جَلَّ فِي عَلَاهِ:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

اَللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كُلَّهَا؛ دِقَّهَا وَجِلَّهَا، أَوَّلَهَا وَآخِرَهَا، عَلَانِيَتَهَا وَسِرَّهَا.
اَللَّهُمَّ إِنَّا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ؛ فَاغْفِرْ لَنَا مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
اَللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ النِّفَاقِ، وَأَعْمَالَنَا مِنَ الرِّيَاءِ، وَأَلْسِنَتَنَا مِنَ الْكَذِبِ، وَأَعْيُنَنَا مِنَ الْخِيَانَةِ، وَنُفُوسَنَا مِنَ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ.
اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ تَقْصِيرٍ بَعْدَ طَاعَةٍ، وَنَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرَى لِأَنْفُسِنَا حَوْلًا أَوْ قُوَّةً عَنْكَ.
فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لَنَا إِلَّا بِكَ.
اَللَّهُمَّ اجْعَلِ وفقنا للاستغفار واجعله رِيًّا لِقُلُوبِنَا، وَسَبَبًا لِلْغَيْثِ عَلَيْنَا، وَأَمْنًا لِبِلَادِنَا، وَعِزًّا لِدِينِنَا.
اَللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ؛ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا طَبَقًا، عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، تَنْبُتُ بِهِ الزَّرْعُ، وَتُدِرُّ بِهِ الضَّرْعُ، وَتُمْلِئُ بِهِ الْأَوْدِيَةُ، وَتَجْعَلُهُ بَلَاغًا لِلْحَاضِرِ وَالْبَادِ.
اَللَّهُمَّ اسْقِنَا وَارْوِنَا، اَللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا تُصْلِحُ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، وَلَا تَجْعَلْهُ بَلَاءً وَلَا هَدْمًا وَلَا غَرَقًا.

اَللَّهُمَّ احْفَظْ وُلَاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْهُمْ وَسَدِّدْهُمْ، وَوَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاحْفَظْ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ.
اَللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا، وَعَافِ مُبْتَلَانَا، وَارْحَمْ مَوْتَانَا، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِينَ، وَانْصُرِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ،
وَالْحَمْدُلِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المرفقات

1763062441_الاستغفار! الكنز العظيم. .pdf

المشاهدات 393 | التعليقات 0