الاكتئاب.. داءٌ ودواءُ
عبدالعزيز بن محمد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
 
أيها المسلمون: طُمأَنِيٍنَةُ النَّفْسِ، وانْشِراحُ الصَّدْرِ، وسُرُورُ القَلْبِ، أَصْلُ السَّعادَةِ ومَصْدَرُها، ومُسْتَقَرُّها ومُسْتَودَعُها. فَما نَالَ السَّعادَةَ مَنْ عُدِمَ الطُّمأَنِيْنَةُ أَو سُلِبَ السَّكِيْنَةُ، أَو فَقَد الانْشِراح. ولَو مَلَكَ كُنُوزَ الدُّنيا وقَلَّبَها بَيْنَ يَدَيْه.
انْشِراحُ الصَّدْرِ رَوْضَةٌ مِن الأُنْسِ مَنْ لَمْ يَظْفَرْ بِها بَئِس، ومَنْ لَمْ يُكْرمِ بِها تَفَرَّقَتْ نَفْسُهُ في شِعابِ الضِيْقِ والضَّنْكِ والنَّكَد. و(ضِيْقُ الصَّدْرِ) مَصْدَرُهُ هُمٌّ، أَو حَزَنٌ، أَو غَمٌّ، أَو عَناءٌ، أَو تَحَسُّرٌ، أَو تَضَجُّرٌ، أَو قَلَق.
ومَنْ كابَدَ الحَياةَ وخاضَ في غِمارِها، فَلسَوفَ يُواجِهُ عَقباتٍ تُؤْلِمُهُ، فَيَضِيْقُ لأَجْلِها صَدْرُهُ، ويُصِبُهُ لأَجْلِها الهَمُّ الأَلَمُ والنَّصَب. ولَنْ يَنْجُو إِنْسَانٌ مِنْ الآلامِ مَا دَامَ في هَذِهِ الحَياةِ مُمَتَّعاً {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} وفي الحَدِيْثَ المتَّفَقِ عليهِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»
وإِنَّما يَكُونُ (ضِيْقُ الصَّدْرِ) آفَةٌ وَدَاءٌ ومَرَضٌ، حِيْنَما يَطُولُ مُكْثُهُ في النَّفْسِ، ويَتَغَلغَلُ فِيها. فَيَحِلُّ بالمرءِ عَناءٌ لا يَبْرَحُ، وشَقاءٌ لا يَتَزَحْزَح، فَلا يَقْوَى للمَرءِ عَزْمٌ، ولا يَهنأُ لَهُ عَيْشٌ، ولا تَبْقَى لَهُ طَاقَة.
داءُ الضِّيْقِ داءٌ مُؤْلِمُ يُسَمَى في زَمانِنا بِداءِ (الاكْتِئَابِ). تَزْدادُ نِسَبُ المُصَابِيْنَ بِهِ كُلَّما ازْدادَتْ مُتَعُ الحَياةِ، وتَنْتَشِرُ الإِصابَةُ بِهِ كُلَّما انْتَشَرَتْ وَسائِلُ التَرَفِ والتَرْفِيْهِ.
داءُ ضِيْقَ الصَّدْرِ أَو دَاءَ (الاكْتِئابِ) لَهُ آثارٌ مُؤْلِمَةٌ تُلازِمُ صَاحِبَهُ. تَظَلُّ الآثارُ كامِنَةً في النَّفْسِ يُصارِعُها المُصابُ في داخِلِهِ، وقَدْ تَظُهُرُ الآثارُ فَيُعانِيْ مِنْ مُعاناتِهِ زُوجٌ وأُسْرَةُ ووالِدٌ وولَدَ. وتَتَفاوَتُ حِدَّهُ الإِصابَةِ بالاكْتِئابِ وتَخْتَلِفُ دَرَجَتُها. وهُوَ داءٌ يَكْبُرُ ويَتَضَخَّمُ في النَّفْسِ مَعَ تَراكُمِ الأَسْبابِ المُغَذِّيَةِ لهذا الداءِ.
تَزْدَحِمُ مَشافِيْ العِلَلِ النَّفْسِيَّةِ، ومَراكِزُ الاسْتِشارَاتِ التَّخَصُّصِيَّةِ بالمُصابِيْنَ بالضِيْقِ والاكْتِئابِ، ويَتَوافَدُ كَثِيْرٌ مِنَهُم إِلى أَبوابِ الرُّقاةِ. ومَنْ أَخذَ بأَسْبابِ العافِيَةِ، وسَعى في طَلبِها فَقَدْ أَحْسَنَ فيما صَنَع. فَمَنْ تَحَرَّرَ مِنْ داءِ الضِّيْقِ والاكْتِئابِ، انْطَلَقَ في حَياتِهِ مُنْشَرِحاً مَسْرُوراً، مُتفاعِلاً نَشِيْطاً، مُتَهْلْهلاً مُسْتَبِشِراً. يُؤَدِيْ دَوْرَهُ في الحَياةِ على أَكْمَلِ وَجْهٍ، بِخلافِ مَنْ عَقَرَهُ داءُ الضِيْقِ، فأَنَّى لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ في الطَّرِيْق.
مِنْ أَعَظَمِ مِنَنِ اللهِ على رَسُولِهِ مُحمدٍ صلى الله عليه وسَلَّمَ أَنْ شَرَحَ لَهُ صَدْرَه {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} أَلْم نُنْعِمْ عليْكَ يا مُحمدُ، بأَنْ جَعَلْنا صَدرَكَ مَسْروراً مُنْشَرِحاً، فَلا ضِيْقَ فيهِ، ولا ضَنْكَ، ولا كَآبَة، ولا كَدَر. وأَوَّلُ دُعاءٍ دَعا بِهِ مُوسَى عليهِ السلامُ رَبَّهُ حِيْن أَمَرهُ بالرِّسالَةِ {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} اجْعَلْ صَدْرِي مُنْشَرِحاً، وأَزْلِ عَنْهُ كُل كَدَرٍ وانْغِلاقٍ وكَآبَةٍ وضِيْق.
ولَمَّا كَانَ ضِيْقُ الصَّدْرِ داءٌ مَعْنَوِيٌّ يَرْتَبِطُ بالنَّفْسِ لا بَالجوارِحِ والجَسَدِ، كَانَ الدَّواءُ في أَغَلَبِ حالاتِهِ مُسْتَمداً مِنْ الأَسْبابِ الشَّرْعِيَّةِ، ومُقْتَرِناً بالجَلَساتِ النَّفْسِيَّةِ.
وفي القُرآنِ بَيَّنَ اللهُ لِعبادِهِ أَسْبابَ الضِيْقِ، وبَيَّنَ لَهُم أَسْبابِ الأُنْسِ والانْشِراح، فَجَعَلَ قُرْبَ العَبْدِ مِنْهُ، ومُلازَمَتَهُ لِذِكْرِه، والعَمَلَ بِما شَرَعه لَهُ، مِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِ السَّعادَةِ، ومِنْ أَجْلَبِ أَسْبابِ الطُمأَنِيْنَةِ. كَما جَعَلَ المُكابَرَةَ والإِعْراضَ والصُّدُودَ عَن اللهِ، من أَعْظَمِ أَسْبابِ الكَآبَةِ والضِّيْقِ والضَّنْك، قَالَ اللهُ سُبْحانَهُ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} وقَالَ سُبْحانَهُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} وقَالَ سُبْحانَهُ {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} فَالأَبْرارُ في نَعِيْمٍ مُعَجَّلٍ يَتَنَعَّمُونَ بِهِ في دُنْياهُم، وَفي نَعِيْمٍ مُؤَجَّلٍ مُدَّخَرٍ لَهُمْ في أُخْراهُم. فَنَعِيْمُهُم في الدُّنْيا بانْشراحِ الصَّدْورِ، وطُمأنِيْنَةِ النُّفُوس، ولّذَّةِ الإِيْمانِ، وحُسْنِ الظَّنِّ باللهِ، والفَرَحِ بِوِلايَتِهِ والقُرْبِ مِنْه. وفي الآخِرَةِ نَعِيْمُهُم في دارِ الخُلِدِ قَدْ عُلِم. * يَنْشَرِحُ صَدْرُ العَبْدِ ويَزُولُ الضِيْقُ والاكْتِئابُ عَنْهُ، حِيْنَ يَكُونُ مُتَوَكِلاً على رَبِهِ في كُلِّ الأُمُورِ والأَحْوال. يَتَعَثَّرُ المرءُ في مَرْحَلةٍ مِنْ مَراحِلِ حَياتِهِ، أَو يُخْفِقُ في سَعْيٍ مِنْ مَساعِيْه، أَو يُحْرَمُ رَغْبَةً مِنْ رَغَباتِهِ التِيْ كَانَ يتَطَلَّعُ إِليها. فَتَتَوارَدُ عليهِ خَواطِرُ مُؤْذِيَةٌ، ووساوِسُ سَيئَةٌ، وأَفْكارٌ مُؤْلِمَةٌ وأَوهام. فَلا تَزالُ تَعْتَلِجُ في صَدْرِهِ وتَكْبُرُ وتَتَضاعَفُ، حَتَى يَجْثُمُ الاكْتِئابُ على صَدْرِهِ، ويَسْتَحْكِمُ فيهِ الضِيْق.
ولَو جَاهَدَ المُؤْمِنُ تِلْكَ الوَساوِسَ، وكافَحَ تِلْكَ الخَواطِرَ، وذَكَّرَ النَّفْسَ بِما هُو أَقْوَمُ لَها، لاسْتَقامت وصَلُحَ تَفْكِيْرُها وحَسُنَ مُنْقَلَبُها.
في كُلِّ نازِلَةٍ، يُذَكِّرُ المُؤْمِنُ نَفْسَهُ بِأَنَّ اللهُ وحدَهُ هُوَ المُدَبِّرُ للأَمْرِ، وأَنَّ تَدْبِيْرَ اللهَ لأُمُورِ العَبْدِ أَكْرَمُ مِنْ تَدْبِيْرِ العَبْدِ لأُمُورِ نَفْسِه. فَهُو الأَعْلَمُ سُبْحانَهُ بِما يُصْلِحُ حَالَ العَبْدِ، وهُو الأَعْلَمُ بِما يُحققُ النَّفْعَ لَهُ. وهوَ الأَرْحَمُ سُبْحانَهُ بالمؤْمِنِيْنَ وهَوَ الأَحْكَمُ فيما قَضاهُ لَهُم. فالمُؤْمِنُ يَثِقُ بِرَبِهِ ويُحْسِنُّ الظَّنَ بِهِ، وإِنْ رأَى أَنَّ في ظَاهِرِ القَدَرِ ما يُؤْلِمُهُ ويُحْزِنُهُ ويَكْرَهُهُ، أَولَمْ يَقُلِ اللهُ سُبْحانَهُ: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
مَنْ عاشَ مُتَفائِلاً حَسَنَ الظَّنِ باللهِ، عاشَ رَضِياً مُنْشَرحَ الصَّدْرِ أَبَداً. يُرَجِّيْ اليُسْرَ بَعْدَ العُسْرِ، ويُرَجِّي الفَرَجَ بَعْدَ الضِّيْقِ، ويُبَشِّرُ النَّفْسَ أَنَّ الهُمَّ مُنْفَرِجٌ، وأَنَّ عَيْشَ الهَناء في قَادِمِ الزَمَنِ. أَلا مَا أَضْيَقَ عَيْشَ المُتَشائِمِيْنَ، أَلا مَا أَنْكَدَ حَياتَهُم، تَتَراقَصُ الآلامُ بَيْنَ أَعْيُنِهِم، فَلا يَسْتَلِذُّونَ بِسُرُورٍ يَحِلُّ بِهِم، ولا يَهْنؤُونَ بِطِيْبِ عَيْشٍ. يُبْصِرُونَ الحَياةَ بِعَيْنِ التَشاؤُمِ والكَدَرِ، فَإِنْ بُشِّرُوا بِما يُفْرِحُ النُّفُوسَ، غَلَبَتْهُم شِقْوَةُ التَشاؤُمِ فارْتَكَسُوا في كَدَره. وما تَفاءَلَ مُؤْمِنٌ إِلا لإِحسانِهِ الظَنَِّ بِرَبِه، وما تَشاءَمَ مُتشائِمٌ إلا لِسُوءِ ظَنَّهُ بالله. وكُلُّ مَنْ ظَنَّ باللهِ ظَناً أَصابَتهُ عاقِبَةُ ظَنِّهِ، إِنْ خَيْراً فَخِيْرٌ، وإِنْ شَرَّاً فَشَرٌّ في الحَدِيْثِ القَدْسِيِّ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلّ: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِيْ) متفق عليه {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} بارك الله لي ولكم..
 
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون
أيها المسلمون: انْشِراحُ الصَّدْرِ بَاحَةٌ تُرَفْرِفُ فِيْها حَياةُ الأَكْرَمِيْن. وضِيْقُ الصَّدْرِ سِجْنٌ أُغْلِقَتْ مَنافِذُهُ، وأُوصِدَتْ أَبوابُه.
والفِرارُ مِنْ سِجْنِ الضِيْقِ والاكْتِئابِ، يَكُونُ بالأَخْذِ بالأَسْبابِ المُحَقِّقَةِ لِذلِك. فَمَنْ سَلَكَ للخَلاصِ مِن الاكْتِئابِ سَبِيلاً خاطِئاً، فَقَدْ ضَاعَفَ على نَفْسِهِ قُيُودَ الضِّيْقِ، ولَفَّ حَوْلَها شِراكَ الاكْتِئابِ.
مَنْ فَرَّ عَنْ مُنَغِّصاتِ الحَياةِ إِلى الانْهِماكِ في المَعاصِي والذُّنُوبِ والشَّهَواتِ، فلَنْ يَؤُبَ بارْتِياحِ نَفْسٍ، ولا بِانْشِراحِ صَدْرٍ، ولنْ يَزُولَ عَنْهُ نَكَد. وإِنَّما سَيَؤُوبُ بأَضْعافٍ مِن الآهاتِ والوَيْلاتِ والحَسَرَات.
الفِرارُ مِنَ الكَآبَةِ والضِّيْقِ هُوَ بالفِرارِ إِلى اللهِ، بِسَجْدَةٍ يُقْبِلُ فيها العَبْدُ على رَبِهِ، يُنْزِلُ بِهِ حاجَتَه، ويَشْكُو إِليهِ مَسْغَبَتَهُ، ويَنْكَسِرُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَصْدَقَ انْكِسار. فَما رأَى القَلْبُ انْشِراحاً، أَكْمَلُ مِنْ مَوْقِفِ ذُلٌّ فيهِ بَيْنَ يَدَي اللهِ وأَخْلصَ.
* دَاءُ (الاكْتِئابِ) تَزْدادُ نِسَبُهُ بَيْنَ النِساءِ، وَبَيْنَ مَنْ هُم سِنِّ الشَبابِ. وَذَاكَ لِكَثْرَةِ دَواعِيْهِ بَيْنَهُم، ولِضَعْفِ الحَصانَةِ التِي يَتَمَتَّعُونَ بِها. يُواجِهُونَ أَمْواجَاً مِنَ الفِتَنِ تَتَلاطَمُ، ومَراكِبُهُم فِيْها قَدْ ضَعُفَتْ، وأَطْوِقَةُ النَجاةِ لَدِيْهِم لا يُحسِنُونَ اسْتِخدامَها.
يُواجِهُونَ في الحَياةِ شدائدَ قَدْ لا يُحْسِنُونَ تَجاوَزَها، ويُواجِهُونَ مَطالِبَ قَدْ لا يَطِيْقُونَ الوُصُولَ إِليها، وتَتُوقُ نُفُوسُهُم إلى بُلُوغِ ما بَلَغَهُ بَعْضُ نُظَرائِهِم وأَقْرَانِهِم، مِمن فَاقُوهُم مَالاً أَو مَكانَةً أَو وَظِيْفَةً. فَلا تَزالُ تَنْزِلُ بِهِم نازِلاتٌ مِنَ الهُمُومِ والغُمُومِ، ولا تَزالُ تَتَوالى عليهمْ رِياحُ الكَآبَةِ تَلْفَحُهُم كَلَفْحِ السَّمُوم.
والأُسْرًَةُ والمَدْرَسَةُ والمُجْتَمَعُ والأُمَةُ، كُلُّهُمْ مَسؤُولُونَ عَنْ القِيامِ بِدَورِهم تِجاهَ مُسانَدَةِ هذهِ الفِئاتِ، والنُهُوضِ بِهِم، وحِمايَتِهِم مِنْ أََسْبابِ الانْهيارِ والاكْتِئابِ.
يُسانَدُونَ بِتأَمِيْنَ حَوائِجِهِم، ويُفَقَّهُونَ بالاتْزانِ في مَطالِبِهِم، ويُحَصَّنُونَ بالإِيْمانِ، ويُعَظَّمُ في قُلُوبِهِم مَقامُ التَّوَكُّلِ على اللهِ، وتُحَقَّرُ الدُّنْيا في أَعْيُنِهِم، وتُجَلُّ الآخِرَةُ فِيْها. ويُرشَدُونَ إِلى مَنْ يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يَكُونُوا لَهُم في الحَياةِ قُدُواتٌ.
ويُعَزَّزُ في نُفُوسِهِم جانِبُ الفأَلِ، وحُسْنُ الظَّنِ باللهِ، ويُحذَّرُونَ مِنْ آثارِ الذُنُوبِ والسَّيئِاتِ، ويُعَمَّقُ في قُلُوبِهِم مَعنى قُولُ اللهِ: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ..}
اللهم ..
المرفقات
1761820804_الاكتئاب داءٌ ودواء 9 ـ 5 ـ 1447هـ.docx
 
                             
                             
             
             
             
             
                                 
                 
                     
                     
                         
                         
                     
                 
            
منصور بن هادي
عضو نشطفتح الله عليك
ونفع الله بجهودك
تعديل التعليق