التَّحْذِيرُ مِن اِتِّبَاعِ الْهَوَى

عايد القزلان التميمي
1447/05/08 - 2025/10/30 22:01PM
الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه ، ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ، ومن سيئاتِ أعمالِنا ، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه .
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمً )) .
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ مَرَضٍ فَتَّاكٍ، يَفْتِكُ بِالدِّينِ وَالْقِيَمِ وَالْأَخْلَاقِ، دَاءٌ انْتَشَرَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ، وَعَلَامَاتُهُ بَارِزَةٌ، إِنَّهُ اتِّبَاعُ الْهَوَى.
وَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ تُحَذِّرُ مِنْ الْهَوَى وَتَنْهَى عَنْهُ، وَأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الضَّلَالِ، وَأَنَّ مُتَّبِعَ هَوَاهُ مُهْلِكٌ لِنَفْسِهِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ ،ويقول الله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾.
وَفِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ.
عِبَادَ اللَّهِ وَالْمَقْصُودُ بِالْهَوَى: الْمَيْلُ الْإِنْسَانِيُّ الَّذِي لَا تَفْكِيرَ مَعَهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَتَى لَمْ يُفَكِّرْ فِي الْعَوَاقِبِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ الْهَوَى سَيَقُودُهُ إلَى الْعَوَاقِبِ السَّيِّئَةِ وَإِلَى الشُّرُورِ، ولَا شَكَّ أَنَّ الدَّافِعَ إلَى الهوى هُوَ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ؛ وَقَدْ عُرِفْتْ عَدَاوَةُ الشَّيْطَانِ قَدِيمًا، وَقَدْ حَذَّرَنَا اللَّهُ- تَعَالَى- مِنْهُ أَشَدَّ تَحْذِيرٍ، وَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ أَعْدَى الْأَعْدَاءِ. قَالَ- تَعَالَى-: ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾
فَأَخْبَرَنَا رَبُّنَا بِأَنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ لَنَا وَمِنْ أَشَدِّ الْأَعْدَاءِ غِوَايَةً، وَكَذَلِكَ الدُّنْيَا أَيْضًا عَدُوٌّ لِلْإِنْسَانِ؛ وَكَذَلِكَ النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ إلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي. إِذَنْ فَالَّذِي يَدْفَعُ إلَى الْهَوَى: الشَّيْطَانُ، وَالدُّنْيَا، وَالنَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ.
عباد الله وَلَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مَنْ يَتَّبِعُ الْهَوَى وَعَابَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الِاتِّبَاعِ. يَقُولُ اللَّهُ- تَعَالَى-:
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ *أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾
وقد زُيِّنَ للبعض سُوءُ عَمَلِه، واتبعوا أهواءهم، وقد أخبر الله -تعالى- بذم مثل هذا بقوله : ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾.
فَالَّذِّينَ يَتَّبِعُونَ الْهَوَى، لَا شَكَّ أَنَّهُمْ قَدْ اسْتَحْسَنُوا الْعَمَلَ السَّيِّئَ، وَاتَّبَعُوهُ.
عباد الله : وَمِنْ أَمْثِلَةِ اتِّبَاعِ الْهَوَى التَّكَاُسل عن صَلَاةِ الْفَجْرِ وَتَقْدِيمِ النَّوْمِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّعَامُلُ بِالرِّبَا وَقَطْعِ الْأَرْحَامِ وَعَدَمِ الْعَدْلِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ والزَّوْجَاتِ وَالظُّلْمُ بِأَنْوَاعِهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ (( بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَهْوَاءهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ )).
وَالْأَمْثِلَةُ عَلَى اتِّبَاعِ الْهَوَى فِي وَاقِعِنَا كَثِيرَةٌ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى وَالِانْقِيَادَ لَهُ يُؤَدِّي إِلَى الِانْحِرَافِ عَنْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ, وَإِلَى خُسْرَانِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ.......
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ، وَإِنَّ مِمَّا يُعِينُ الْإِنْسَانَ عَلَى مُخَالَفَةِ هَوَاهُ: خَشْيَةُ اللَّهِ وَمُرَاقَبَتُهُ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَفِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ وَتَحَرِّي الصِّدْقَ وَالْعَدْلَ وَالْقِسْطَ مَعَ الْأَقْرَبِينَ وَغَيْرِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَاِنَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا )).
وَإِنَّ مِمَّا يُعِينُ الْإِنْسَانَ عَلَى مُخَالَفَةِ هَوَاهُ أَنْ يَعْلَمَ،ِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ أَجْلِ اللَّهِ عَوَّضَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا مِنْهُ، قَالَ تَعَالَى:: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
عِبَاد اللَّهِ وَإِنَّ مِمَّا يُعِينُ الْإِنْسَانَ عَلَى مُخَالَفَةِ هَوَاهُ الِاسْتِسْلَامَ لِلَّهِ وَالِانْقِيَادَ لَهُ بِالطَّاعَةِ وَالْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَ سُنَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَزِيغُ عَنْهَا،
عِبَادَ الله صَلُّوا وسَلِّمُوا عَلَى رَسُول الله ....
المرفقات

1761850865_التحذير من اتباع الهوى.docx

1761850865_التحذير من اتباع الهوى.pdf

المشاهدات 234 | التعليقات 0