التحذير من المرجفين والتأكيد على أهمية لزوم الجماعة وطاعة ولاة الأمر.
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
التحذير من المرجفين والتأكيد على أهمية لزوم الجماعة وطاعة ولاة الأمر.
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الَّذي خَلَقَ فسَوَّى، وقَدَّرَ فهَدَى، وقضاؤه حكمةُ وهدى، لا يجري في الكون أمرٌ إلا بعلمه ولا راد لما قضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ، فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، فإنَّ التَّقوى وصيَّةُ اللهِ للأولينَ والآخِرينَ:
﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].
عبادَ اللهِ!
إنَّ الحُروبَ والمِحَنَ والنَّوائبَ زَلَازِلُ تَهُزُّ القلوبَ، وتُوقِظُ الغافِلَ من غَفلَتِه، وتَحمِلُ العَبدَ المُؤمِنَ على التَّبَصُّرِ في أمرِهِ، والمُبادَرَةِ إلى الطَّاعاتِ، والمُسابَقَةِ في الخَيراتِ، واللُّجُوءِ إلى اللهِ بالدُّعاءِ والرَّجاءِ، فإنَّها مِن بَأسِ اللهِ الَّذي لا يُرَدُّ عنِ القَومِ المُجرِمينَ.
قالَ اللهُ تعالى:﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [الأنعام: 65].
أيُّها المسلمونَ، إذا هبَّت رياحُ الفتنِ، واضطربَت الأحوالُ، وجَبَ على العبدِ أن يَثبُتَ على الدِّينِ، وأن يكونَ مع أهلِ العلمِ والرَّشادِ من العلماء الربانيين، وأن يكون مع ولاةِ أمره الذين أمَرَنا اللهُ بطاعتِهم في المعروفِ، والاجتماعِ عليهم، ودفعِ الفتنِ عن الأمَّةِ.
قالَ رسولُ اللهِ ﷺ:«عَلَيْكَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ»
(رواه مسلم).
وفي حديث حذيفة المشهور عن الفتن كانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم لنا بأن نلزم جماعة المسلمين وإمامهم.
ولا يكن حالُ المسلمِ في زمنِ الحربِ والقلاقلِ حالَ الهزلِ والسُّخريةِ، أو اللَّهوِ والضَّحكِ، أو تتبع المرجفين والمخذلين بل يَنبغي أن يكونَ وقتَ مُحاسبةٍ ومُراجعةٍ،
وقد قال تعالى: «وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ..»
فما يحصل كله بعلم الله وبحكمته عز وجل والمطلوب منا أن نكون صفا واحد في هذه الفتن مع ولاة أمرنا وأن ندعو الله لهم بالسداد والتوفيق وأن نكثر الدعاء والتضرع بأن يحفظ الله العباد والبلاد وسائر المسلمين.
عبادَ اللهِ، إيَّاكم والقِيلَ والقَالَ، واحذَروا نشرَ الإشاعاتِ والتَّعليقَ على الأحداثِ بما يُفرِّقُ الكلمةَ أو يُهيِّجُ الفتنَ، وكونوا دعاةَ خَيرٍ، تُلهِجونَ بالدُّعاءِ للمسلمينَ أن يَكفيَهم اللهُ شرَّ الحُروبِ والفتنِ، وأن يجمعَ قلوبَهم على الهُدى.
قالَ رسولُ اللهِ ﷺ:«إنَّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكلمةِ من سَخَطِ اللهِ لا يُلقي لها بالًا يَهوي بها في جهنَّمَ»
(متفق عليه).
وقال تعالى مبينا حال المنافقين نعوذ بالله أن نكون منهم :
﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾
فالحذرَ الحذرَ يا عبادَ اللهِ، من خَطرِ اللِّسانِ، والزموا طاعةَ اللهِ، ولزومَ الجَماعةِ، وتَثَبَّتوا ولا تَتَّبِعوا كلَّ ناعِق وناهق..
أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم، فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ حمدًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحبُّ ربُّنا ويرضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ.
عبادَ اللهِ،
تذكَّروا أنَّ الحربَ بأسٌ من بأسِ اللهِ، فلا يَنبغي للمؤمنِ أن يتعامَلَ مع أحداثِها بالسُّخريةِ والضَّحِكِ، بل تكونُ الحُروبُ له عِبرةً ووقفةً، يراجعُ فيها نفسَهُ، ويُصلِحُ حالَهُ، ويجتهدُ في الدُّعاءِ.
قالَ اللهُ تعالى:﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾ [الأنفال: 25].
واحذروا يا عبادَ اللهِ من ركوبِ موجِ الفتنةِ، ومن تتبُّعِ الأخبارِ بلا تثبُّتٍ، فإنَّ من شرِّ ما ابتُلِيَت به الأمَّةُ في هذا الزمانِ وسائلُ التواصلِ حين تصيرُ مصدرَ فوضى، تُشغِلُ المسلمَ عن واجباتِه، وتُضيِّعُ عليه عبادتَه وأوقاتَه، وتُقلِقُه بالأراجيفِ والكذِبِ.
قالَ اللهُ تعالى: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15].
وقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «كفى بالمرءِ كذبًا أن يُحدِّثَ بكلِّ ما سمِعَ» (رواه مسلم).
فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، وكونوا عونًا لوُلاتِكم وعُلمائِكم، وادعُوا اللهَ صادقينَ مُخلِصينَ، أن يَكفيَ بلادَ المسلمينَ شَرَّ الفتنِ والحُروبِ.
أيُّها الأحبَّةُ، في زمنِ الحروبِ والشدائدِ، نحتاجُ إلى تثبيتِ القلوبِ، وإلى الرُّجوعِ إلى العلماءِ الكبارِ الربَّانيِّينَ الذين يُبصِّرونَ الناسَ بالحقِّ، ويأمرونَ بالصبرِ واللُّزومِ للجماعةِ، ويحذِّرونَ من الفُرقةِ والشِّقاقِ.
أيُّها المسلمونَ، إيَّاكم والمُجرفينَ وراءَ الفتنِ، وأربابِ التَّأجيجِ والتحريضِ، فإنَّهم يُضلُّونَ، ولا يُصلحونَ، ويُفرِّقونَ ولا يجمعونَ، واسألوا العلماءَ الكبارَ المعروفينَ بالرَّسوخِ في العلمِ، وحسنِ المقصدِ، والحرصِ على وحدةِ الأمَّةِ.
عبادَ اللهِ، تَفاءلوا برحمةِ اللهِ في مثلِ هذه المِحنِ، وأحسِنوا الظنَّ باللهِ جلَّ وعلا، فإنَّه القويُّ القادرُ على تفريجِ الكرباتِ ودفعِ البلاءِ. ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36].
اللَّهُمَّ احفظ بلادَنا واجعلها آمنةً مطمئنةً سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.
هذا وأكثروا من الصلاةِ والسلامِ على نبيِّكم محمَّدٍ ﷺ، فإنَّ اللهَ تعالى أمرَكم بذلك فقال:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمَّدٍ، وارضَ اللَّهُمَّ عن آلِه الطيِّبينَ وصحابتِه الغُرِّ الميامينَ، ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
عبادَ اللهِ
تذكَّروا أنَّ نبيَّكم ﷺ كانَ في أشدِّ المِحَنِ وأعظمِ الفتنِ متفائلًا بوعدِ ربِّه، يُحسِنُ الظنَّ باللهِ، ويبشِّرُ أصحابَه، فاقتدوا بنبيِّكم ﷺ في التَّفاؤلِ وحسنِ الظنِّ بربِّكم، والتوكل عليه، واثبُتوا على دينِكم، وأكثِروا من الدُّعاءِ بأن يدفعَ اللهُ عن المسلمينَ الفتنَ والمِحنَ، ويجمعَ كلمتَهم على الحقِّ، ويكفيَهم شُرورَ الأعداءِ.
اللَّهُمَّ ادفعِ الحُروبَ عن المسلمينَ، وألِّفْ بينَ قلوبِهم، واجعلهم إخوانًا متحابِّينَ، سلِّمهم في أوطانِهم، وارزُقهم الأمنَ والإيمانَ.
اللهم احفظ ولي أمرنا وولي عهده ووفِّقْهما لما تُحِبُّ وترضى، واجعلْهما عونًا للخيرِ والحقِّ.
واحفظ اللهم رجال أمننا وسددهم
اللَّهُمَّ وفق ولاةَ أمرِ المسلمينَ، واجمَعْ قلوبَهم على الخير..
وادفعْ عن المسلمين كيدَ الكائدينَ، وشرَّ الأشرارِ، وطوارق الليل والنهار إلا طارق يطرق بخير يا رحمان.
اللَّهُمَّ اجعل آخرَ كلامِنا من الدُّنيا شهادةً أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، واغفِر لنا ولوالدينا ولجميعِ المسلمينَ.
واشفي مرضانا وعافي مبتلانا وفرج همومنا وأسعدنا في الدنيا والآخرة..
وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلهِ وصحبِه أجمعينَ.
المرفقات
1750202667_التحذير من المرجفين والتأكيد على أهمية لزوم الجماعة وطاعة ولاة الأمر.pdf