التقنية والذكاء الاصطناعي ما له وما عليه
عبدالرحمن سليمان المصري
التقنية والذكاء الاصطناعي ما له وما عليه
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أقسم بالقلم ، وامتن على الإنسان فعلمه ما لم يكن يعلم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾
عباد الله : كرم الله تعالى الإنسان ، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض ، من الشمس والقمر والنجوم ، والشجر والجبال والدواب ، قال تعالى: ﴿ الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار * وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار﴾ إبراهيم:32-33.
وقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ، وامتن على عباده بأن أخرجهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا ، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة ؛ ليكونوا سادة الأرض وعمارها ، والقائمين بدين الله تعالى وحراسه ، يكتسبون بها العلوم والمعارف ، قال تعالى:﴿ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ﴾ النحل: 78.
وإن أعلى العلوم وأجلها ؛ العلم بالله تعالى ، وبما يجب له سبحانه على عباده ، وجاء الإسلام بالحث على تعلم كل ما ينفع الناس ، من أمور دنياهم ومعاشهم ، ويدفع عنهم الضرر والعنت ، ويساهم في عمارة الأرض وتحقيق مصالحهم وتلبية احتياجاتهم ، قال تعالى: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ ، فالعلوم الدنيوية محققة لهذه الغاية .
ومن تلك العلوم التي أحدثت نقلة في حياة الناس ، تقنيات الذكاء الاصطناعي وهي تقنية متطورة ، تتيح لأجهزة الحاسب الآلي محاكاة الذكاء البشري ، من خلال القدرة على التعلم، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات، والفهم اللغوي، ورؤية الأشياء ، وتقليد الأصوات ، وله استخدامات مفيدة في مجالات الأمن ، والطب ، والتعليم ، والصناعة وغيرها ، ففيه اختصار للأوقات ومضاعفة للإنجازات ، قال تعالى:﴿ وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ﴾ النساء: 113
عباد الله: إن استخدام هذه التقنيات المتطورة ، ووسائل التواصل الاجتماعي ، فيما حرمته الشريعة ونهت عنه ، من خلال تزييف الصور والمقاطع الصوتية والمرئية ، وانتحال الشخصيات ، بهدف قلب الحقائق ، ونشر المعلومات المضللة، والمساس بالسمعة والأعراض، والإضرار بالأبرياء ، فهذا من الكذب والبهتان، والافتراء والتزوير، وقد قال تعالى: ﴿ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ﴾ ق : 18.
وقال صلى الله عليه وسلم : "إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار" رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: "ومن قال: في مؤمن ما ليس فيه ، أسكنه الله ردغة الخبال ، حتى يخرج مما قال " رواه أحمد بسند صحيح.
عباد الله: وأما تلفيق الفتاوى المكذوبة على ألسن العلماء ، فهي من الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فهم المؤتمنون على شرع الله ، المبينون لمراد الله من كلامه، ولمراد رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: ﴿ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ﴾ الزمر:60 ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " رواه مسلم .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
عباد الله : إن تقنيات الذكاء الاصطناعي ، وبرامج التواصل الاجتماعي ، من نعم الله علينا في هذا العصر، إن استخدمت في نفع الناس ، وفي الأمور التي لا تخالف أمر الله عز وجل ، وهذا يحتم على العباد ، شكر الله تعالى على ما وهبهم من النعم ، باستعمالها فيما ينفع .
وعلى المسلم أن يحذر من التعدي على أعراض المسلمين ، وتناقل أسرارهم ، قال صلى الله عليه وسلم : "يا معشر من آمن بلسانه ، ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته " رواه أبوداود بسند صحيح.
عباد الله : إن من واجب المسلم ، التثبت والتبين من الأخبار التي يتداولها الناس ، قبل التحدث بها ونشرها ، وعدم التصديق لكل ما ينشر في وسائل التقنيات الحديثة ، قال صلى الله عليه وسلم :" كفى بالمرء كذبا ، أن يحدث بكل ما سمع" رواه مسلم .
وقد جاء الوعيد الشديد لمن يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق ، وهذا يصدق على هذه البرامج التي ينتشر خبرها في الآفاق في بضع دقائق ، كالنار في الهشيم ، قال صلى الله عليه وسلم : "وأما الرجل الذي أتيت عليه، يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق" رواه البخاري .
عباد الله : إن التشهير بالمسلمين هو من الغيبة ، التي نهى الله تعالى عنها ، إن كان فيه ما تقول ، فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ، و قد قال صلى الله عليه وسلم : "أيما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة ، وهو منها بريء ، يشينه بها في الدنيا ؛ كان حقا على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار ؛ حتى يأتي بنفاد ما قال" رواه الطبراني بإسناد جيد.
عباد الله : إن من أعظم الخطر ، أن ينشر المسلم المعاصي والموبقات في وسائل التواصل ، وتبقى تلك الذنوب مستمرة في حياته وبعد مماته ، إما بسبب استمرار آثارها ، أو بسبب تداولها ، فمن سعادة المرء ؛ أن يموت وتموت معه ذنوبه ، وليتذكر أنه جوارحه ، ستنطق بكل ما قال وفعل ، ﴿ يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون * يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين ﴾النور: 24
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
المرفقات
1753353338_التقنية والذكاء الاصطناعي ما له وما عليه.docx
1753353338_التقنية والذكاء الاصطناعي ما له وما عليه.pdf