الحياة الدنيا دارُ ابتلاءٍ وامتحانٍ
عايد القزلان التميمي
1447/03/23 - 2025/09/15 10:49AM
الحياة الدنيا دارُ ابتلاءٍ وامتحانٍ
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهد الله ُفلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولُه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أما بعدُ
فيا عبادَ الله : إِنَّ مِنَ الأُمُور المُتَقَرِّرَة في دِينِنا الإسْلامي أَنَّ هَذِهِ الحياةَ الدُّنْيا دارُ ابتلاءٍ وامتحانٍ واخْتِبار قال سبحانه: (( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ))
والبليةُ والبَلْوَى والبَلَاءُ كُلُّهَا واحِد، والجمْعُ: الْبَلايَا
وبَلَاهُ الله: اخْتَبَرَه.
وإنَّ مِمَّا يَنْبَغِي أنْ نَعْلَمَهُ أنَّ ابْتِلاءَ اللهَ تبارك وتعالى لِعِبادهِ في هذهِ الحياةِ الدُّنْيا على نَوْعَين اثْنِين : ابتلاءٌ بالنَّعْمَاءِ والسَّرَّاء ، وابتلاءٌ بالبَلْواءِ والضَّرَّاء كما قال الله تبارك وتعالى : ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾
ويَنْبَغِي أنْ يُعلَمَ أنَّ الابتلاء هو اصطفاءٌ وعلامةُ خيرٍ لِلعَبدِ المؤمن، ودليلُ حُبِّ اللهِ تعالى لَه؛ ففي صحيح مسلم عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلَّا للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ))،
والـبـلاءُ أمـر حـتـميٌ ولابـُد: فالبلاءُ سُنَّة كَونِيَة مِنْ سُنَنِ اللهِ و الابتلاءُ تارةً يكونُ لتكفيرِ الذُّنُوب والسَّيئَات:
كما في صحيح البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ))، وَفي رواية: ((فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ))،
وتارةً يكونُ الابتلاءُ لِرَفْعِ الدَّرَجَات، وزيادةِ الحسَنَات:
ففي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً))
وتارةً يُعَاقب المؤمن بالبلاءِ على بَعْضِ الذُّنًوب:
قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ .
والابتلاءُ دليلٌ على قُوةِ الإيْمَان وقد سُئِل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: ((الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمثل، يُبتلَى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زِيدَ صلابةً، وإن كان في دينه رقَّةٌ خُفِّف عنه )) أخرجه أحمد وصححه الألباني
والابتلاء في الدُّنْيا عُنْوانُ مَحَبَّةِ اللهِ -عزَّ وجل- لِعبَادِهِ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( من يرد الله به خيرًا يُصب منه)) رواه البخاري،
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (( إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم ، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ )) صححه الألباني.
وَمَنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّ قَضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهُ خَيْرٍ .
وَاعْلَمُوا أَنَّهُ إذَا جَرَى عَلَى الْعَبْدِ قَدَرٌ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، وَأَنَّهُ بِقَدَرِ اللَّهِ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ فَعَل.
وَيَجِبُ عَلَيْهِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ وَالْخُضُوع وَالْإِنَابَة وَالِاسْتِسْلَام وَالْإِذْعَان وَالِانْقِيَادِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَأنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ .
وَأَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ رَحْمَةِ الْأُمَّ بِوَلَدِهَا فَهُوَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَرْحَم الرَّاحِمِين .
وَأَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ابْتَلانَا لِيَرَى مَدَى صَبْرَنا، ولِيُمَيِّزَ الصَّادِق مِنَ الْكَاذِب، والْمُخْلِصَ مِنَ المنافق، والطَّيِّبَ مِنَ الخَبِيث قال تعالى: { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ }
عِبَاد الله وَعَلَاَمَةُ الْاِبْتِلَاَءِ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَة عَدَم الصَّبْر عِنْدَ وُجُود الْبَلَاء وَالْجَزَع وَالشَّكْوَى إِلَى الْخَلْق، وَعَلَاَمَة الْاِبْتِلَاَء عَلَى وَجْهِ تَكْفير الْخَطَايَا وُجُود الصَّبْر الْجَمِيل مِنْ غَيْر شَكْوَى وَلَا جَزَع وَلَا ضَجَر وَلَا ثُقْلٍ فِي أَدَاء الْأَوَامِر وَالطَّاعَات .
أَسَأَل الله جَلّ وَعُلَا أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا جَمِيعًا بِالصَّبْر عِنْدَ الْبَلَاء وَالشُّكْر عِنْدَ السَّرَّاء وَأَنْ يَجْعَل مَا نُبْتَلَى بِهِ كَفَّارَةً لِذُنُوبنَا وَرِفْعَةً فِي دَرَجَاتِنَا
بارك الله لي ولكم .......
الخطبة الثانية
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون
وَاعْلَمُوا أَنَّ هُنَاكَ أَسَبَّاباً تَدْفَع الْبَلَاء وتَرْفَعه وَمِنْهَا تَقْوَى الله تَعَالَى وَالتَّوْبَة وَالْاِسْتِغْفَار وَ كَثْرَة الدُّعَاء وَالتَّضَرُّع إِلَى الله تَعَالَى ؛ فَإِنَّ الْاِبْتِلَاَءَات إِذَا نَزَلَت فَلَا يَرْفَعُهَا إِلَّا الَّذِي أَنْزَلهَا قَال الله تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكَرْبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ)) [رواه الترمذي، والحاكم، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة].
ومن أعظم أدعية الكرب دعوةُ ذي النُّون يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت.
(( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ))؛ صححه الألباني
ومن الأسباب التي تدفع البلاء : الإكثار من الذكر وتلاوة القرآن الكريم:
و قراءة سورة الإخلاص والمُعَوِّذتين ثلاث مرات في الصباح والمساء؛ وقراءة الآيتين من أواخر سورة البقرة في كل ليلة؛ و قراءة آية الكرسي عند النوم؛ و قيام الليل،
و صدقة السِّرِّ؛ فإنها تطفئ غضب الرب:
ومن الأعمال التي تَرفَعُ البلاء عن الأمْوَالِ والأبْدَان؛ صنائعُ المعروفِ:
عَنْ أَنسِ رضي الله عنه قالَ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((صنائعُ المعرُوفِ تقي مَصارِعَ السُّوءِ، والآفاتِ، والهَلَكَاتِ، وأَهْلُ المعرُوفِ في الدُّنيا هُمْ أَهلُ المعرُوفِ في الآخِرَةِ))؛ [رواه الحاكم، وهو في صحيح الجامع].
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله .....
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهد الله ُفلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولُه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أما بعدُ
فيا عبادَ الله : إِنَّ مِنَ الأُمُور المُتَقَرِّرَة في دِينِنا الإسْلامي أَنَّ هَذِهِ الحياةَ الدُّنْيا دارُ ابتلاءٍ وامتحانٍ واخْتِبار قال سبحانه: (( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ))
والبليةُ والبَلْوَى والبَلَاءُ كُلُّهَا واحِد، والجمْعُ: الْبَلايَا
وبَلَاهُ الله: اخْتَبَرَه.
وإنَّ مِمَّا يَنْبَغِي أنْ نَعْلَمَهُ أنَّ ابْتِلاءَ اللهَ تبارك وتعالى لِعِبادهِ في هذهِ الحياةِ الدُّنْيا على نَوْعَين اثْنِين : ابتلاءٌ بالنَّعْمَاءِ والسَّرَّاء ، وابتلاءٌ بالبَلْواءِ والضَّرَّاء كما قال الله تبارك وتعالى : ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾
ويَنْبَغِي أنْ يُعلَمَ أنَّ الابتلاء هو اصطفاءٌ وعلامةُ خيرٍ لِلعَبدِ المؤمن، ودليلُ حُبِّ اللهِ تعالى لَه؛ ففي صحيح مسلم عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلَّا للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ))،
والـبـلاءُ أمـر حـتـميٌ ولابـُد: فالبلاءُ سُنَّة كَونِيَة مِنْ سُنَنِ اللهِ و الابتلاءُ تارةً يكونُ لتكفيرِ الذُّنُوب والسَّيئَات:
كما في صحيح البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ))، وَفي رواية: ((فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ))،
وتارةً يكونُ الابتلاءُ لِرَفْعِ الدَّرَجَات، وزيادةِ الحسَنَات:
ففي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً))
وتارةً يُعَاقب المؤمن بالبلاءِ على بَعْضِ الذُّنًوب:
قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ .
والابتلاءُ دليلٌ على قُوةِ الإيْمَان وقد سُئِل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: ((الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمثل، يُبتلَى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زِيدَ صلابةً، وإن كان في دينه رقَّةٌ خُفِّف عنه )) أخرجه أحمد وصححه الألباني
والابتلاء في الدُّنْيا عُنْوانُ مَحَبَّةِ اللهِ -عزَّ وجل- لِعبَادِهِ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( من يرد الله به خيرًا يُصب منه)) رواه البخاري،
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (( إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم ، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ )) صححه الألباني.
وَمَنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّ قَضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهُ خَيْرٍ .
وَاعْلَمُوا أَنَّهُ إذَا جَرَى عَلَى الْعَبْدِ قَدَرٌ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، وَأَنَّهُ بِقَدَرِ اللَّهِ، وَمَا شَاءَ اللَّهُ فَعَل.
وَيَجِبُ عَلَيْهِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ وَالْخُضُوع وَالْإِنَابَة وَالِاسْتِسْلَام وَالْإِذْعَان وَالِانْقِيَادِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَأنَّ اللَّه سُبْحَانَهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ .
وَأَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ رَحْمَةِ الْأُمَّ بِوَلَدِهَا فَهُوَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَرْحَم الرَّاحِمِين .
وَأَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ابْتَلانَا لِيَرَى مَدَى صَبْرَنا، ولِيُمَيِّزَ الصَّادِق مِنَ الْكَاذِب، والْمُخْلِصَ مِنَ المنافق، والطَّيِّبَ مِنَ الخَبِيث قال تعالى: { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ }
عِبَاد الله وَعَلَاَمَةُ الْاِبْتِلَاَءِ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَة عَدَم الصَّبْر عِنْدَ وُجُود الْبَلَاء وَالْجَزَع وَالشَّكْوَى إِلَى الْخَلْق، وَعَلَاَمَة الْاِبْتِلَاَء عَلَى وَجْهِ تَكْفير الْخَطَايَا وُجُود الصَّبْر الْجَمِيل مِنْ غَيْر شَكْوَى وَلَا جَزَع وَلَا ضَجَر وَلَا ثُقْلٍ فِي أَدَاء الْأَوَامِر وَالطَّاعَات .
أَسَأَل الله جَلّ وَعُلَا أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا جَمِيعًا بِالصَّبْر عِنْدَ الْبَلَاء وَالشُّكْر عِنْدَ السَّرَّاء وَأَنْ يَجْعَل مَا نُبْتَلَى بِهِ كَفَّارَةً لِذُنُوبنَا وَرِفْعَةً فِي دَرَجَاتِنَا
بارك الله لي ولكم .......
الخطبة الثانية
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون
وَاعْلَمُوا أَنَّ هُنَاكَ أَسَبَّاباً تَدْفَع الْبَلَاء وتَرْفَعه وَمِنْهَا تَقْوَى الله تَعَالَى وَالتَّوْبَة وَالْاِسْتِغْفَار وَ كَثْرَة الدُّعَاء وَالتَّضَرُّع إِلَى الله تَعَالَى ؛ فَإِنَّ الْاِبْتِلَاَءَات إِذَا نَزَلَت فَلَا يَرْفَعُهَا إِلَّا الَّذِي أَنْزَلهَا قَال الله تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكَرْبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ)) [رواه الترمذي، والحاكم، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة].
ومن أعظم أدعية الكرب دعوةُ ذي النُّون يونس عليه السلام وهو في بطن الحوت.
(( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ))؛ صححه الألباني
ومن الأسباب التي تدفع البلاء : الإكثار من الذكر وتلاوة القرآن الكريم:
و قراءة سورة الإخلاص والمُعَوِّذتين ثلاث مرات في الصباح والمساء؛ وقراءة الآيتين من أواخر سورة البقرة في كل ليلة؛ و قراءة آية الكرسي عند النوم؛ و قيام الليل،
و صدقة السِّرِّ؛ فإنها تطفئ غضب الرب:
ومن الأعمال التي تَرفَعُ البلاء عن الأمْوَالِ والأبْدَان؛ صنائعُ المعروفِ:
عَنْ أَنسِ رضي الله عنه قالَ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((صنائعُ المعرُوفِ تقي مَصارِعَ السُّوءِ، والآفاتِ، والهَلَكَاتِ، وأَهْلُ المعرُوفِ في الدُّنيا هُمْ أَهلُ المعرُوفِ في الآخِرَةِ))؛ [رواه الحاكم، وهو في صحيح الجامع].
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله .....
المرفقات
1757922560_الحياة الدنيا دارُ ابتلاءٍ وامتحانٍ.docx