الخوف من الله
د صالح بن مقبل العصيمي
الْخُطْبَةُ الْأُولَى: 
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ ...
عِبَادَ اللهِ؛ لَا بُدَّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَخْشَى اللهَ، وَأَنْ يَخَافَهُ، وَلَا بُدَّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَجْعَلَ خَشْيَةَ اللهِ أَمَامَ نَاظِرَيْهِ، وَقَدْ ذَمَّ اللهُ أَهْلَ الْكُفْرِ؛ لَأَنَّهُمْ لَا يَخْشَوْنَه، وَلَا يَخَافُونَهُ، قَالَ الله تَعَالَى: (وَنُخَوِّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُم إِلَّا طُغيَٰنًا كَبِيرًا)، وَقَالَ الله تَعَالَى:(إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)، وَقَالَ الله تَعَالَى: (وَنُخَوِّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُم إِلَّا طُغيَٰنًا كَبِيرا)، فَعَدَمُ الْخَوْفِ مِنْ تَخْوِيفِ اللهِ ؛لَيْسَ مَنْهَجَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَا طَرِيقًا لِأَهْلِ الْإِيمَانِ.
وَمِنْ أَشَدِّ الْآيَاتِ الَّتِي خَوَّفَ اللهُ بِهَا عِبَادَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ)،أَيْ: سَتَبْدَأُ بِمُحَاسَبَتِكُمْ، وَسَوْفَ تُحَاسَبُونَ عَلَى أَفْعَالِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ، وأقوالكم؛ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)، فَلَيْسَ الْإِيمَانُ بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي، وَلَيْسَ تَحْصِيلُ الْجَنَّةِ، وَالنَّجَاةُ مِنَ النَّارِ بِمُجَرَّدِ التَّمَنِّي؛ بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْعَمَلِ وَالْخَوْفِ مِنَ اللهِ، ولَمَّا نَزَلَتْ: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بهِ) بَلَغَتْ مِنَ المُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَارِبُوا، وَسَدِّدُوا، فَفِي كُلِّ ما يُصَابُ به المُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا، أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا)"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَالْمُصِيبَةُ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ يُكَفِّرُهَا اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وَقَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، فَهَذِهِ الْآيَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْأَعْمَالَ وَالْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ؛ مُحْصَيَاتٌ عَلَى الْإِنْسَانِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وَقَالَ الله تَعَالَى مُخَاطِبًا أَهْلَ النَّارِ: (فَذُوقُواْ فَلَنْ نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا)وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-(ضِرْسُ الْكَافِرِ، أوْ نَابُ الْكَافِرِ، مِثْلُ أُحُدٍ، وغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاثٍ"، أَيْ: ثَلَاثَ لَيَالٍ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ، وَصَدَقَ اللهُ (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ).
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَاخْتِمْ بِالصَّالِحَاتِ آجَالَنَا.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
**********
———— الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:—————
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. 
فَالْمُؤْمِنُ يَخَافُ اللهَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لَا يَكُونُ آمِنًا؛فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِمَا يُخْتَم لَهُ بِهِ، فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)وَيَقُولُ:(فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، وَيَقُولُ: (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ)، وَيَقُولُ عَنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ).
فَالْوَاجِبُ علَى َالْمُؤْمِنُ الخَوْفُ مِنَ اللهِ تَعَالَى مَعَ فِعْلِ مَا أَوْجَبَ اللهُ َتَعَالَى ، وَتَرْكِ مَا حَرَّمَ سُبْحَانُهُ، ويَكُونُ خَوْفًا يُحْمَلُ عَلَى فِعْلِ الْأَسْبَابِ، يَخَافُ اللهَ خَوْفًا حَقِيقِيًّا، يَحْمِلُهُ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ، وَعَلَى تَرْكِ الْمُحَرَّمِ، كَمَا يَرْجُوهُ أَنَّهُ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، وَيُنْجِيهِ مِنَ النَّارِ إِذَا أَدَّى حَقَّهُ، فَهُوَ يَخَافُ اللهَ، فَيَعْمَلُ مَا أَوْجَبَ اللهُ، وَيَدَعُ مَا حَرَّمَ اللهُ، وَهُوَ يَرْجُو اللهَ، وَيُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ مَعَ قِيَامِهِ بِحَقِّ اللهِ، وَتَرْكِهِ مَا حَرَّمَ اللهُ؛ هُوَ يَرْجُو وَيَخَافُ ؛لَكِنْ مَعَ الْعَمَلِ، مَعَ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ، وَتَرْكِ الْمَحَارِمِ، هَذَا هُوَ الصَّادِقُ الَّذِي يَخَافُ اللهَ، وَيَرْجوه مَعَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَتَرْكِ الْمَحَارِمِ، وَالْوْقُوفِ عِنْدَ حُدُودِ اللهِ، يَرْجُو ثَوَابَهُ، وَيَخْشَى عِقَابَهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هَكَذَا جَاءَتِ الرُّسُلُ، وَهَكَذَا جَاءَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ.فَالْحَذَر الْحَذَر عِبَادَ اللهِ مِنْ قَسْوَةِ القَلْبِ الَّتِيْ تُوْرِثُ عَدَمَ الْخَوْفِ، وَالْرُّكُوْن إِلَى الْدُّنْيَا والإِطْمِئْنَان بِهَا ؛ قَالَ الله تَعَالَى؛ (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ) رَزَقَنَا اللهُ الْخَوْفَ مِنْهُ، وَالإِنَابَة إِلَيْهِ.
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.
المرفقات
1623769122_خطبة الجمعة بعنوان الخوف من الله.docx
 
                             
                             
             
             
             
             
                                 
                 
                     
                     
                         
                         
                     
                 
            
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق