الدعاء سلاح المؤمن
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
الدعاء سلاح المؤمن
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ سميعِ الدعاءِ، واسعِ العطاءِ، مجيبِ الرجاءِ، كاشفِ البلوى، ورافعِ البلاءِ، ومُسبِغِ النِّعَمِ والآلاءِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، المبعوثَ رحمةً للعالمينَ، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
أمَّا بعدُ:
أوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بتقوى اللهِ تعالى؛ فهي زادُ المؤمنِ في الدنيا والآخرةِ، وهي مفتاحُ كلِّ خيرٍ، وبها تُنالُ الرحماتُ، وتُرفعُ الدرجاتُ، وتُدفعُ النقماتُ، قال اللهُ تعالى:
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96].
أيُّها الأحبَّةُ في اللهِ:
إنَّ الدنيا دارُ ابتلاءٍ وامتحانٍ، ومضمارُ عملٍ وجهادٍ، يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2].
فلا يخلو المرءُ من كربٍ أو همٍّ..
إذاً فمن المنجي له!؟ وإلى من يفزع!؟ من ينجيه من البلاءِ أو المحنِ!؟
إنه ربُّ البريَّاتِ من يسمعُ دعاءهُ، ويرى مكانهُ، ولا يغيبُ عنه أمرهُ، ولا يخفى عليهِ همُّهُ، ولا تعجزُهُ حاجتُهُ، سبحانَ مجيبِ الدعواتِ، كاشفِ الكُرباتِ، قاضي الحاجاتِ، ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62].
أيُّها المسلمون:
إنَّ الدعاءَ عبادةٌ عظيمةٌ، بل هو لبُّ العبادةِ ولبُّ التوحيدِ، قال رسولُ اللهِ ﷺ:
«الدعاء هو العبادة» [رواه أحمد والترمذي].
فما أعظمهُ من عبادةٍ! بهِ يظهرُ التذلُّلُ والافتقارُ إلى اللهِ، ويزكو القلبُ، وتطيبُ النفسُ، وتنجلي الغمومُ، وتنشرحُ الصدورُ.
بهِ تُستجلبُ النِّعمُ، وبهِ تُستدفعُ النِّقمُ، وبهِ يُستنزلُ الغيثُ، ويُردُّ البلاءُ.
أتَهزَأُ بالدُّعاءِ وتزدريهِ ... وما تدري بما صنعَ الدعاءُ!؟
سهامُ الليلِ لا تُخطِي ولكن ... لها أمدٌ وللأمدِ انقضاءُ
وكلما كان العبدُ كثيرَ الدعاءِ، كلما ارتفعت منزلتُهُ عند ربِّهِ ومولاهُ، ولذلك كان الأنبياءُ عليهم السلامُ أكثرَ الناسِ دعاءً للهِ عزَّ وجلَّ، ولا عجبَ واللهُ، وقد كانوا أكثرَ الناسِ علماً بما عند اللهِ من الخيراتِ والهباتِ والرحماتِ.
فها هو دعا نوحٌ عليهِ السلامُ:
﴿ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ [نوح: 26]، فاستجابَ اللهُ لهُ.
ودعا يونسُ عليهِ السلامُ:
﴿ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، فنجاهُ اللهُ من الكربِ.
ودعا نبينا ﷺ يوم بدرٍ حتى سقط رداؤهُ من شدةِ الابتهالِ، فنصرهُ اللهُ.
أيها الأحبةُ:
لا يردُّ القضاءَ إلا الدعاءُ، وهو سببٌ عظيمٌ لرفع البلاءِ، وزيادةِ الخيرِ، وبلوغِ المنى.
قال ﷺ:
«لا يردُّ القدرَ إلا الدعاءُ، ولا يزيدُ في العمرِ إلا البرُّ» [رواه الترمذي].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
---
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ الملكِ الوهابِ، الذي شرعَ لنا الدعاءَ، وأمرنا بهِ، ووعدَ بالإجابةِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وعلى آلهِ وصحبِهِ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ:
أيها المسلمون:
إنَّ للدعاءِ آداباً عظيمةً، وموانعَ ينبغي اجتنابُها:
الإخلاصُ في الدعاءِ للهِ وحدهُ لا شريكَ لهُ.
حسنُ الظنِّ باللهِ، والجزمُ في المسألةِ، وعدمُ تعليقِ الدعاءِ على المشيئةِ.
البدايةُ بالحمدِ والثناءِ، ثمَّ الصلاةُ على النبيِّ ﷺ.
الافتقارُ والانكسارُ بين يدي اللهِ، ورفعُ اليدينِ، وخفضُ الصوتِ، واليقينُ بالإجابةِ.
قال ﷺ:
«يُستجابُ لأحدِكم ما لم يعجل، يقولُ: دعوتُ فلم يُستجب لي» [متفق عليه].
وحريٌّ بالعبدِ أن يتحرى مواطنَ الإجابةِ:
في السجودِ، بين الأذانِ والإقامةِ، في جوفِ الليلِ الآخرِ.
واعلموا عبادَ اللهِ:
أنَّ اللهَ لا يردُّ الدعاءَ هباءً، بل لا ترجعُ يديك وقد مددتهما للكريمِ صفراً، وحاشاهُ جلَّ وعلا، فأنتَ ترفعُ يديك لأكرمِ الأكرمينَ عزَّ وجلَّ.
قال ﷺ:
«ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ، ولا قطيعةُ رحمٍ؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاثَ: إما أن يعجل له دعوتَهُ، وإما أن يدخرها له في الآخرةِ، وإما أن يصرف عنه من السوءِ مثلها. قالوا: إذاً نكثر. قال: الله أكثر...» [صححه الألباني].
فيا عبدَ اللهِ: لا تيأس، ولا تملَّ، وأحسن الظنَّ بربك، وألحَّ عليهِ بالدعاءِ.
وكمْ منْ مهمومٍ دعا اللهَ صادقاً ... فزالتْ همومُهُ وحلَّ السرورُ
وعن عمرَ بنِ الخطابِ - رضي الله عنه - أنه قال: "إني لا أحمل همَّ الإجابةِ ولكن همَّ الدعاءِ، فإذا أُلهمتُ الدعاءَ فإن الإجابةَ معهُ."
وعن الحسنِ أن أبا الدرداءِ كان يقول: "جدوا بالدعاءِ، فإنه من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له."
فيا أخي في اللهِ: إذا أردتَ السعادةَ والطمأنينةَ بحقٍّ وصدقٍ؛ كلُّ ما عليك أن تكونَ كثيرَ الدعاءِ، تطيلُ سجودَكَ بالدعاءِ، تدعو في ذهابِكَ وإيابِكَ وأدبارِ صلواتِكَ، استمر ادعُ الكريمَ، وليكن الدعاءُ عادةً لك من اليوم، وانظر بعدها كيف تتغير حياتُكَ للأفضل في كلِّ شيءٍ، فما أكرمَ اللهَ الذي فتحَ بابهُ ليلاً ونهاراً بلا حدٍّ ولا عدٍّ، وما أبخلَنا على أنفسنا حينَ حرمناها الدعاءَ..
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، فقال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ، وعلى آلهِ وأصحابهِ أجمعينَ، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدينَ، وعن التابعينَ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
اللهمَّ اغفرْ لنا ذنوبَنا، واكشفْ عنَّا كروبَنا، وبلِّغنا آمالَنا، وارزقنا الدعاءَ المستجابَ، وحققْ لنا الخيرَ حيث كان، اللهمَّ ادفعْ عن المسلمينَ شرورَ الحروبِ والفتنِ، وألِّفْ بين قلوبِهم، وادحرْ أعداءَهم، وأنجِ اللهمَّ المستضعفينَ من المؤمنينَ في فلسطينَ والسودانِ وفي كلِّ مكانٍ، اللهمَّ وفقْ وليَّ أمرِنا خادمَ الحرمينِ ووليَّ عهدِه، وأعنْهم وسددْهم، واحفظْهم، واحفظْ رجالَ أمنِنا، واكفِنا اللهمَّ وبلادَنا كلَّ شرٍّ وسوءٍ وفسادٍ ومكروهٍ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ، إنَّك على كلِّ شيءٍ قديرٌ.
سبحانَ ربِّكَ ربِّ العزَّةِ عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
المرفقات
1752767284_الدعاء سلاح المؤمن.pdf