الذكاء الاصطناعي .. أمانة ومسؤولية

الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَعَلَّمَهُ الْبَيَانَ، وَسَخَّرَ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ تَفْضِيلًا، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ..

عِبَادَ اللَّهِ .. أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي الْمُقَصِّرَةَ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ: أَنَّهُ عَلَّمَهُمْ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ ]وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا[ وَقَالَ سُبْحَانَهُ ]الرَّحْمَٰنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ[.

وَسُبْحَانَ اللَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا مِنَ النِّعَمِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى، وَمِنْهَا مَا يَشْهَدُهُ عَصْرُنَا مِنْ تَطَوُّرٍ كَبِيرٍ فِي وَسَائِلِ الْمَعْرِفَةِ وَالتِّقْنِيَةِ، وَمِنْ أَبْرَزِهَا تِقْنِيَاتُ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ، الَّتِي أَصْبَحَتْ تُسْتَخْدَمُ فِي مَيَادِينِ الطِّبِّ وَالتَّعْلِيمِ، وَخِدْمَةِ الْإِنْسَانِ وَتَيْسِيرِ حَيَاتِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ تَسْخِيرِ اللَّهِ لِعِبَادِهِ ]وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[.

فَمِنْ شُكْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ، أَنْ نَسْتَعْمِلَهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَفِيمَا يَعُودُ بِالنَّفْعِ عَلَى الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَأَنْ نُسَخِّرَ هَذِهِ التِّقْنِيَاتِ فِي خِدْمَةِ الْعِلْمِ، وَالدَّعْوَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ، وَالتَّيْسِيرِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ.

عِبَادَ اللَّهِ.. لَكِنَّ النِّعْمَةَ قَدْ تَنْقَلِبُ نِقْمَةً، إِنْ أُسِيءَ اسْتِعْمَالُهَا، فَكَمْ مِنْ أَدَوَاتٍ حَدِيثَةٍ أُفْسِدَتْ بِهَا الْقِيَمُ، وَشُوِّهَتْ بِهَا الْحَقَائِقُ، وَظُلِمَ بِهَا الْأَبْرِيَاءُ!

وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُحَذَّرُ مِنْهُ الْيَوْمَ: اسْتِعْمَالُ تِقْنِيَاتِ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ، مِنَ الْكَذِبِ، وَالِافْتِرَاءِ، وَتَزْوِيرِ الصُّوَرِ وَالْمَقَاطِعِ، وَانْتِحَالِ الشَّخْصِيَّاتِ، وَتَقْلِيدِ أَصْوَاتِ النَّاسِ وَالْعُلَمَاءِ، وَنَشْرِ الْفَتَاوَى الْمَكْذُوبَةِ، بِقَصْدِ قَلْبِ الْحَقَائِقِ، وَتَشْوِيهِ السُّمْعَةِ، وَالْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ.

وَقَدْ تُوُعِّدَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ ]مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ فَكُلُّ مَا يُكْتَبُ أَوْ يُنْشَرُ أَوْ يُسَجَّلُ مَحْفُوظٌ وَمَكْتُوبٌ، وَسَيُسْأَلُ الْعَبْدُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. مِنْ مَسْؤُولِيَّةِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَثَبَّتَ مِنْ كُلِّ خَبَرٍ قَبْلَ أَنْ يُرَوِّجَهُ أَوْ يَنْشُرَهُ، خُصُوصًا فِي هَذَا الْعَصْرِ الَّذِي كَثُرَ فِيهِ الْكَذِبُ، وَسَهُلَ فِيهِ التَّزْوِيرُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) لَا تَكُنْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ أَدَاةً فِي يَدِ الْكَاذِبِينَ، وَلَا تَكُنْ جِسْرًا لِعُبُورِ الشَّائِعَاتِ، فَإِنَّكَ مُحَاسَبٌ عَلَى كُلِّ مَا تَنْشُرُ وَتُشَارِكُ.

عِبَادَ اللَّهِ.. إِنَّ لِلْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ عَوَاقِبَ وَخِيمَةً عَلَى الْمُجْتَمَعَاتِ وَالْأَفْرَادِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ) وَرَدْغَةُ الْخَبَالِ: عَصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ، وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللهَ يُعَذِّبُهُ بِعُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ وَصَدِيدِهِمْ (حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ) وَذَٰلِكَ بِأَنْ يَتُوبَ وَيَسْتَحِلَّ مِمَّنْ قَالَ فِيهِ ذَٰلِكَ.

فَانْظُرُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ، إِلَى هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِمَنْ افْتَعَلَ الْكَذِبَ وَالْبُهْتَانَ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ فَعَلَهُ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ، وَبِوَسَائِلَ تَبْقَى وَتَنْتَشِرُ وَلَا تُـمْحَى؟

فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَاحْذَرُوا اسْتِخْدَامَ التِّقْنِيَةِ فِيمَا يُسْخِطُ اللَّهَ، وَاشْكُرُوا نِعَمَهُ بِتَسْخِيرِهَا فِي الْخَيْرِ، وَكُونُوا مِنَ الَّذِينَ إِذَا سَمِعُوا الْقَوْلَ اتَّبَعُوا أَحْسَنَهُ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الشَّاكِرِينَ لِنِعَمِكَ، الْمُسْتَعْمِلِينَ لَهَا فِي طَاعَتِكَ، الْبَعِيدِينَ عَنْ سَخَطِكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَاهْدِنَا سَوَاءَ السَّبِيلِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْـحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَىٰ وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَكُونُوا عَلَىٰ وَعْيٍ تَامٍّ بِنِعَمِهِ الَّتِي أَفَاءَهَا عَلَيْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَيْهَا الشُّكْرَ الَّذِي يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، فَإِنَّ مِنْ كُفْرِ النِّعْمَةِ أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَمِنْ تَمَامِ الشُّكْرِ أَنْ تُسْتَعْمَلَ التِّقْنِيَةُ فِي الْخَيْرِ، وَأَنْ تُحَاطَ بِسِيَاجٍ مِنَ الْوَعْيِ، وَالْحَذَرِ، وَالتَّقْوَى.

عِبَادَ اللَّهِ.. إِنَّ الذَّكَاءَ الِاصْطِنَاعِيَّ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ هَذَا الْعَصْرِ، وَفِيهِ مَنَافِعُ عَظِيمَةٌ لِلْبَشَرِيَّةِ، وَلَٰكِنْ كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ صَارَتْ نِقْمَةً عَلَىٰ أَصْحَابِهَا بِسَبَبِ سُوءِ اسْتِعْمَالِهَا، وَتَجَاوُزِ حُدُودِ اللَّهِ فِيهَا.

فَلْيَعْلَمْ كُلُّ عَبْدٍ أَنَّ مَا يَكْتُبُهُ أَوْ يَنْشُرُهُ أَوْ يُسَجِّلُهُ، فَإِنَّهُ مَرْصُودٌ وَمَسْؤُولٌ عَنْهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ ]وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ[.

وَإِنَّ مِنَ الْبَلَاءِ الْعَظِيمِ: أَنْ تَرَىٰ مَنْ يُزَوِّرُ الْمَقَاطِعَ، أَوْ يُقَلِّدُ أَصْوَاتَ الْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ، لِيَنْسِبَ إِلَيْهِمْ مَا لَمْ يَقُولُوهُ، وَيُضَلِّلَ النَّاسَ بِفَتَاوَىٰ مُلَفَّقَةٍ وَمَقَاطِعَ مَصْنُوعَةٍ! وَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْوَاضِحِ وَالِافْتِرَاءِ الَّذِي يُغْضِبُ اللَّهَ، وَيَهْدِمُ ثِقَةَ النَّاسِ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ، فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ.

أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ فِي اللَّهِ.. إِنَّ مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ صَادِقًا، مُتَثَبِّتًا، لَا يُرَوِّجُ لِكُلِّ مَا يَسْمَعُ، وَلَا يَنْقُلُ إِلَّا بَعْدَ تَأَكُّدٍ وَتَثَبُّتٍ ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[.

فَاجْعَلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ تَقْوَى اللَّهِ نُصْبَ أَعْيُنِكُمْ، وَكُونُوا أُمَنَاءَ عَلَىٰ مَا يَصِلُ إِلَيْكُمْ، وَلَا تَكُونُوا جُسُورًا لِلْكَذِبِ، وَلَا مَطَايَا لِلْفِتَنِ، وَعَلِّمُوا أَبْنَاءَكُمْ وَذَوِيكُمْ هَذَا الْوَعْيَ، فَإِنَّ التَّرْبِيَةَ التِّقْنِيَّةَ مَسْؤُولِيَّةٌ أُسْرِيَّةٌ وَمُجْتَمَعِيَّةٌ.

اللَّهُمَّ احْفَظْ عَلَيْنَا دِينَـنَا وَعُقُولَنَا وَأَمْنَنَا وَأَخْلَاقَنَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فِتْنَةً أَوْ فُرْقَةً أَوْ تَضْلِيلًا أَوْ فَسَادًا فَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَاشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ، وَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَىٰ نَحْرِهِ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ، وَاهْدِ أَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا، وَوَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُمْ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مُغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَاحْمِهِمْ مِنْ فِتَنِ التِّقْنِيَةِ وَمَزَالِقِهَا، وَمِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ.

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ خَلْقِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.

المرفقات

1753150433_الذكاء الاصطناعي أمانة ومسؤولية.pdf

1753150444_الذكاء الاصطناعي أمانة ومسؤولية.docx

المشاهدات 221 | التعليقات 0