الذكاء الاصطناعي (موافقة للتعميم + مختصرة ومشكولة)

صالح عبد الرحمن
1447/01/29 - 2025/07/24 10:29AM

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي علا وقهَر، وعزَّ واقتدَر، وفطر الكائناتِ بقُدرته فظهرتْ فيها أدلةُ وحدانيةِ من فطَر، سبحانه من إلهٍ عظيم لا يُماثَلُ ولا يُضاهى ولا يُدركه بصَر، وتعالى من قادرٍ محيط لا تُنجي منه قوة ولا مفر، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً ندَّخرها ليومٍ لا ملجأ فيه ولا وزَر، ونرجو بها النجاة من نارٍ لا تُبقي ولا تذر.

وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله سيد البشر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه السادة الغُرر الذين جاهدوا في الله حقّ جهاده فما وهَى عزمُ أحدهم ولا فتَر، ومَنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسَلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فهي وصيتُه للأولين والآخرين، وبها تكونُ النجاة في يوم الدين ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.

أيها المسلمون: نَرُوْحُ وَنَغْدُو فِي نِعَمْ، نُصْبِحُ وَنُمْسِيْ في نِعَمْ، نَتَقَلَّبُ ونَتَفَكَّهُ في نِعَمْ، نِعَمٌ ظَاهِرَةٌ وَأُخْرَى بَاطِنَةٌ، أَسْدَاهَا وَاهِبٌ كَرِيمٌ، وَتَفَضَّلَ بِـهَا مُنْعِمٌ عَظِيْمٌ؛ (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)

نِعَمٌ تُحِيْطُ بِالعِبَادِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَتَغْشَاهُمْ مِنْ كُلِّ صَوْب، نِعَمٌ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَنْ، وَتَتَوَالى بتَوالِي الأَنْفاسِ، ففي كُلِّ شأَنٍ مِنْ شُؤُونِنا للهِ علينا نِعَمٌ وإِفْضال، وفي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحَوالِنا للهِ عَلِيْنا عَطاءٌ وكَرَمٌ ونَوال.

وأَكْرَمُ العِبادِ مَنْ يُصْبِحُ ويُمْسِي يَتَأَمَلُ في آلاءِ اللهِ عليه، يَتَفَكَرُ في النِعَمِ المُسْداةِ وفي الهِباتِ الغَامِرَة، يَتَفَكَرُ في النِعَمِ الخَفِيَّةِ وفي النِّعَمِ الظَاهِرَة، يَتَفَكَرُ في عَطاءِ اللهِ المَوفُورِ، وفي كَرَمِهِ المُمدودِ، وفي جُودِهِ المَبْسُوطِ، وفي نِعَمِهِ التي لا تُحِيْطُ بِها حدود، وإِذا أَرادَ اللهُ بِعَبدٍ خَيْراً فَتَحَ قَلْبَهُ لإِبْصارِ النِعَم، وهَدى جَوارِحَهُ للقِيامِ بِشُكْرِها.

وفي خِضَمِّ النعم المتتالية والتقنيات الصِّناعِيَّةِ المتجددة، تبرزُ إلى الملأِ تقنيةٌ ليستْ كسابِقَاتِها، يعرفُها الناسُ باسمِ "الذَّكاءِ الاصطناعيِّ"، ويلحظونَ آثارَها في أمورٍ كثيرةٍ، تبدأُ من هواتِفِهُمُ المحمولةِ، وتمرُّ بمواقِعِهِمُ الإلكترونيةِ، وتنتهي إلى مجالاتٍ ليستْ معروفةً لكلِّ أحدٍ.

ومن هناٍ نستشعر قول الله تعالى: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠) ‌وَعَلَّمَ ‌آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾، ففي هذه الصناعَةِ تتجلى بعضُ قدرةِ الله عزَّ وجلَّ.

فقد سَهُل على الناسِ التعاملُ معَ الذكاءِ الاصطناعيِّ، فأحسنَ بعضُهم استخدامَهُ في تطويرِ نفسِهِ وقدراتِهِ، ونفعِ الآخرينَ بنشرِ العلمِ النافعِ، وتطويرِ الوسائلِ المفيدةِ للمجتمعاتِ، وتَبْصيرِ الناسِ بشرعِ ربِّهم، وتعاليمِ دينِهِ القويمِ.

وأساءَ آخرونَ استغلالَه، إساءاتٍ متفاوتةً في الإثمِ والأثرِ، فمنهمْ من حاولَ التشغيبَ على المؤمنينَ، في صنعِ مواقعَ تقدِّمُ معلوماتٍ خاطئةً عن الإسلامِ، وتنفِّرُ الناسَ من اتِّباعِهِ، وتشوِّهُ رموزَهُ وقياداتِه بتركيبِ الصورِ والمقاطعِ المرئيةِ الكاذبةِ.

ومنهم من استغلَّ وسائلَ الذكاءِ الاصطناعيِّ في التجسسِ والمراقبةِ؛ للإضرارِ بالناسِ، ونشر الكذب والبهتان والتزوير، وتلفيق الفتاوى الكاذبة على ألسن العلماء، ونشر المعلومات المضللة، والمساس بالسمعة والأعراض.

 وَإِنَّ مِنَ الْبَلَاءِ الْعَظِيمِ: أَنْ تَرَىٰ مَنْ يُزَوِّرُ الْمَقَاطِعَ، أَوْ يُقَلِّدُ أَصْوَاتَ الْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ حيهم وميتهم، لِيَنْسِبَ إِلَيْهِمْ مَا لَمْ يَقُولُوهُ، وَيُضَلِّلَ النَّاسَ بِفَتَاوَىٰ مُلَفَّقَةٍ وَمَقَاطِعَ مَصْنُوعَةٍ! وَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْوَاضِحِ وَالِافْتِرَاءِ الَّذِي يُغْضِبُ اللَّهَ، وَيَهْدِمُ ثِقَةَ النَّاسِ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ، وإِنَّ مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ صَادِقًا، مُتَثَبِّتًا، لَا يُرَوِّجُ لِكُلِّ مَا يَسْمَعُ، وَلَا يَنْقُلُ إِلَّا بَعْدَ تَأَكُّدٍ وَتَثَبُّتٍ.

والمؤمنُ كَيِّسٌ فطنٌ، يعرفُ من أينَ يأخذُ دينَهُ، وكيفَ يدافعُ عنهُ، وعليه التثبت والتبين من الأخبار قبل النشر، وعد الانسياق خلف كل ما ينشر.

مستذكراً قول الله عز وجل:(ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وقول النبي عليه الصلاة والسلام:(كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)، وقوله عليه الصلاة والسلام:( من قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال، حتى يخرج مما قال).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم....

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً، أما بعد:

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَىٰ واعلموا أن تقنية الذَّكَاءَ الِاصْطِنَاعِيَّ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ هَذَا الْعَصْرِ، وَفِيهِ مَنَافِعُ عَظِيمَةٌ لِلْبَشَرِيَّةِ، وَلَٰكِنْ كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ صَارَتْ نِقْمَةً عَلَىٰ أَصْحَابِهَا بِسَبَبِ سُوءِ اسْتِعْمَالِهَا، وَتَجَاوُزِ حُدُودِ اللَّهِ فِيهَا، فَلْيَعْلَمْ كُلُّ عَبْدٍ أَنَّ مَا يَكْتُبُهُ أَوْ يَنْشُرُهُ أَوْ يُسَجِّلُهُ، فَإِنَّهُ مَرْصُودٌ وَمَسْؤُولٌ عَنْهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ (وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ).

المشاهدات 423 | التعليقات 0