الذكاء الاصطناعي
أحمد بن علي الغامدي
الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَعَلَّمَهُ الْبَيَانَ، وَسَخَّرَ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ، وَفَضَّلَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ تَفْضِيلًا، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ قَدْ أَنْعَمَ عَلَى الْبَشَرِ بِتَعْلِيمِهِمْ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ، وَسَخَّرَ لَهُمْ – بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ – مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ليستعينوا به على صلاحِ دينهم ودنياهم وآخرتهم. يَقُولُ الله تَعَالَى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). وَإِنَّ مِمَّا سَخَّرَهُ اللهُ تَعَالَىٰ لنا وَعَلَّمَهُ الْبَشَرِيَّةَ: "تِقْنِيَاتُ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ".وَهَذِهِ النَّازِلَةُ الْجَدِيدَةُ عَلَى الْعَالَمِ تَحْتَاجُ مِنَّا أَنْ نَقِفَ مَعَهَا بَعْضَ الْوَقَفَاتِ:
الْوَقْفَةُ الْأُولَىٰ: شُكْرُ اللهِ تَعَالَىٰ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَمِنْ شُكْرِهَا: حُسْنُ اسْتِخْدَامِهَا فِي الْخَيْرَاتِ وفيما فيه صلاحٌ للدين والدنيا والآخرة، وَالْبُعْدُ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا حَرَّمَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَنَهَتْ عَنْهُ مِنَ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ وَالِافْتِرَاءِ وَالتَّزْوِيرِ.. وَمِنْ أَعْظَمِ ذلك: تَزْيِيفُ الصُّوَرِ وَالْمَقَاطِعِ الصَّوْتِيَّةِ وَالْمَرْئِيَّةِ، وَانْتِحَالُ الشَّخْصِيَّاتِ، لِقَلْبِ الْحَقَائِقِ وَنَشْرِ الْمَعْلُومَاتِ الْمُضَلِّلَةِ، وَالْمَسَاسِ بِسُمْعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْوُلُوغِ فِي أَعْرَاضِهِمْ، وَالْإِضْرَارِ بِالْأَبْرِيَاءِ، وَتَلْفِيقِ الْفَتَاوَى الْمَكْذُوبَةِ عَلَىٰ أَلْسِنَةِ الْعُلَمَاءِ.. وَنَشْرُ ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ بَرَامِجِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ بِغَفْلَةٍ عَنْ عِلْمِ اللهِ وَرِقَابَتِهِ التَّامَّةِ،قَالَ اللهُ تَعَالَىٰ: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ). وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ، أَسْكَنَهُ اللهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّىٰ يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ)، وَرَدْغَةُ الْخَبَالِ: هي عَصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ، وَالْعِيَاذُ بِاللهِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللهَ يُعَذِّبُهُ بِعُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ وَصَدِيدِهِمْ حَتَّىٰ يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ.
الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ:إِنَّ مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ صَادِقًا، مُتَثَبِّتًا، لَا يُرَوِّجُ لِكُلِّ مَا يَسْمَعُ، وَلَا يَنْقُلُ إِلَّا بَعْدَ تَأَكُّدٍ وَتَثَبُّتٍ، وَنَظَرٍ فِي الْمَصْلَحَةِ مِنَ النَّشْرِ مِنْ عَدَمِهِ.. خُصُوصًا فِي هَذَا الْعَصْرِ الَّذِي كَثُرَ فِيهِ احْتِرَافُ الْكَذِبِ وَالتَّزْوِيرِ.قَالَ اللهُ تَعَالَىٰ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).وَقَالَ ﷺ: {كَفَىٰ بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ}، رواه مسلم. فَلَا تَكُنْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ جِسْرًا لِعُبُورِ الشَّائِعَاتِ، فَإِنَّكَ مُحَاسَبٌ عَلَىٰ كُلِّ مَا تَنْشُرُ وَتُشَارِكُ.
الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ:عَلَى الْمُسْلِمِ عِنْدَ اسْتِخْدَامِهِ لِهَذِهِ التِّقْنِيَاتِ – وَعُمُومًا – أَلَّا يَتَتَبَّعَ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يَبْحَثَ عَنْهَا أو يفرحَ بالوقوعِ عليها، حَذَرًا مِنْ عُقُوبَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ لَهُ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ». وَإِذَا رَأَى المسلمُ – مصادفةً -مَا يَسُوؤُهُ، أَشَاحَ عَنْهُ وَأَعْرَضَ ولم يفْشِه، قال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا فِي الدُّنْيَا، سَتَرَهُ اللهُ عز وجل فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ".
عباد الله :أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية :
الْـحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَىوَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَآخِرُ الْوَقَفَاتِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْنَا تِجَاهَ الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ: هِيَ أَلَّا يَعْتَمِدَ الْمُؤْمِنُ اعْتِمَادًا كُلِّيًّا عَلَى أَخْذِ دِينِهِ مِنْ هَذِهِ التِّقْنِيَاتِ الحديثة، وَمِنْهَا الذَّكَاءُ الِاصْطِنَاعِيُّ، إِلَّا بَعْدَ التَّأَكُّدِ وَالتَّمْحِيصِ، وَالرُّجُوعِ إِلَىٰ مَصَادِرَ أَكْثَرَ ثِقَةً وَمِصْدَاقِيَّةً. فَالْمُسْلِمُ مُطَالَبٌ بِالْبَحْثِ وَالتَّحَرِّي عَمَّنْ يَأْخُذُ مِنْهُ دِينَهُ وَفَتْوَاهُ، قَالَ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ: "إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ؛ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ".
وقد قرّر أهل العلم أنّ الْأَصْلَ هو أَنْ تُؤْخَذَ الْفَتَاوَىٰ عَنِ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ الَّذِينَ عُرِفَ عَنْهُمُ الْأَهْلِيَّةُ لِلْفَتْوَى، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْفَتْوَىٰ عَنْ أَيِّ أَحَدٍ وُجِدَتْ فَتْوَاهُ فِي الْمَوَاقِعِ وَفِي الْفَضَائِيَّاتِ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ".فَحَصَرَ السُّؤَالَ بِـ"أَهْلِ الذِّكْرِ" دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، وَهُمْ أَهْلُ الِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ وَالْعِلْمِ.
وَلِذَا فَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَامِّيَّ الذي يريد الحصول على فتوى أن يَسْأَلَ الْمُجْتَهِدَ (الْحَيَّ) وَيُوَضِّحُ لَهُ سُؤَالَهُ حَتَّىٰ تَكُونَ الْفَتْوَىٰ وَفْقَ السُّؤَالِ لَا تَخْرُجُ عَنْهُ، لِأَنَّ الْمُفْتِيَ كَثِيرًا مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْاسْتِفْصَالِ عَنْ بَعْضِ الْأُمُورِ كَمَا يَفْعَلُ الطَّبِيبُ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا؛ وَالْعَامِّيُّ إِذَا أَخَذَ الْفَتْوَى مِنَ الْإِنْتَرْنِتْ: قَدْ لَا يَسْتَطِيعُ التَّدْقِيقَ بِأَوْجُهِ الْفُرُوقِ الْمُؤَثِّرَةِ بَيْنَ سُؤَالِهِ وَبَيْنَ سُؤَالِ غَيْرِهِ، فَيَقَعُ فِي بعضِ الْإِشْكَالَاتِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، (كأنْ تَكُونَ فَتْوَىٰ خَاصَّةً ، أو في حالِ ضرورة فَيُطْلِقُ الْعَامِّيُّ خُصُوصِيَّتَهَا وَيُعَمِّمُهَا – أو رُبَّمَا حَمَلَ الْعَامِّيُّ الْفَتْوَىٰ عَلَىٰ مَعَانٍ خَارِجَةٍ عَنْ مُرَادِ الْمُفْتِي فِي فَتْوَاهُ. – أوَ قَدْ يَكُونُ فِي الْفَتْوَىٰ مِنَ الْقُيُودِ وَالشُّرُوطِ مَا لَا يَنْتَبِهُ لَهُ الْعَامِّيُّ إِلَىٰ تَأْثِيرِهَا فِي الْجَوَابِ).
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُفَقِّهَنَا فِي الدِّينِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ.
عباد الله : صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ خَلْقِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
المرفقات
1753337231_الذكاء الاصطناعيي.docx