الذكاء الاصطناعي
عبدالعزيز بن محمد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيُّهَا المُسْلِمُوْنَ: بَشَرٌ سَوِيٌّ، لَهُ عَقْلٌ ذَكِيٌّ، يُدْرِكُ الأُمُورَ ويُمَيِّزُ الأَشْياءَ، ويفْقَهُ القَوْلَ ويُعِيْ الخِطَابَ. عَقْلٌ بَشَرِيٌّ هُوَ مِنْ صُنْعِ اللهِ الذِيْ أَتْقَنَ كُلَّ شَيءٍ {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}
عَقْلٌ بَشَرِيٌّ بِهِ فَاقَ الإِنْسانُ أَكْثَرَ المَخْلوقَاتِ، وبِهِ كُرِّمَ الإِنْسانُ على أَكْثَرِ الكَائِنات. فَكَانَ أَهْلاً لأَنْ يُسْتَخْلَفَ في الأَرْضِ، وأَهْلاً لأَنْ يُسْتَعْمَرَ فيها {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} وأَهْلاً لِأَنْ تُسَخَّرَ لَهُ ما في السَماواتِ ومَا في الأَرْض {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
كَرَّمَ اللهُ الإِنْسانَ بِالعَقْلِ فَكانَ أَهْلاً لِأَنْ يُخاطَبَ بالتَكالِيْفِ الشَّرْعِيَةِ، وأَهْلاً لأَنْ تُنَزَّلَ إِليهِ الكُتُبُ السَماوِيَّةِ. وأَهْلاً لأَنْ يُصْطَفَى مِنْهُم الأَنْبياءَ والأَصْفِياءَ والصِدِّيْقِيْنَ والأَوْلياءَ .
بالعَقْلِ فَاقَ الإِنْسانُ وتَقَدَّم، وارْتَقَى في المَعارِفِ وتَعَلَّم. أَودَعَ اللهُ في الإِنْسانِ عَقْلاً يُمَيِّزُ بِهِ الأُمُورَ، ويُمَحِّصُ بِهِ الأَشياءَ، ويُحَلِّلُ بِهِ الأَلْفاظَ، ويَعِيْ بِهِ المَعانِيْ.
العَقْلُ أَكْرَمُ نِعْمَةٍ وُهِبَها الإِنْسانُ، ومَنْ نَقَصَ عَقْلُهُ قَلَّ قَدْرُهُ، ومَنْ حُرِمَ العَقْلَ رُفِعَتْ عَنْهُ أَوامِرُ التَكْلِيْف، وفي الحَدِيْثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ المَجْنُوْنِ حَتَّى يَعْقِلَ» رواه أبو داود
العَقْلُ قَائِدٌ في مَقامٍ مُقَدَّمٍ. ومِنَ العَقْلِ تَتَفَرَّعُ جَوانِبُ الكَمالِ البَشَرِيِّ، حِسٌّ، وإِدْراكٌ، وفَهْمٌ، وعاطِفَةٌ، وتَمْييزٌ، وتَقْييمٌ، واسْتِجابَةٌ، وامْتِناعٌ، وقَبَولٌ، ورَدٌّ، ومُقارَنَةٌ، وتأَمُلٌ، واعْتِقاد. وسَيَظَلُّ العَقْلُ يَقُومُ بِعَمَلِهِ على أَكْمَلِ وَجهٍ ما لَمْ تَنْحَرِفْ بِهِ الشَهَواتُ، أَو تَهِزِمُهُ الأَهواءُ، أَو تَمِلْ بِهِ الشُبُهات.
أَمَرَ اللهَ العِبادَ بإِعْمالِ عُقُولِهِم ونَهاهُم عَنْ تَعْطِيْلِها، ومَنْ عَطَّلَ عَقْلَهُ ضَلَّ فَهْمُه، ومَنْ تَلَوَّثَ عَقْلُهُ فَسَدَتْ رُؤْيَتُه. ومَنْ عَمِيَ قَلْبُهُ تَقَلَّبَ في الهَوان {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} {.. لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}
* العَقْلُ قائِدٌ مُقَدَّمٌ، ومِنَ العَقْلِ تَنْبَثِقُ أَشِعَّةُ الذَّكاءِ. ومَنازِلُ النَّاسِ في الذَّكاءِ تَتَفاوَتُ، ومَراتِبُهُم فيهِ تَتَباعَد. والنَوابِغُ في الذَّكاءِ لَهُم سَبْقٌ ولَهُم في الصُّفُوفِ صَدارَة. الذَكاءُ عَطاءٌ وهِبَةٌ رَبَّانِيَّةٌ، يَمْتازُ صَاحِبُهُ بسُرْعَةِ الفَهْمِ، وحَضُورِ البَدِيْهَةِ، وحُسْنِ التَحْلِيْلِ، وحِدَّةِ التَرْكِيْزِ، والقُدْرَةِ على الإبْداعِ وتَخَطِيْ العَقَبَات.
والذَّكاءُ يُنَمَّى كَما تُنَمَّى سَائِرُ المَلَكات. يَتَغذَّى الذَّكاءُ على العَلْمِ فَما أَفْلَحَ ذَكِيٌّ قَعَدَ في جُمُوعِ الجَاهليْن.
والأُمَمُ تَسْتَثْمِرُ عُقُولَ الأَذْكِياءِ مِنْ بَنِيْها فَتُنَمِّيْها. لِتَجْنِيَ مِنْ خَراجِ تِلْكَ العُقُولِ ما تَسْبِقُ بِهِ غَيْرَها. وما سَبَقَتْ أُمَمٌ في مَجالاتِ الابْتِكارِ والصِناعَةِ والتَّطَوُّرِ في شَتَى العُلُومِ، إِلا باسْتِثْمارِها لِعُقُولِ النَّوابِغِ مِنْ بَنِيْها.
مَضَى الأَذْكِياءُ يَشُقُّونَ في صُفُوفِ العَطاءِ طَرِيْقَهُم، يَتَبارَونَ في الابْتِكاراتِ، ويَتَنافَسُونَ في الاخْتِراعاتِ، حَتَى أَنْتَجُوا في كُلِّ فَنٍّ نَتَاجاً مُذْهِلاً.
والتَقْنِيَةُ مِنْ أَعْظَمِ تِلْكَ العَطَاءَاتِ التي سَرَى نَفْعُها في سائِرَ مَناحِي الحَياةِ. يَسَّرَ اللهُ التَقْنِيَةَ للبَشَرِيَّةِ، على أَيْدِيْ مَنْ مَنَحَهُم فَهْماً وعِلْماً وذَكاءً. ــ فسُبْحانَ مَنْ خَلَقَ عُقُولاً أَقْدَرَها عَلى فَهْمِ ما عَسُرَ، وتَحْلِيْلِ ما صَعُبَ، واسْتِنْتاجِ ما كانَ يُعَدُّ في السَّابِقِ ضَرْباً مِنْ ضُرُوبِ الخَيال ــ .
وحَدِيْثُ العَالَمِ اليَومَ عَنْ أَحْدَثِ ما وصِلَتْ إِليهِ التَقْنِيةُ مِنْ تَقَدُّم. حَدِيْثٌ عَما يُسَمَّى بـ (الذَّكاءِ الاصْطِناعِي) حِيْنَ صَنَع الإِنْسانُ مِنْ عُلُومِ الحَاسُوبِ أَنْظِمَةً تُدَرَّبُ على كَمٍّ هائِلٍ مِن البَياناتِ فَتَتَعَلَّمُ مِنْها، وتُحاكِيْ الذَّكاءَ البَشَرِيِّ في طَرِيْقَةِ التَحْلِيْلِ، والاسْتِنْتاجِ، والتَجاوُبِ، واتِّخاذِ القَرار.
تَقْنِيَةٌ يَتَخاطَبُ مَعَها الإِنْسانُ كَما يَتَخاطَبُ مَعَ جَلِيْسِه، ويَتَحاوَرُ مَعَها كَما يَتَحاوَرُ مَعَ مَثِيْلِه. وهيَ تَقْنِيَةٌ أَوْسَعُ وأَشْمَل، فَلَـها في شَتَى العُلُومِ اتِّصَالٌ، ولَها في شَتَى الفُنُونِ اقْتِران. تَقْنِيَةٌ مَنْ أَعْظَمِ النِعَمِ التي سَخَّرَها اللهُ لِعبادِه. يَسَّرَ لَهُم بِها سُبُلَ الحَياةِ، وقَرَّبَ لَهُم بِها مَنافِعَها.
الذَكاءُ الاصْطِناعِي، لَيْسَ رَفاهِيَةً تِقَنِيَّةً، ولا تَسْلِيَةً مَعْلُوماتِيْة، ولا مُتْعَةً مُجَرَّدَةً عَنْ القِيَمِ. وإِنَّما هو أدَاةٌ عَظِيْمَةٌ لِخْدْمَةِ الإِنْسانِ إِن اسْتَثْمَرَها فِيما يُفِيْدُ، ومَرْكَبٌ مُيَسَّرٌ لِمَنْ اسْتَغَلَّه فِيما يَنْفَع. فَإِنْ انْحَرَفَ بِهِ الإِنْسانُ عَنْ سَبِيْلِ الرُّشْدِ زَلَّ، وإِنْ أَعْمَلَهُ في سَبِيْلِ السُّوءِ هَلَك. سِلاحٌ ذُو حَدَّيْن، وطَرِيْقٌ ذُو اتِّجَاهِيْن، ومَرْكَبٌ ذُو مِقْوَدَيْن.
فَبِقَدْرِ ما جَلَبَ للبَشَرِيَّةِ مِنْ نَفْعِ، فَقَدْ جَلَبَ لَها ما لا يَخْفَى مِنْ الخَطَر.
مَنْ أَخَذَ هذِهِ النِعْمَةَ بِحَقِها، وقَامَ للهِ بِما يَجِبُ عليهِ مِنْ شُكْرِها فَهوَ الرَّابِحُ في دِيِنِهِ، المُوَفَّقُ في دُنْياه، غَنِمَ الغَنِيْمَتِين، ورَبِحَ التِجَارَتَيْن، وفَاز في الدَّارَين.
ومَنْ عَبَثَتْ بِهِ التَقْنِيَةُ وعَبَثَ بِها، واسْتَدْرَجَتْهُ مَفاتِنُها فَانْدَرَجَ لَها، فَأَساءَ فِيْها وتَعَدَّى، وتَجاوزَ وعَصَى. فَهْوَ المغْبُونُ في الدَّارَيْن، المَمْقُوتُ في الحَياتَيْن، فَلا هُوَ لِدِيِنِهِ قَدَّمَ، ولا هُو لِدُنْياهُ عَمِلْ. أَلا إِنَّما هذهِ التَقْنِيَةُ ابْتِلاءٌ، فَفَائِزٌ فِي الابْتِلاءِ وخاسِرٌ، ونَاجٍ في الابْتِلاء وَهَالِك {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} بارك الله لي ولكم..
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْن، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِله إِلا اللهُ ولِيُّ الصَالحِيْنَ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحمداً رَسُولُ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وصلى اللهُ وسلَمَ وبارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصْحابِهِ أَجْمَعِيْن، وعلى مَنْ تَبِعَهُم بإِحْسانٍ إِلى يَومِ الدِّيْنِ. أَما بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يا عِبادَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون.
أيها المسلمون: ومَعَ تَطَوُّرِ التَقْنِيَةِ وما يَتَصَدَّرُها مِنْ ذَكاءٍ اصْطِناعِيّ، يَجِبُ على المُسْلِمِ أَنْ يُدْرِكَ أَنَّ هذا الذَّكاءَ مَهْما بَلَغَ مِنَ التَّقَدُّمِ والإِبْهارِ، فإِنَّما هُو نَتاجٌ مِنْ ذَكاءٍ بَشَرِيٍّ، والذَّكاءُ البَشَرِيُّ مِنْ صُنْعِ اللهِ. فَكُلَّما أَبْهَرَكَ نَتَاجٌ مِنْ صُنْعِ البَشَرِ، فَارْفَعْ طَرْفَكَ إِلى السَّماءِ وعَظِّمْ مَنْ خَلَقَ تِلْكَ العُقُولَ وهَداها {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}
ومَعَ تَطَوُّرِ التَقْنِيَةِ وتَصَدُّرِها، يَجِبُ على المُسْلِمِ وهُوَ يَتَعامَلُ مَعَها وَيَسْتَسْقِيْ مِنْها مَعارِفَهُ وعُلُومَهُ، أَنَّ يَكُونَ مِنْ مَخاطِرِ الذَّكاءِ الاصْطِناعِيَّ على حَذَر.
فَيَعْلَمُ أَنَّ بَرامِجَ الذَّكاءِ الاصْطِناعِيِّ لَيْسَتْ مَرْجِعاً آمِناً للاعْتِمادِ عليها في تَقْرِيْرِ المَسائِلِ الشَّرْعِيةِ، ولا النُّقُولِ العِلْمِيَّةِ، ولا يُعْتَمَدُ عليها في البَحْثِ عَنْ فَتَوَى. فَأَشْهَرَ تَطْبِيْقاتِ هذا الذّكاءِ، صَدَرَ مِنْهُ مِراراً، نُقُولٌ مُحرَّفَةٌ لآياتٍ مِن القُرآنِ، وصَدَرَ مِنْهُ نُقُولٌ عِلْمِيَةٍ يَنْسِبُها لأَكابِرِ عُلماءِ الأُمَةِ. وبالتَحَقُّقِ مِنْ كَثِيْرٍ مِنْها، يَتَبَيَّنُ أَنَّها نُقُولٌ خاطئِةٌ، أَو نِسْبَتُها إِليهم غَيْرُ صَحِيْحَةٍ.
كَما أَنَّ الذَّكاءَ الاصْطِناعِيَّ، لَيْسَ أَهْلاً لأَنْ يَكُونَ مُحَلِلاً نَفْسِياً لِشَخْصِيَّةِ مَنْ يَتَعامَلُونَ مَعَهُ، ولا يَجُوزُ أَنْ يُعَوَّلَ عليهِ في تَخْمِيْناتِهِ الاسْتِقرائِيةِ للأَحْوالِ المُسْتَقْبَلِيةِ المُتَوَقَّعِةِ.
كَما أَنَّ الذَّكاءَ الاصْطِناعِيَّ تَكْمُنُ فيهِ كَمائِنُ خَطَرٍ مُحْدِقَةٍ، بِما يـُمْكِنُ أَنْ يُصَدَّرَ مِنْ خِلالِهِ مِنْ صِناعَةِ مُحْتَوياتٍ كاذِبَةٍ، ومَقَاطِعَ مَرْئِيَّةٍ مُزَوَّرَةٍ. تُبَثُّ بالصَّوْتِ والصُّوْرَةِ على أَلْسِنَةِ مَن هُم مِنْها بُرَآءُ. ويَعْظُمُ الخَطَرُ.. حِيْنُ يُنْسَبُ التَزْوِيْرُ إِلى مَنْ لَهُ عِلْمٌ، أَو مَكانَةٌ، أَو رأَيٌ، أَو تأَثِير. فَيَشِيْعُ الإِفْكُ، ويَنْتَشِرُ البُهْتانُ، ويَشْتَدُ الضَّرَر. يُقْلَبُ الحَقُّ باطِلاً، والبَاطِلُ حَقاً، ويَعْظُمُ الفَسادُ، وتَنْتَشِرُ في النَّاسِ الوَساوِسُ، وتَتَقَدَّمُهُم أَسْوأُ الظُنُون. وسَتَظَلُّ تِلْكَ الْـمَخَاطِرُ تَتَضاعَفُ أَخْطارُها، وتَتَسِعُ أَبوابُها، كُلَّما اتَّسَعَتْ قُدْرَةُ التَقْنِيَةِ وتَطَوَّرَتْ أَنْظِمَتُها.
لذا فإِن أَوْجَبُ ما يجِبُ على المُسْلِمِ وهُوَ يُواجِهُ أَمْواجَ التَقْنِيَةِ، ويَسْتَقْبِلُ أَعَاصِيْرَها، أَنْ يَلْزَمَ مَرْكَبَ التَقْوَى، ويَلْبَسَ طَوْقَ المُرَاقَبَةِ للهِ، وأَنْ يَنأَى بِنَفْسِهِ عَنْ تَتَبُعِ ما لَيْسَ يَعْنِيْهِ، وأَنْ يَكُفَّ عَنْ البَحْثِ فِيما لا يَنْفَعُهُ، وأَنْ يُعْرِضَ عَنْ الخَوضِ فِيما لا بقَرِبُهُ مِنْ رَبِهِ ويُدْنِيْهِ مِنْ مَراضِيْه.
أِيْها المُسْلِمُون: وحِيْنَ تَتَجَرَّدُ القُلُوبُ البَشَرِيَّةُ مَنْ خَصائِصِها، وتَنْفَكُ عَنْ أَكْرَمِ ما يَلِيْقُ بِها. فإِنَّهُ لا يَنْفَعُها ذَكاءٌ، ولا يَرْفَعُها سَبْقٌ، ولا تحَلِّقُ بِها في سَماءِ الطُّهْرِ حَضارَة. ففي زَمَنِ الثَراءِ المَعْرِفِيِّ يَتَصَدَّرُ الفَقْرُ الأَخْلاقِيّ، وفي زَمَنِ التَفَوُّقِ التِقَنِي، يَتَقَدَّمُ الإِخْفاقُ الرُّوِحي. فَفِي ذُرْوَةِ الغِناءِ والثَراءِ والتَواصُلِ الأُمَمِيّ. يَمُوتُ شَعْبُ مُسْلٍمٌ في أَرْضِهِ قَهْراً، ويُقْتَلُ فِيها قَصْفاً وحَرقاً، ونَسْفاً، وحِرْماناً وتَجْوِيْعاً. يُحاصَرُ في بَلَدِهِ مِنْ كُلِّ جانِبٍ، فَلا طَعامَ ولا غِذاء، ولا إِغَاثَةُ ولا نُصْرَةَ ولا عَوْنَ ولا شَرابَ ولا دَواء. وعِندَ اللهِ سَيَخْتَصِمُون {وسَيَعْلَمُ الذِيْنَ ظَلَمُوا أَيَّ مْنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون} عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عُذِّبتْ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْها حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيْهَا النَّارَ، لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلا هِيَ تَرَكَتْها تَأَكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» متفق عليه تِلْكَ هِرَّةٌ فَما الظَّنْ بِمَلايينِ المُسْلِمِيْنَ يُجَوَّعُون.
اللهمُ كَنْ لأَهْلِ غَزَّةَ مُؤَيِداً ونَصِيراً، ومُغِيْثاً ومُجِيراً وظِهِيْراً...
المرفقات
1753357840_الذكاءُ الاصْطِناعِي 30 ـ 1 ــ 1447هـ.docx