الرسولُ صلى الله عليه وسلم والشباب ُ

راشد بن عبد الرحمن البداح
1447/03/19 - 2025/09/11 06:18AM

الحمدُ للهِ الذي أظهرَ لعبادهِ من آياتِه دليلاً، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ المتفردُ بالخلقِ والتدبيرِ جملةً وتفصيلاً، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُأصدقُ الخلقِ قِيلاً، فصلى اللهُ وسلَّمَ عليهِ تسليمًا طويلاً. أما بعدُ:

فاتقُوا اللهَ؛ فتقوَى اللهِ ما...جاورَتْ قلبَ امرئٍ إلا وَصَلْ

إنهم درعُ الأمةِ، وثروتُها الحقيقيةُ. مَن هؤلاءِ؟! إنهم الشبابُ يا شبابُ. وقد مرَّ في آخرِ جُمُعتينِ الحديثُ عن تعاملِ القدوةِ الحسنةِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع الأطفالِ ومع كبارِ السنِ، واليومَ نَستَلْهِمُونتعلمُ كيفَ كانَ نبيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتعاملُ مع الشبابِ الذين نسمِّيهمْ بالمراهقينَ.

فلقد كان يُحبُّهمْ ويُقرِّبهمْ، بل حطَّمَ حواجزَ أمامَهمُ الفوارقِالعمريةِ بعلاقةِ الحبِ والقُربِ والثقةِ. ولذا نجِدُ أكثرَ الذينَ كانَ النبيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُردِفُهم إذا ركِبَ همُ الشبابُ، والإردافُ حالةُقُرْبٍ وحبٍّ.

ففي حَجةِ الوداعِ في عرفةَ، وهو -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ناقتهِوالجموعُ الغفيرةُ حولَهُ، وإذا بهِ ينادِيْ: ادْعُوا لِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ()فجعلَ الذينَ لا يعرفونهُ يترقَّبُونَ مَن يكونُ أسامةُ بنُ زيدٍ المخصوصُبهذا النداءِ والانتظارِ؟! وكأنما تخيَّلوهُ شيخاً كبيراً ذا لحيةٍ بيضاءَ، فبينما هم كذلكَ إذْ جاءَ شابٌّ أسودُ في الثامنةَ عشرةَ من عمرهِ، فتوثَّبَناقةَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجلسَ خلفَهُ والْتَزَمَهُ، وسطَاستغرابِ واغتباطِ هذهِ الجموعِ.

كما نلاحظُ أن النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانَ يُغدِقُ على الشبابِبفيضٍ غامرٍ من المشاعرِ والعواطفِ، فنراهُ يُمسِكُ بيدِ الشابِ معاذِ بنِجبلٍ، فيَجعلُ يدَهُ في يدهِ، ثم يقولُ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ! وَالله إِنِّي لَأُحِبُّكَ..»().

ولكَ أن تتخيلَ مشاعرَ معاذٍ وخفقاتِ قلبهِ، وفرحَتَهُ بهذه الحفاوةِ، حينَكانت يدهُ في يدِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

ولكَ أن تتخيلَ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ شاباً دونَ العشرينَ من عمرهِ، ونبيُّكَقد وضعَ يديهِ على منكبيهِ، في لحظةِ قُربٍ، ولمسةِ حبٍّ، ليقولَ لهُ: «يَا عَبْدَ الله! كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ»() إنها وصيةٌنبويةٌ تُقَدّمُ في وعاءٍ مشاعريٍ جميلٍ!

وكانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتفهَّمُ رغائبَ الشبابِ ومشاعرَهم، ففي حَجةِ الوداعِ كان مُردفاً على راحلتهِ الفضلَ بنَ العباسِ، وكان شاباً وسيماً، فأتتْ فتاةٌ جميلةٌ تستفتيْ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فجعلَالفضلُ ينظرُ إليها وتنظرُ إليهِ، فلَوَى النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عُنُقَ الفضلِ عنها، ولم يُعنِّفهُ ولم يُقَرِّعهُ، والأعجَبُ أنه لم يوبِّخِ الفتاةَ، بل وعظَها بطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ، وهي وعظُ الفضلِ برفقٍ وهي تسمعُ().

ومِن تفهُّمِهِ لرغائبِ الشبابِ: ما رواهُ مالكُ بنُ الحويرثِ قالَ: قَدِمنا على رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحنُ شَبَبَةٌ مُتقاربونَ، فأقمنا عندَهُعشرينَ ليلةً، وكان رحيماً رقيقاً؛ فلما رأى شوقَنا إلى أهلِنا قالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ»(). فقد لاحَظَ شوقَ الشبابِ إلى زوجاتِهم، وهذا من رحمتهِ بهم.

ولتفَهُّمِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لرغباتِ الشبابِ، كانَ الشبابُيَبوحونَ له برغائبِهِم؛ يأتي إليهِ شابٌ فيقولُ: يا رسولَ اللهِ، ائذنْ لي في الزنا!! فما وبّخَهُ ولا نَهَرَهُ، وإنما قالَ له: «أَتَرْضَاهُ لِأُمِّكَ؟ أَتَرْضَاهُ لِأُخْتِكَ؟ أَتَرْضَاهُ لِعَمَّتِكَ؟ أَتَرْضَاهُ لِخَالَتِكَ؟». وفي كلِّ ذلكَ يقولُ: لا والذيْ بعثَكَ بالحقِّ. فقالَ: «فَكَذَلكَ النَّاسُ؛ لَا يَرضَونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، وَلَا لِأُمَّهَاتِهِمْ، وَلَا لِأَخَوَاتِهِمْ». ثم يضعُ يدَهُ على صدرِ هذا الشابِّ، حتى وجَدَ بَرْدَها على صدرِهِ، ثم يقولُ: «اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ»().

إنه التعامُلُ النبويُّ الأبويُّ في الرفقِ والمرافَقَةِ والملاطَفَةِ.

الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلى اللهُ وسلمَ على المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، أما بعدُ: فيا أيُّها المؤمنونَ: كانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يثِقُ بالشبابِ، ولا يَستهينُ بقُدُراتِهِم، ولا يُهمِّشُ مَواهبَهم، وإنما يُسنِدُ إليهم جلائلَ الأعمالِ إذا رآهُم أهلاً لذلكَ.

فقد خرجَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكةَ بعدَ الفتحِ فأَمّرَ عليها عَتّابَبنَ أسيدٍ وعُمُرُهُ نحوُ عشرينَ سنةً(). ولكَ أن تتخيلَ أن مكةَ آنَذاكَ فيها كبراءُ قريشٍ وأشياخُها، والأميرُ عليهم شابٌ عشرينيٌّ.

كما جهَّزَ جيشاً إلى الشامِ، أميرُهُ أسامةُ بنُ زيدٍ ذُو الثمانيةَ عشرَعاماً، وفيهم أبو بكرٍ وعمرُ، ثم يعطيهِ زَخَماً معنوياً فيقولُ: وَإِنَّهُ لَجَدِيرٌ بِالإِمَارَةِ().

فكانَ يؤهلُ الجيلَ الثانيَ باكراً لتحمُّلِ المسؤوليةِ، ومواجهةِ الأزماتِبثباتٍ. ولذلكَ صارَ هؤلاءِ الشبابُ أشياخَ الأمةِ بعدَهُ، ودعاةَ الخلقِبالحقِ.

فرضيَ اللهُ عنهم كلِّهم، وصلى اللهُ وسلمَ على نبيِهِمُ الذي ربَّاهمْ وزكَّاهمْ شِيبَهُم وشُبَّانَهُم: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ‌وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ}.

فلنقتَدِ بنبيِّنا في التعامُلِ مع الشبابِ؛ لنكونَ من أتباعِهِ على سُنَّتِهِ.

• اللهم يا مُنَوِّرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ نحمدُكَ على نعمةِ النيِّرينِ، ونسألُكَأن تنوِّرَ لنا حياتَنا ووفاتَنا، وعبورَنا وقبورَنا.
• اللهم إنا نعوذُ بكَ من زوالِ نعمتِكَ، وتحوُّلِ عافيتِكَ، وفُجاءَةِ نِقمتِكَ، وجميعِ سخطِكَ.
• اللهم وحسِّنْ أخلاقَنا، وطيِّبْ أرزاقَنا، واجمعْ على الهُدى شؤونَنا، واقضِ اللهم ديونَنا، ومتِّعنا بقوَّتِنا، وبارِكْ بقادَتِنا، إمامَنا ووليَّعهدِهِ، وآمِنْ أوطانَنا، وادحَرْ عُدوانَنا.
• اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1757560698_‎⁨الرسول ﷺ والشباب⁩.docx

1757560698_‎⁨الرسول ﷺ والشباب⁩.pdf

المشاهدات 519 | التعليقات 0