الْزَمْ هذا الدعاء الذي جمع خيري الدنيا والآخرة. 11/4/1447

أحمد بن ناصر الطيار
1447/04/10 - 2025/10/02 12:46PM

 

 الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أنّ نبيّنا محمدًا عبدُه ورسولُه الكريم، صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه الغرّ الميامين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ نبيّنا –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يتفقد أصحابه، وينظر في أحوالهم.

 عاد مرةً شابًا يهوديًا كان يخدمه، فذهب إلى بيته، وجعل يدعوه إلى الإسلام، فلم يخرج حتى قال هذا الشاب: (لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله).

ومرةً عاد -صلى الله عليه وآله سلم- رجلًا من المسلمين، قد صار مثل الفرخ من شدة المرض، فقال له النبي -صلى الله عليه وآله سلم- بعد أن واساه وطيَّب خاطره بكلماتٍ مباركة: «ما كنت تدعو به؟»؛ أي: خلال هذه الأيام.

فقال: كنت أقول: "اللهم ما كنت معاقِبي به في الآخرة فعجِّله لي في الدنيا"، فقال النبي –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سبحان الله، سبحان الله»؛ استعظامًا واستنكارًا لهذا الدعاء؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - يعلم أنّ الله –جَلّ وَعَلَا- لو عجّل لكلّ إنسان عقوبته التي في الآخرة في الدنيا؛ لما استطاع أن يعيش؛ لأن عذاب الآخرة شديد.

فقال له النبي –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هلا قلت: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار»؟

 فجعل هذا الرجل يردّد هذا الدعاء ويُكرّره كثيرًا حتى شفاه الله –جَلّ وَعَلَا-([1]).

فقد دلّه نبيُّنا –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على هذا الدعاء العظيم الذي جمع خيري الدنيا والآخرة.

 وكان هذا الدعاء العظيم أكثرَ دعاءِ -صلى الله عليه وآله سلم-، قال أنسُ بن مالك رضي الله عنه: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وقنا عذاب النار"([2]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كان النبي صلى الله عليه وسلم يختم طوافة بين الركنين بقوله: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة ‌حسنة ‌وقنا ‌عذاب ‌النار}, كما كان يختم سائرَ دعائه بذلك. ا.ه

وقد عرفَ الصحابةُ الكرامُ –رضي الله عنهم - فضلَ هذا الدعاء ومكانَتَه؛ فكان أنسُ بن مالك –رضي الله تعالى عنه- إذا دعا بدعوةٍ واحدة، اختار هذا الدعاء من بين سائر الدعاء، وإذا دعا بدعاءٍ كثير، جعل هذا الدعاء من ضمن أدعيته.

وقد أثنى الله –جَلّ وَعَلَا- على من يدعو بهذا الدعاء, وذمّ من لا يدعو إلا لدنياه, فقال –جَلّ وَعَلَا-: ﴿فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَق﴾ [البقرة: 200]؛ هذا القسم الأول، وهم الذين يدْعون لتحقيق مقاصدهم الدنيوية فقط، فيسألون الله الشفاء من المرض، والغناءَ من الفقر، والنصر على العدوّ، ولا يدْعون لتحقيق مقاصدهم الدينيّة.

فذلك قال هؤلاء: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا} لم يقولوا: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حسنة}؛ "لأنّ من كانت الدنيا كلَّ همّه: لا يبالي أكانت شهواتُه وحظوظُه حسنةً أم سيئة، فهو يطلب الدنيا من كلّ باب، ويسلك إليها كلّ طريق، لا يميّز بين نافع لغيره ولا ضار".[3]

فهؤلاء ليس لهم في الآخرة من خلاق؛ أي أنّ الله –جَلّ وَعَلَا- قد يجيب دعاءهم، ويعجّل لهم المكافأة في الدنيا، وأما في الآخرة فليس لهم فيها نصيب.

وأما القسم الآخر، فقال الله –جَلّ وَعَلَا-: ﴿وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار﴾.

وقد كان نبيّ الله موسى –عَلَيْهِ السَّلَامُ- يدعو بهذا الدعاء، فكان يقول: ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ﴾ [الأعراف:156]؛ أي: واكتب لنا في الآخرة حسنة.

اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، واجعلنا من عبادك المتقين الأبرار، إنك سميع قريب مجيب.

******************

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

Û إخوة الإيمان: هذا الدعاء اشتمل على خيْرَيّ الدنيا والآخرة؛ فكل خيرٍ في الدنيا وفي الآخرة قد تضمّنه هذا الدعاء؛ فهو دعاءٌ عظيمٌ جامع.

قال ابن كثير رحمه الله: الحسنةُ في الدنيا تشمل كلّ مطلوبٍ دنيويّ, من عافية، ودار رحْبة، وزوجةٍ حسنة، ورزقٍ واسع، وعلمٍ نافع، وعملٍ صالح، ومركبٍ هنيء، وثناءٍ جميل, وأما الحسنة في الآخرة، فأعلى ذلك دخولُ الجنة, وتوابعُه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات، وتيسيرُ الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة، وأما النجاةُ من النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا, من اجتناب المحارم والآثام, وترك الشبهات والحرام. ا.ه

وتأملوا –إخوة الإيمان- كيف أنّ الله تبارك وتعالى أثنى على من يسأله خيري الدنيا والآخرة، ولم يسأله الآخرة فقط؛ لأنّ المؤمن يستعين بأمور دنياه على أمور دِينه، فيستعين بالعافية والمال والزوجة والقوة والأولاد, على الطاعة والعبادة.

اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، يا رب العالمين.

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى وإمام الورى؛ فقد أمركم بذلك –جل وعلا- فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلِّم وبارك على عبدك وخليلك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، وخُصَّ منهم الأئمة الأربعة؛ أبا بكرٍ وعمر وعثمان وعليّ، وسائرَ الصحابة أجمعين، وعنّا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


([1]) أخرجه مسلم ( (2688).
([2]) أخرجه البخاري (6389)، ومسلم (2690).
[3] - تفسير المنار (2/ 189)

المرفقات

1759398393_الْزَمْ هذا الدعاء الذي جمع خيري الدنيا والآخرة.pdf

المشاهدات 459 | التعليقات 0