المرأة في الإسلام

أنشر تؤجر
1447/06/20 - 2025/12/11 18:50PM

الحمدُ للهِ خلقَ الذَّكرَ والأنثى ، مِنْ نُطفَةٍ إذا تُمْنى ، وأشهدُ ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ ؛ صلى اللهُ وسلَّمَ عليه ، وعلى آلِه وأصْحَابِه ، وعلى التّابعينَ ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين .

أمّا بعدُ : فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ تعالى ، فالتقوى زادُ السائرينَ إلى اللهِ ؛" وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ".

عِبَادَ اللهِ : لَقَدْ جَاءَ هَذَا الدِّينُ القَوِيمُ بِخَيْرَي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ؛ وبِسَعَادَةِ العِبَادِ وَفَلَاحِهِمْ ، في مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ومَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ .

جَاءَ الإِسْلَامُ فَكَرَّمَ بَنِي آدَمَ رِجَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ؛ وَجَعَلَ أَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاهُمْ ؛ قَالَ تَعَالَى :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات13]

جَاءَ الإِسْلَامُ فَأَكْرَمَ الْمَرْأَةَ ، وَأَمَرَ بِإِكْرَامِهَا ، وَرَفَعَ قَدْرَهَا وَحَفِظَ لَهَا حُقُوقَهَا ؛ وَأَبْطَلَ مَا كَانَ عَلَيهِ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ مِنِ احْتِقَارِهَا ، وَظُلْمِهَا ، وَمَنْعِهَا حُقُوْقَهَا ؛ ففي القرآنِ الكريمِ سُمّيتْ سُورٌ بِالنساءِ، ومَرْيَمَ، والمجادِلَةِ، والمُمْتَحَنَةِ، وأكْثَرَ اللهُ في القرآنِ مِنْ القَصَصِ التي كانتِ النِّساءُ في أحداثِها عُنصراً أساسيَّا، فَقَصَّ اللهُ قِصَّةَ مريمَ، وقِصَّةَ أمِّ موسى، وقصَّةَ البِنْتَيْنِ الّلتِيْنِ وَجدَهُمَا مُوسى ــ عليه السلامُ ــ  تَذودَانِ غنمَهُمَا، وقصَّةَ امرأةِ فِرْعَونَ، وغيرَها مِنَ القصصِ.

معاشرَ المؤمنينَ : لقدْ صَانَ الإسلامُ المَرأةَ وحَفِظَهَا طِفْلَةً مَوْلُوْدَةً ، وحَثَّ على تَرْبِيَتِهَا وهي شابَّةً صَغِيرَةً ، وبيّنَ عَظِيمَ الأجرِ في رعايَتِها وإعالَتِها ؛ ففي صحيح مُسلم عن أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه قال :  قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ :" مَن عالَ جارِيَتَيْنِ حتَّى تَبْلُغا ، جاءَ يَومَ القِيامَةِ أنا وهو وضَمَّ أصابِعَهُ " وفي الحديث الآخر قال :" كنَّ لَهُ حجابًا منَ النَّارِ يومَ القيامَةِ ".

يَقُولُ الشَّيْخُ ابنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ :[ وَالعَوْلُ فِي الغَالِبِ يَكُونُ بِالقِيَامِ بِمَئُوْنَةِ البَدَنِ ؛ مِنَ الكِسْوَةِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالسَّكَنِ وَالفِرَاشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ فِي غِذَاءِ الرُّوْحِ ؛ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّهْذِيبِ وَالتَّوْجِيهِ وَالأَمْرِ بِالخَيْرِ وَالنَّهْيِ عَنِ الشَّرِّ وَمَا إِلَى ذَلِكَ ] اهـ.

كَمَا أوصَى بِها الإسلامُ وهي امرأةً ناضجَةً ، وزَوجةً مَسْؤُلَةً ؛ فقد كان نبينا محمدٌ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وهو خَيرُ أسوةٌ يَقُولُ :" خَيْرُكُمْ خَيْرُكُم لأَهْلِهِ , وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِ ".

وقدَّمَ الإسلامُ حقَّها بالبِرِّ ، والإحسانِ ؛ في حالِ أُمُومَتِها وكِبَرِ سِنِّها ، وجعَلَ حَقَّهَا أَعْظَمُ مِنْ حقِّ الأَبِ ؛ فعن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ :" جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ : يا رَسولَ اللَّهِ ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ : أُمُّكَ ، قالَ : ثُمَّ مَنْ؟ قالَ : ثُمَّ أُمُّكَ ، قالَ : ثُمَّ مَنْ؟ قالَ : ثُمَّ أُمُّكَ ، قالَ : ثُمَّ مَنْ؟ قالَ:  ثُمَّ أبُوكَ " رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ .

عِبَادَ اللهِ : ومن عدلِ الإسلامِ أن اللهُ بَيَّنَ في كتابِهِ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في سُنَّتِهِ حقَّ كُلِّ واحدٍ من الزَّوجَينِ على الآخَرِ ، وأمَرَ الرَّجُلَ بالصَّبرِ على الزوجَةِ التي لمْ تَكْمُلْ في عَيْنِ زوجِها ، وَأُمِرَ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا يُحَبِّبُهَا إِلَيْهِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى :( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )، وجَاءَ التَّوْجِيْهُ النَّبَويُّ مُوضِّحاً لِلحَالةِ البَشَرِيَّةِ الّتي لا تَنْفَكُّ عَنْ أَحَدٍ ؛عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" لَا يَفْرَكْ ــ أي : لا يَكْرَهْ ولا يُبْغِضْ ــ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ " رواه مسلمٌ .
فينبغي للرَّجُلُ أن يَعفُو عن الخَطأِ ويتغافل ، ويَنسى ويتجاهل ، لأنَّهُ يُدرِكٌ أنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ أَعْوَجٍ ، فَبِالصَّبرِ عليها تَسْتَقِيمُ الأُمُورُ ، وتَحسُنُ الْمَعِيشَةُ ، ولذلك قال النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ :« فاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرَاً ، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي اَلضِّلَعِ أَعْلَاهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرَاً "، وقال عليه الصلاة والسلام :" فإن استمتعت بها استمتعت بها ، وبها عوج ".

ولْنَعلَمْ يَا كِرَامُ : أنَّ عقدَ الزَّوجِيَّةِ أَكْبَرُ من التَّصرُّفَاتِ الهَوجَاءِ ، فلا يَليقُ أنْ يَتَخَلَّى الزَّوجُ عن زَوجَتِهِ لِمُجَرَّدِ خُلُقٍ كَرِهَهُ أو مُشكِلَةٍ طَرَأَت عليهِمَا ، خاصَّةً عندَ تَقَدُّمِ السِّنِّ بِهما ، وطُولِ العِشرَةِ بَينَهُما ، فَلِكُلِّ مُشكِلَةٍ حلٌّ ، ولِكُلِّ مُعضِلَةٍ دَواءٌ .

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مِنَ الأَعْمَالِ أَخْلَصَهَا وَأَزْكَاهَا، وَمِنَ الأَخْلاَقِ أَحْسَنَهَا وَأَكْمَلَهَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .

الخطبةُ الثَّانيةُ :

الحَمدُ لِلهِ جَعَلَ لَنَا مِّنْ أَنفُسِنَا أَزْوَاجًا وَجَعَلَ بَينَنَا مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ، وأَشْهَدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ , وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحَمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ ، وعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ بِإحْسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ . أَمَّا بَعْدُ :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ).

عبادَ اللهِ : في كلِّ بيتٍ عِتَابٌ وَمَوَدَّةٌ ، وَسَخَطٌ وَرِضَا ، والزَّوجُ العاقِلُ الموفقُ : يَعرِفُ قَدرَ زوجَتِهِ ، فيَخفِضُ الجَنَاحَ مَعَهَا ، ويُظهرُ البَشَاشَةَ لَها ، ولا يتَّكَبُّرَ عَلَيهَا ، مَهْمَا عَلا شَأْنُه! وَكَثُرَ مَالُه! فَقَد قَالَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :" يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أنْ يَكونَ في أَهلِهِ كالصَّبِيِّ - يعني في الأُنسِ والسُّهولَةِ - فَإنْ كانَ في القَومِ كانَ رَجُلاً ".

ومتى ما عَرَفَ كُلٌّ من الزَّوجينِ حُقُوقَهُ وحُدُودَهُ ، ورُزِقَا القنَاعَةَ والرِّضى ، وتَركَا الْمُقارنَاتِ والأَمَانِيِّ الكاذِبَةِ الخادِعَةِ ، وَبِأَنْ يَنظُرَ كلٌّ من الزَّوجينِ إلى أنَّ الزِّواجَ عبادَةٌ يتَقَرَّبُ بِهِ إلى اللهِ ، ويتَعَاوُنُانِ فيه على الطَّاعَةِ ، سعدا واستمتعا في حياتهما ، فَضَعْفُ إيمَانِ الزَّوجِ تُقوِّيهِ الزَّوجَةُ ، واعوجاجُ سُلُوكِ الزَّوجةِ يُقوِّمُهُ الزَّوجُ ، تَكَامُلٌ وَتَعَاضُدُ ، وتَنَاصُحٌ وتَنَاصُرٌ ، ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام :« رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِى وَجْهِهَا الْمَاءَ ، ورَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا ، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِى وَجْهِهِ الْمَاءَ ». حَدِيثٌ حسن صحيح .

ألا فاتَّقُوا اللهَ - يا عباد الله - وَقُومُوا بِمَا أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ وَحَافِظُوا عَلَى نِسَائِكُمْ وبناتكم ،" فكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ).

والمسؤولية اليوم عليكم أعظم ، علموا نسائكم وبناتكم لباس الحشمة والستر ، وأخبروهن بعظيمِ فضلِ العفافِ والطهر .

اللهم قِنا شرَّ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطَن عن بلدِنا هذا خاصَّةً ، وعن كافةِ بلادِ المُسلمينَ عامَّةً يا ربَّ العالمينَ  .

اللهُمَّ أعنَّا جَمِيعَاً على أَدَاءِ الأمَانَةِ , وَوفِقّْنا لحُسْنِ القِوَامَةِ والرِّعايَةِ .

رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.

اللهمَّ إهدِنا لأحسن الأقوالِ والأعمالِ والأخلاقِ واصرفْ عَنَّا سَيِّئَهَا يا ربَّ العالَمينَ .

اللَّهُمَّ أعزَّ الإسلامَ والْمسلمين في كلِّ مكانٍ ، اللهم وعليك بأعداء الدِّينِ في كل مكان .

اللهمَّ وفِّق ولاةَ أمورنا لِمَا تحبُّ وترضى وأعنهُم على البِرِّ والتقوى ، وَاجْزِهِمْ خَيرًا عَلى خِدْمَةِ الإسْلامِ وَالْمُسْلِمِينَ . اللهم اغفر لنا ولوالدِينا والْمسلمينَ أجمعينَ .

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .

( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ).

 

المرفقات

1765468208_المرأة في الإسلام.docx

المشاهدات 495 | التعليقات 0