المرأةُ في الإسلامِ؛ حقوقٌ محفوظةٌ، ومكانةٌ مرفوعَةٌ
عبدالمحسن بن محمد العامر
الحمدُ للهِ خلقَ الذَّكرَ والأنثى، مِنْ نُطفَةٍ إذا تُمْنى، وأشهدُ ألا إله إلا اللهُ العليُّ الأَعلى، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ اختصَّهُ اللهُ بالإسراءِ، والعروجِ إلى الرَّبِّ المَوْلى؛ صلى اللهُ وسلَّمَ عليه ما ليلٌ سجى، وما غيمٌ سرى، وعلى آلِه وصَحْبِه أولي النُّهى، وعلى التّابعينَ ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ المنتَهى.
أمّا بعدُ فيا عبادَ اللهِ: أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ تعالى، فالتقوى زادُ السائرينَ إلى اللهِ، ولِباسُ ال الموَحِدينَ العابديْنَ؛ "وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ"
معاشرَ المؤمنينَ: لقد نالتِ المرأةُ في الإسلامِ مكانةً لمْ تَنَلْهَا امرأةٌ في أيِّ أمَّةٍ مِنَ الأممِ، فالإسلامُ حفظَ حقوقَها، وأعلى شأنَها، وحقَّقَ كرامتَها، وشرَّفها أيَّمَا شَرَفٍ، وألْبَسَهَا لِباسَ الأَمنِ؛ ففي القرآنِ الكريمِ سُمّيتْ سُورٌ بِالنساءِ، ومَرْيَمَ، والمجادِلَةِ، والمُمْتَحَنَةِ، وأكْثَرَ اللهُ في القرآنِ مِنْ القَصَصِ التي كانتِ النِّساءُ في أحداثِها عُنصراً أساسيَّا، فَقَصَّ اللهُ قِصَّةَ مريمَ، وقِصَّةَ أمِّ موسى، وقصَّةَ البِنْتَيْنِ الّلتِيْنِ وَجدَهُمَا مُوسى ــ عليه السلامُ ــ تَذودَانِ غنمَهُمَا، وقصَّةَ امرأةِ فِرْعَونَ، وغيرَها مِنَ القصصِ.
كما جاءَ القرآنُ بِتَبْرِئةِ أمِّ المؤمنينَ عائشةَ ــ رضي اللهُ عنها ــ مِنْ حادِثةِ الإفكِ، وسمِاعِ اللهِ قولَ المُجادِلةِ التي تشتكي إلى اللهِ، وغيرِ ذلكَ مِنْ الأحداثِ، والأَحْكَامِ الّتي خَصَّ اللهُ بِها المَرْأةَ وذَكَرَها ذِكْراً مباشراً.
معاشرَ المؤمنينَ: لقدْ صَانَ الإسلامُ المَرأةَ وحَفِظَهَا طِفْلَةً مَوْلُوْدَةً، فَحَرَّمَ قَتْلَها ووَأْدَها فقالَ تعالى: "وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ*بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ" وقالَ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ حَرَّمَ علَيْكُم: عُقُوقَ الأُمَّهاتِ، ووَأْدَ البَناتِ، ومَنْعًا وهاتِ" رواه البخاريُّ ومسلمٌ عنِ المغيرةَ بنِ شُعْبَةَ رضيَ اللهُ عنه.
وحَثَّ الإسلامُ على تَرْبِيَتِهَا فتاةً يافعَةً، وشابَّةً صَغِيرَةً، وبيّنَ عَظِيمَ الأجرِ في رعايَتِها وإعالَتِها؛ قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "مَن كانَ لَهُ ثلاثُ بَناتٍ فَصَبرَ عليهنَّ، وأطعمَهُنَّ، وسقاهنَّ، وَكَساهنَّ مِن جِدَتِهِ كنَّ لَهُ حجابًا منَ النَّارِ يومَ القيامَةِ" رواهُ ابنُ ماجه عنِ عُقبَةَ بنِ عامرٍ رضيَ اللهُ عنهُ، وصحَّحَهُ الألبانيُّ، وقالَ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ: " مَن عالَ جارِيَتَيْنِ حتَّى تَبْلُغا، جاءَ يَومَ القِيامَةِ أنا وهو وضَمَّ أصابِعَهُ" رواهُ مُسلمٌ عن أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه.
كَمَا أوصَى بِها الإسلامُ وهي امرأةً ناضجَةً، وزَوجةً مَسْؤُلَةً؛ قالَ تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" وقالَ سبحانَه: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ" وقالَ صلّى اللهُ عليه وسلَمَ: "واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا" رواهُ البخاريُّ عنِ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ.
وقدَّمَ الإسلامُ حقَّها بالبِرِّ، والإحسانِ؛ في حالِ أُمُومَتِها وكِبَرِ سِنِّها، وجعَلَ حَقَّهَا أَعْظَمُ مِنْ حقِّ الأَبِ؛ عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ" رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ.
ومِنْ عَدْلِ الإسلامِ، وإنصافِه، وواقِعيَّتِهِ؛ أنَّه أمَرَ الرَّجُلَ بالصَّبرِ على الزوجَةِ التي لمْ تَكْمُلْ في عَيْنِ زوجِها، ولمْ يُحِبَّها حبَّاً بيِّناً، وجَاءَ التَّوْجِيْهُ النَّبَويُّ مُوضِّحاً لِلحَالةِ البَشَرِيَّةِ الّتي لا تَنْفَكُّ عَنْ أَحَدٍ؛ قالَ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لَا يَفْرَكْ ــ أي: لا يَكْرَهْ ولا يُبْغِضْ ــ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ، أَوْ قالَ: غَيْرَهُ" رواه مسلمٌ عنْ أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه.
ومِنْ عَدْلِ الإسلامِ، وإنصافِه، وواقِعيَّتِهِ ــ أيضاً ــ أنْ جَعَلَ الأهلَ أوْلَى بِخَيْرِ الرّجلِ وفَضْلِهِ وإحسانِه وعَطائِه؛ وأَخَصُّ الأَهلِ؛ الزَّوجَةُ؛ قالَ عليه الصّلاةُ والسلامُ: "خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ وأَنا خيرُكُم لأَهْلي" رواهُ التّرمذيُّ عن أمِّ المؤمنينَ عائشةَ ــ رضيَ اللهُ عنها ــ وصحّحَهُ الألبانيُّ، وقالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: " أكْملُ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهُم خلقًا، وخِيارُكُم خِيارُكُم لِنسائِهِم " رواهُ التّرمذيُّ عنْ أبي هريرَةَ رضيَ اللهُ عنه، وصحَّحه الألبانيُّ.
باركَ اللهُ لي ولكم بالكتابِ والسنّةِ، ونفعنا بما صرّفَ فيهما من الآياتِ والحكمةِ.
أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم؛ إنَّه كانَ غفَّاراً.
الخطبةُ الثَّانيةُ:
الحمدُ للهِ على نعمَةِ الإسلامِ، والشّكرُ له على النِّعمِ العِظَامِ، وأشهدُ ألا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له المَلِكُ العَلَّامُ، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُهُ ورَسُولُهُ خيرُ مَنْ حجَّ وصامَ، وأَعْبَدُ مَنْ صلّى وقامَ، وعلى آله وصحبِه الكرامِ، وعلى التّابعينَ ومَنْ تَبِعَهم واستقامَ، إلى يومِ البعثِ والقيامِ.
أمّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ: اتقوا اللهَ: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"
معاشرَ المؤمنينَ: ومِنْ عَدْلِ الإسلامِ، في شُؤونِ المَرأةِ وإنصافِه، وواقِعيَّتِهِ ــ أيضاً ــ أنّه حرَّمَ العَضْلَ بِأنواعِهِ؛ فحرّمَ عَضْلَ المَنْعِ مِنَ الزواجِ ابتداءً؛ فرويَ عنه صلى اللهُ عليه وسلّمَ أنَّهُ قالَ: " إذا خَطَبَ إليكم مَن تَرْضَوْنَ دِينَه وخُلُقَهُ، فزَوِّجُوهُ؛ إلّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأَرضِ وفَسَادٌ عَرِيضٌ" رواه الترمذيُّ وحسّنَه الألبانيُّ، قال النَّوويُّ ــ رحِمَهُ اللهُ ــ : (العَضْلُ حرامٌ بِنَصِّ القُرآنِ، وإجماعِ المُسلمينَ) وقالَ ابنُ تيميَّةَ ــ رحِمَهُ اللهُ ــ : (أَجْمَعَ المُسلِمونَ على أنَّ الوَليَّ لا يَجوزُ له عَضْلُ المَرأةِ إذا طَلَبتِ النِّكاحَ مِنْ كُفؤٍ)
وحرَّمَ الإسلامُ عَضْلَ الرُّجوعِ للزّوجِ بَعدَ الطَّلاقِ الرَّجعيِّ؛ قالَ تعالى: "وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ"
وحرَّمَ الإسلامُ عَضْلَ الزَّوجِ زوجتَه فيَحْبِسُ زوجتَهُ في عِصْمَتِهِ وهوَ لا يُريدُهَا، أو يكونُ عاجزاً عنْ أداءِ حقوقِها، يُريدُ بِعضْلِهَا مُضَارَّتَها، أوِ افتِدَاءِ نَفْسِهَا بِمَالٍ تَبْذُلُه لَهُ، فَيُؤذِيْهَا، ولا يُحْسِنُ عِشْرَتَهَا، ولا يُعْطِيْهَا حُقُوقَها، لأجلِ أنْ تَرُدَّ عليهِ مَهْرَهُ أو بَعْضَهُ؛ لِتَتَخَلَّصَ مِنْ عَذَابِهِ، وَهذهِ دَنَاءَةٌ لا يَفْعَلُهَا إلَّا أَرَاذِلُ النَّاسِ، فَنَهى اللهُ تعالى الأزواجَ عن ذلك؛ تكريماً للمرأةِ، ورعايةً لحقوقِها فقالَ سبحانَه: "وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"
ومِنْ عَدْلِ الإسلامِ، في شُؤونِ المَرأةِ وإنصافِه، وواقِعيَّتِهِ ــ أيضاً ــ أنّه حَفِظَ حَقَّها في المِيْراثِ حِفْظَاً دَقِيْقَاً، وأعْطَاهَا نصيباً مفروضاً، قَسَمَهُ اللهُ بذاتِه؛ قالَ تعالى: "لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا" فَمَالُ الإرْثِ ليسَ مُقَابِلَ مُعَاوَضَةٍ عنْ عَمَلٍ، ولا غَيرِهِ، وإنَّمَا هو مِنْحَةٌ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ للوَارِثِ بِسَبَبٍ مِنْ مُوَرِّثِهِ، وَيَجِبُ أنْ يُعْلَمَ بِأَنَّ أَحْكَامَ الفَرَائِضِ المُقَرَّرَةِ في الكتَابِ أوِ السنَّةِ أوِ الإجماعِ؛ يَجِبُ الالتزامُ بِهَا، وَعَدَمُ الخروجِ عَنْهَا بأيِّ مُبرِّرٍ كانَ، وقد قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "اللَّهمَّ إنِّي أحرِّجُ حقَّ الضَّعيفينِ: اليتيمِ ، والمرأَةِ" رواهُ الإمامُ أحمدُ وابن ماجه وحسّنَهُ الألبانيُّ.
هذا وصلوا وسلّموا ..
المرفقات
1765435911_المرأةُ في الإسلامِ؛ حقوقٌ محفوظةٌ، ومكانةٌ مرفوعَةٌ.docx