المناعة من التفاهة

راكان المغربي
1447/05/15 - 2025/11/06 08:43AM

المناعة من التفاهة

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إنَّ الحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، أما بعد:

فَمِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ الْعَصْرَ الَّذِي نَعِيشُهُ هُوَ عَصْرٌ فَرِيدٌ مِنْ نَوْعِهِ. تَفَجَّرَتْ فِيهِ الصِّنَاعَةُ، وَتَقَدَّمَتْ فِيهِ الْعُلُومُ، وَبَزَغَ فِيهِ فَجْرُ التِّقْنِيَّةِ لِتُنْتِجَ لَنَا مَا لَمْ يَكُنْ يَتَخَيَّلُهُ الْعَقْلُ الْبَشَرِيُّ فِي الْأَزْمَانِ الْغَابِرَةِ. وَقَدْ أَنْتَجَ هَذَا التَّقَدُّمُ الْحُلْوَ وَالْمُرَّ، وَالْخَبِيثَ وَالطَّيِّبَ، وَالصَّالِحَ وَالطَّالِحَ.

وَمِنْ مَرِيرِ مُنْتَجَاتِ التِّقْنِيَّةِ الْحَدِيثَةِ ظَاهِرَةُ "التَّفَاهَةِ". فَقَدْ أَتَاحَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الْاجْتِمَاعِيِّ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْمُجْتَمَعِ مِنْبَرًا يَبُثُّ فِيهِ مَا يَشَاءُ. فَتَقَلَّدَ تِلْكَ الْمَنَابِرَ التَّافِهُونَ الَّذِينَ يُصْدِّرُونَ السُّخْفَ، وَيُتَاجِرُونَ بِالسَّفَهِ. يَتَبَضَّعُونَ اللَّعِبَ أَوِ الْأَكْلَ أَوِ الرَّقْصَ أَوِ الـمَقَالِبَ أَوِ التَّهْرِيجَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَبِذَلِكَ يَصِيرُونَ رُؤُوسَ النَّاسِ، فَيَنَالُونَ الشُّهْرَةَ، وَيُحَصِّلُونَ الْجَاهَ، وَيَكْسِبُونَ الْأَمْوَالَ.

يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ ابْنُ لُكَعٍ)

وَاللُّكَعُ هُوَ الصَّغِيرُ فِي الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ، فَيُخْبِرُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ الَّذِي يَحُوزُ الْمَنَاصِبَ وَالْأَمْوَالَ وَالْغِنَى هُوَ التَّافِهُ فِي عِلْمِهِ وَعَقْلِهِ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ يَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ).

فَالرُّوَيْبِضَةُ هُوَ الرَّابِضُ الْقَاعِدُ عَنْ مَعَالِي الْأُمُورِ، وَالتَّافِهُ هُوَ الْحَقِيرُ الْخَسِيسُ الَّذِي لَا قِيمَةَ لَهُ، فَيُخْبِرُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيَأْتِي الزَّمَنُ الَّذِي يَنْطِقُ فِيهِ التَّافِهُونَ، وَيَتَحَدَّثُونَ فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ، وَشُؤُونِ النَّاسِ، وَهُمْ لَا عِلْمَ لَهُم وَلَا بَصِيرَة.

وَهَذَا وَصْفٌ نَبَوِيٌّ دَقِيقٌ لِلْوَاقِعِ، فَتَجِدُ أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ بِالْهُرَاءِ، فَيَحُوزُونَ مَلَايِينَ الْمُشَاهَدَاتِ وَالْإِعْجَابَاتِ وَالْمُتَابَعَاتِ.

وَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ التَّافِهُونَ هُمْ مَصَادِرَ الْمَعْرِفَةِ، وَهُمُ الْقُدْوَاتُ الَّذِي يُشَارُ إِلَيْهِمْ بِالْبَنَانِ، فَيَلْتَفُّ الْجِيلُ حَوْلَهُمْ، وَيَلْهَثُ وَرَاءَهُمْ، فَمَاذَا تَتَوَقَّعُونَ النَّتَائِجَ الْمَرْجُوَّةَ؟

غَثَائِيَّةٌ تُقْعِدُ بِشَبَابِ الْأُمَّةِ عَنِ الْمَعَالِي، فَيُصْبِحُ غَايَةُ هَمِّهِمْ تَقْلِيدَ فُلَانٍ، وَمُحَاكَاةَ عَلَّانَ. وَتُصْبِحُ أَكْبَرُ أَحْلَامِهِمُ الْوُصُولُ إِلَى الشُّهْرَةِ وَلَوْ بِالسُّخْفِ وَالتَّفَاهَةِ. مَعَ تَدَنٍّ فِي الْمُسْتَوَى الْمَعْرِفِيِّ، وَهُبُوطٍ فِي الْمُسْتَوَى الْأَخْلَاقِيِّ.

أَمَا رَأَيْتُمْ عَشَرَاتِ الْمَقَاطِعِ الَّتِي تُظْهَرُ تَجَمْهُرَ الْفَتَيَاتِ وَالشَّبَابِ وَصُرَاخَهُمْ حَوْلَ التَّافِهِينَ وَالتَّافِهَاتِ، فَيَقْطَعُونَ الْمَسَافَاتِ الطَّوِيلَةَ، لِيَنَالُوا مِنْ ذَلِكَ التَّافِهِ نَظْرَةً، أَوْ يَحْظَوْا بِصُورَةٍ. فَإِذَا حَصَلُوا عَلَى ذَلِكَ رَأَوْا أَنْفُسَهُمْ أَنَّهُمْ حَقَّقُوا أَغْلَى الْأَمَانِي، وَفَازُوا بِأَعْظَمِ الْأَرْبَاحِ!!

هَذَا مَشْهَدٌ وَاحِدٌ ضِمْنَ آلَافِ الْمَشَاهِدِ الَّتِي تُبَيِّنُ لَنَا خُطُورَةَ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ، وَلِذَا فَإِنَّ الْأَمْرَ جِدٌّ وَلَيْسَ بِالْهَزْلِ، فَإِنْ لَمْ يُتَدَارَكِ الْجِيلُ وَيُحْمَ مِنْ تَأْثِيرِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ، فَسَتَكُونُ النَّتَائِجُ وَخِيمَةً عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، وَالْفِكْرِ وَالسُّلُوكِ، وَالدِّينِ وَالدُّنْيَا.

وَلِذَا فَإِنَّنَا نَضَعُ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بَعْضَ التَّوْصِيَاتِ الْعَمَلِيَّةِ الَّتِي نَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَا يُقَوِّي الْمَنَاعَةَ ضِدَّ التَّفَاهَةِ فِي أَنْفُسِنَا وَأَهْلِينَا وَأَوْلَادِنَا وَبَنَاتِنَا.

أَوَّلُ التَّوْصِيَاتِ: مَلْءُ الْفَرَاغِ وَشَغْلُ الْوَقْتِ بِالْأَعْمَالِ الْمُثْمِرَةِ وَالْبَرَامِجِ الْهَادِفَةِ، الَّتِي تَرْسُمُ لِلْمَرْءِ غَايَةً سَامِيَةً، فَيَبْذُلُ وَقْتَهُ وَجُهْدَهُ وَفِكْرَهُ لِتَحْقِيقِهَا. وَحِينَئِذٍ فَسَيَكُونُ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنِ الِانْحِطَاطِ عَنْ تِلْكَ الْغَايَاتِ الْعُلْيَا إِلَى مُنْحَدَرَاتِ التَّفَاهَةِ.

ذَاكَ الشَّابُ الَّذِي يَلْتَحِقُ بِحَلَقَاتِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ، فَيَرْتَقِي فِيهَا بِاهْتِمَامَاتِهِ، وَيَسْمُو بِأَخْلَاقِهِ، وَتَجْعَلُ وَقْتَهُ وَجُهْدَهُ مُنْصَبًّا عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ حِفْظًا وَفَهْمًا وَتَعَاهُدًا. هَلْ تَظُنُّونَ أَنَّهُ سَيَجِدُ وَقْتًا لِمُتَابَعَةِ (التَّرَنْدَاتِ)، وَاللَّهْثِ وَرَاءَ الْمَشَاهِيرِ؟!

تِلْكَ الْفَتَاةُ الَّتِي الْتَحَقَتْ بِبَرَامِجَ عِلْمِيَّةٍ، فَتَقْضِي يَوْمَهَا فِي قِرَاءَةِ كِتَابٍ، أَوْ سَمَاعِ مُحَاضَرَةٍ، أَوْ تَلْخِيصِ دَرْسٍ، هَلْ تَظُنُّونَ أَنَّ هَمَّهَا الْأَكْبَرَ سَيَكُونُ الِانْسِيَاقَ وَرَاءَ آخِرِ صَيْحَاتِ الْمَوْضَةِ، وَأَحْدَثِ عَمَلِيَّاتِ التَّجْمِيلِ؟!

فَيَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ احْرِصُوا عَلَى مَا يَنْفَعُكُمْ، وَيَا مَعْشَرَ الْآبَاءِ ارْعَوْا أَبْنَاءَكُمْ وَبَنَاتِكُمْ، وَلْتَتَحَمَّلُوا الْمَسْؤُولِيَّةَ بِأَنْ تَشْغَلُوهُمْ بِالنَّافِعِ وَالْمُفِيدِ، فَفِي ذَلِكَ أَعْظَمُ مَنَاعَةٍ ضِدَّ التَّفَاهَةِ.

ثَانِي التَّوْصِيَاتِ: مُقَاطَعَةُ التَّافِهِينَ، وَعَدَمُ مُتَابَعَتِهِمْ، فَضْلًا عَنِ التَّفَاعُلِ مَعَهُمْ وَنَشْرِ أَخْبَارِهِمْ. إِنَّ مَنْ يُتَابِعُهُمُ الْمَرْءُ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ مِمَّنْ يُشَاهِدُ حَالَاتِهِمْ، وَيَقْرَأُ مَنْشُورَاتِهِمْ، هَؤُلَاءِ هُمُ الرُّفَقَاءُ الْجُدُدُ، وَالصُّحْبَةُ الْاِفْتِرَاضِيَّةُ، الَّذِينَ يَنَامُ مَعَهُمْ وَيَسْتَيْقِظُ، فَلْيَخْتَرِ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ مَا يَنْفَعُهُ وَيَرْفَعُهُ وَيُرَقِّيهِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَلْيَحْذَرْ مِمَّنْ يَجُرُّهُ وَيَضُرُّهُ وَيُسْقِطُهُ فِي أَوْحَالِ السُّخْفِ وَالتَّفَاهَةِ.

ثَالِثُ التَّوْصِيَاتِ لِتَقْوِيَةِ الْمَنَاعَةِ ضِدَّ التَّفَاهَةِ: الْاِرْتِبَاطُ بِالْقُدْوَاتِ الصَّالِحَةِ، مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ، بِالْقِرَاءَةِ فِي سِيَرِهِمْ، وَمُدَارَسَةِ أَخْبَارِهِمْ، وَتَتَبُّعِ خُطَاهُمْ.

فَمَا أَجْمَلَ أَنْ تَجْتَمِعَ الْأُسْرَةُ عَلَى مُدَارَسَةِ كِتَابٍ فِي قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ، أَوِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ، أَوْ سِيَرِ الصَّحَابَةِ. إِنَّ الْمَرْءَ حِينَ يَتَعَرَّفُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ النَّمَاذِجِ، فَإِنَّهُ سَيُبْصِرُ جِبَالًا شَاهِقَةً فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالْأَخْلَاقِ، وَحِينَئِذٍ لَنْ يَنْظُرَ إِلَى الدُّونِ، وَلَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى الْحُفَرِ، وَسَتَكُونُ تِلْكَ الْجِبَالُ هِيَ النَّمَاذِجَ الْعُلْيَا الَّتِي يُحَاوِلُ أَنْ يَتَمَثَّلَهَا وَيَقْتَدِيَ بِهَا.

رَابِعُ التَّوْصِيَاتِ: الْاِقْتِصَادُ فِي اسْتِعْمَالِ التِّقْنِيَةِ، وَتَنْظِيمُ وَقْتِ الْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ فِي ذَلِكَ، وَعَدَمُ تَرْكِ الْحَبْلِ عَلَى الْغَارِبِ. فَإِنَّ وَسَائِلَ الْإِعْلَامِ الْمُفْسِدَةَ قَدْ أَتْقَنَتْ بِاحْتِرَافِيَّةٍ وَسَائِلَ الْجَذْبِ، وَطُرُقَ إِغْرَاقِ الشَّبَابِ، لِيُحَصِّلُوا مِنْهُمُ الْمَصَالِحَ وَالشُّهْرَةَ وَالْأَمْوَالَ. فَلْيَكُنِ اسْتِعْمَالُ التِّقْنِيَةِ بِقَدْرٍ مَحْسُوبٍ، وَلِغَرَضٍ نَافِعٍ، وَفِي حُدُودٍ مُنْضَبِطَةٍ تُرْضِي اللَّهَ وَتُرَقِّي النَّفْسَ لَا تُرْدِيهَا فِي مُنْحَدَرَاتِ التَّفَاهَةِ.

خَامِسُ التَّوْصِيَاتِ: غَرْسُ الْإِيمَانِ فِي النُّفُوسِ، وَبِنَاءُ الْعَقِيدَةِ الرَّاسِخَةِ الَّتِي تُورِثُ مُرَاقَبَةَ اللَّهِ، وَتَعْظِيمَ حُرُمَاتِهِ، وَالْحَيَاءَ مِنْهُ. فَمَتَى اِسْتَقَرَّ الْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ، اِسْتَحْيَا الْعَبْدُ أَنْ يُضَيِّعَ أَوْقَاتَهُ فِي مَا لَا يَنْفَعُ، أَوْ أَنْ يُظْهِرَ مَا يُسْخِطُ اللَّهَ لِأَجْلِ نَيْلِ رِضَا النَّاسِ. إنَّ الْإِيمَانَ هُوَ السُّورُ الْحَصِينُ الَّذِي يَحْمِي الشَّابَّ وَالْفَتَاةَ مِنَ الاِنْسِيَاقِ خَلْفَ الزَّيْفِ وَالزُّخْرُفِ، وَهُوَ النُّورُ الَّذِي يُبَصِّرُهُمْ بِطَرِيقِ الْهِدَايَةِ وَالرُّشْدِ.

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ، أَمَّا بَعْدُ:

يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا)

فَأَقْبِلُوا إِلَى مَحَابِّ اللَّهِ، وَاحْذَرُوا مَا يَكْرَهُ، وَلَا يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ بِأَنْ يَرْضَى بِأَنْ تَكُونَ مِنَ الْقَطِيعِ اللَّاهِثِ وَرَاءَ السُّخْفِ وَالتَّفَاهَةِ.

فِي كُلِّ إِنْسَانٍ مِنَّا كُنُوزٌ مَكْنُونَةٌ، وَمَوَاهِبُ مَدْفُونَةٌ، وَطَاقَاتٌ كَامِنَةٌ، مَتَى مَا أُتِيحَ لَهَا الْمَجَالُ ظَهَرَتْ عَلَى السَّطْحِ، فَعَمَّ نَفْعُهَا، وَعَظُمَتْ فَائِدَتُهَا، وَرَأَى الْإِنْسَانُ ثَمَرَتَهَا فِي نَفْسِهِ وَمَنْ حَوْلَهُ، وَفِي حَاضِرِهِ وَمُسْتَقْبَلِهِ، وَفِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ

إِنَّ أُمَّتَنَا الْيَوْمَ تُعَانِي الضَّعْفَ فِي شَتَّى الْمَجَالَاتِ، وَهِيَ بِحَاجَةٍ إِلَى أَقْوِيَاءَ مِنْ أَبْنَائِهَا يَأْخُذُونَهَا بِالْجِدِّ وَيَنْقُلُونَهَا إِلَى مُقَدِّمَةِ مَصَافِّ الْأُمَمِ كَمَا كَانَتْ مِنْ قَبْلُ، وَمَنْ لِلْإِسْلَامِ إِنْ لَمْ نَكُنْ نَحْنُ؟!

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ).

فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقُوَّةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَنَا وَأَسْمَاعَنَا وَأَبْصَارَنَا مِنْ كُلِّ زَيْفٍ وَتَفَاهَةٍ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا مُرَاقَبَتَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ.

اللَّهُمَّ احْفَظْ شَبَابَنَا مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَاصْرِفْ عَنْهُمْ رُفَقَاءَ السُّوءِ، وَشُرُورَ الشَّاشَاتِ، وَمَزَالِقَ الشَّهَوَاتِ، وَارْزُقْهُمْ صُحْبَةَ الصَّالِحِينَ، وَمُجَالَسَةَ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ.

 

المرفقات

1762407791_المناعة من التفاهة.pdf

1762407801_المناعة من التفاهة.docx

المشاهدات 120 | التعليقات 0