الهداية نور القلوب وطريق النجاة
إبراهيم بن سلطان العريفان
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ
فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْهِدَايَةَ نِعْمَةٌ عُظْمَى يَمُنُّ اللَّهُ بِهَا عَلَىٰ عِبَادِهِ، فَهِيَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ، وَنُورُ الْبَصَائِرِ، وَطَرِيقُ النَّجَاةِ، قَالَ تَعَالَىٰ ]فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ[.
وَقَدْ كَانَ نَبِيُّكُمْ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: (اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ: (وَمَا يُؤَمِّنُنِي، وَالْقَلْبُ بَيْنَ إِصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمٰنِ يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يَشَاءُ).
يَا عِبَادَ اللَّهِ، تَدَبَّرُوا قِصَّةَ الْخَلِيلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ نَظَرَ فِي الْكَوْنِ بَاحِثًا عَنْ رَبِّهِ فَقَالَ (فَلَمَّا رَأَى الْكَوْكَبَ قَالَ هٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ[ حَتَّىٰ قَالَ فِي نِهَايَةِ الطَّرِيقِ ]إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[.
وَتَأَمَّلُوا سِيرَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t، خَرَجَ مُتَوَشِّحًا سَيْفَهُ يُرِيدُ قَتْلَ النَّبِيِّ ﷺ، فَسَمِعَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ طٰهٰ، فَرَقَّ قَلْبُهُ، وَسَالَتْ دُمُوعُهُ، وَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ مُسْلِمًا، فَصَارَ مِنْ أَعْظَمِ رُكْنَيْنِ لِلْإِسْلَامِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ.
يَا مُسْلِمُونَ.. إِنَّ لِلْهِدَايَةِ أَسْبَابًا مَظْهُورَةً، مِنْ أَعْظَمِهَا: صِدْقُ التَّوَجُّهِ إِلَى اللَّهِ، وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ بِتَدَبُّرٍ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ، وَكَثْرَةُ الدُّعَاءِ بِالثَّبَاتِ، وَتَرْكُ الذُّنُوبِ الَّتِي تُطْفِئُ نُورَ الْقَلْبِ. قَالَ تَعَالَىٰ ]وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا[.
وَهٰذَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، كَانَ قَاطِعَ طَرِيقٍ، فَسَمِعَ رَجُلًا يَتْلُو ]أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ[ فَقَالَ: بَلَىٰ، وَاللَّهِ قَدْ آنَ، فَتَابَ وَصَارَ إِمَامًا مِنْ أَئِمَّةِ الزُّهَّادِ. فَسُبْحَانَ مَنْ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَيَهْدِي القُلُوبَ مِنْ بَابِ الظُّلْمَةِ إِلَى بَابِ النُّورِ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ.
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَاطْلُبُوا الْهِدَايَةَ مِنْ رَبِّكُمْ، وَثَابِرُوا عَلَىٰ طَاعَتِهِ، وَاحْذَرُوا الذُّنُوبَ وَالْغَفْلَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَىٰ قَالَ ]وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ[.
اللَّهُمَّ يَا هَادِيَ الضَّالِّينَ، وَيَا مُثَبِّتَ الْقُلُوبِ، نَسْأَلُكَ هِدَايَةً لَا نَضِلُّ بَعْدَهَا أَبَدًا، اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا وَنُورَ صُدُورِنَا، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِعَدْلِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ.. اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ التُّقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْهِدَايَةَ مَطْلَبُ كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَغَايَةُ كُلِّ صَادِقٍ، وَلِذٰلِكَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَدْعُوَ فَيَقُولَ: (اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي) وَكَانَ يَدْعُو لِأَصْحَابِهِ فَيَقُولُ: (اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وَسَدِّدْ لِسَانَهُ).
إِنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَاقِلَ يَخَافُ عَلَىٰ نَفْسِهِ أَنْ تَزِيغَ بَعْدَ الْهُدَىٰ، وَيَسْأَلُ رَبَّهُ الثَّبَاتَ حَتَّىٰ يَلْقَاهُ عَلَىٰ الْإِيمَانِ. وَكَمْ مِنْ قَلْبٍ كَانَ نَيِّرًا فَأَظْلَمَ، وَكَمْ مِنْ نَفْسٍ كَانَتْ مُقْبِلَةً فَأَدْبَرَتْ، فَاسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَاسْأَلُوهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْتَمِرُّ عَلَىٰ طَرِيقِ الْهُدَىٰ وَلَا يَزِيغُ قَلْبُهُ بَعْدَ إِذْ هَدَاهُ.
يَا أَحِبَّةَ الْإِيمَانِ.. تَذَكَّرُوا أَنَّ الْهِدَايَةَ نِعْمَةٌ تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ، فَاشْكُرُوا اللَّهَ عَلَيْهَا بِالثَّبَاتِ وَالطَّاعَةِ وَالدُّعَاءِ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ ]لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ[ فَمَنْ شَكَرَ عَلَى الْهِدَايَةِ زَادَهُ اللَّهُ نُورًا وَثَبَاتًا وَتَوْفِيقًا.
اللَّهُمَّ يَا هَادِيَ الْحَائِرِينَ، وَيَا دَلِيلَ الْمُتَحَيِّرِينَ، وَيَا نُورَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِينَ، اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنَا وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ مَا قَضَيْتَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، وَارْزُقْنَا الْإِخْلَاصَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَثَبِّتْنَا عَلَىٰ طَاعَتِكَ حَتَّىٰ نَلْقَاكَ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ قُلُوبَنَا، وَنَقِّ نُفُوسَنَا، وَاغْفِرْ ذُنُوبَنَا، وَارْفَعْ عَنَّا الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ وَالْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. اللَّهُمَّ اهْدِ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ، وَرُدَّهُمْ إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَوَفِّقْ وُلَاةَ أُمُورِنَا لِمَا فِيهِ خَيْرُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَىٰ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المرفقات
1761846425_الهداية نور القلوب وطريق النجاة.pdf
1761846438_الهداية نور القلوب وطريق النجاة.docx
 
                             
                             
             
             
             
             
                                 
                 
                     
                     
                         
                         
                     
                