بر الوالدين
الشيخ د عصام بن عبدالمحسن الحميدان
بسم الله الرحمن الرحيم
بر الوالدين
الخطبة الأولى:
الحمد لله أمر بأداء الحقوق، وحرم العقوق، ومنع الكفر والفسوق، وأرسل الصادق المصدوق، عظم شأن بر الآباء والأمهات، وأعلى شأن البارين في الحياة وبعد الممات، وتوعّد الجاحدين للوفاء بالعقاب والطرد من الجنات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العرش رفيع الدرجات، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أكرم المخلوقات، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أولي الفضل والمكرمات.
إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]؛ أما بعد:
أيها الناس: إِنَّ رِضَا الله فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، يَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مِنْ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، فِيهَا الأَمْرُ بِعِبَادَةِ الله وَحْدَهُ، مَقْرُونًا بِهَا الإِحْسَانُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ؛ كَقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وَقَوْلِهِ: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).
وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ مُرَّةَ الْجُهَنِيُّ -رَضِيَ الله عَنْهُ- أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، شَهِدْتُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ الله، وَصَلَّيْتُ الْخَمْسَ، وَأَدَّيْتُ زَكَاةَ مَالِي، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا -وَنَصَبَ أُصْبُعَيْهِ- مَا لَمْ يَعُقَّ وَالِدَيْهِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ثَلاَثُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَقْرُونَةً بِثَلاَثٍ لاَ تُقْبَلُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ بِغَيْرِ قَرِينَتِهَا: إِحْدَاهَا: قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)؛ فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَلَمْ يُطِعِ الرَّسُولَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)؛ فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يُزَكِّ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)؛ فَمَنَ شَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يَشْكُرِ الْوَالِدَيْنِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ.
عباد الله: وَلَيْسَ الأَمْرُ بِالإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الأُمَّةِ فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ إِلَهِيٌّ مُتَقَدِّمٌ، كَتَبَهُ الله عَلَى الأُمَمِ الَّتِي قَبْلَنَا؛ كَمَا أَثْنَى الله -تَعَالَى- عَلَى الأَنْبِيَاءِ، وَخَصَّ بِالذِّكْرِ مِنْهُمْ يَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلامُ- لأَنَّهُ كَانَ بَارًّا بِوَالِدَيْهِ عَلَى كِبَرِ سِنِّهِمَا؛ فَالْبِرُّ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، وَالْحَاجَةُ لا تَتَحَقَّقُ إِلاَّ فِي سِنِّ الشَّيْخُوخَةِ وَالضَّعْفِ؛ (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا)؛.
وهكذا امتدح الله عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلامُ- لِتَفَانِيهِ فِي خِدْمَةِ أُمِّهِ، وَاعْتِزَازِهِ بِبِرِّهَا، وَاعْتِرَافِهِ بِفَضْلِهَا، وَخَفْضِهِ لَهَا؛ (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا).
وقبلهما إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- بَلَغَ بِرُّهُ بِأَبِيهِ مَبْلَغًا عَظِيمًا، كَانَ يَدْعُو أَبَاهُ آزَرَ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُوهُ أَبُوهُ إِلَى النَّارِ، يَدْعُو أَبَاهُ إِلَى عِبَادَةِ الله وَحْدَهُ، وَهُوَ يَدْعُوهُ إِلَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ؛ كَمَا قَالَ الله -تَعَالَى-: (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) فَيَأْخُذُهُ إِبْرَاهِيمُ بِالْخُلُقِ وَالرِّفْقِ؛ (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي).
وَهَذَا أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ، عَاصَرَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَلَكِنَّهُ لَمْ يَرَهُ، فَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ، وَتَمَنَّى أَنْ يُهَاجِرَ إِلَيْهِ فِي الْمَدِينَةِ، غَيْرَ أَنَّ اهْتِمَامَهُ بِخِدْمَةِ أُمِّهِ أَقْعَدَهُ عَنِ الْهِجْرَةِ الْمُبَارَكَةِ؛ لأَنَّهُ طَمِعَ فِي مُرَافَقَةِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْجَنَّةِ بِسَبَبِ بِرِّهِ بِأُمِّهِ وَانْصِرَافِهِ إِلَى خِدْمَتِهَا وَلَوْ فَاتَتْهُ الصُّحْبَةُ الشَّرِيفَةُ فِي الدُّنْيَا وَرُؤْيَةُ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ؛ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟! حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ، فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ مُرَادٍ؟! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ثُمَّ مِنْ قَرْنٍ؟! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرْنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ"، فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغَفَرَ لَهُ.
عباد الله: إِنَّ عُمَرَ -رَضِيَ الله عَنْهُ- أَفْضَلُ مِنْ أُوَيْسٍ وَلاَ شَكَّ، غَيْرَ أَنَّ وَصِيَّةَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ أُوَيْسٍ الاسْتِغْفَارَ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ أُوَيْسٍ، وَعُلُوِّ مَقَامِهِ عِنْدَ الله -تَعَالَى-، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّ قَسَمَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ لِبِرِّهِ بِأُمِّهِ، وَزُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا وَإِعْرَاضِهِ عَنْهَا.
وَالأَمْرُ بِالإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ عَامٌّ مُطْلَقٌ، يَنْطَوِي تَحْتَهُ مَا يُرْضِي الابْنَ وَمَا لاَ يُرْضِيهِ، مِنْ غَيْرِ احْتِجَاجٍ، وَلاَ جِدَالٍ، وَلاَ مُنَاقَشَةٍ، وَهَذَا أَمْرٌ مُهِمٌّ جِدًّا، يَجِبُ الانْتِبَاهُ إِلَيْهِ؛ لأَنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَبْنَاءِ يَغْفُلُونَ عَنْهُ؛ إِذْ يَحْسَبُونَ أَنَّ الْبِرَّ فِيمَا يُعْجِبُهُمْ وَيُوَافِقُ رَغَبَاتِهِمْ، وَالْحَقِيقَةُ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ وَعَكْسِهِ؛ فَالْبِرُّ لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِيمَا يُخَالِفُ هَوَىَ الابْنِ، وَمُيُولَهُ، وَلَوْ كَانَ فِيمَا يُوَافِقُ هَوَاهُ لَمْ يُسَمَّ بَارًّا، لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمَانِ، وَالْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ الله عَنْهُمَا- قَالَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ لَهُ وَالِدَانِ مُسْلِمَانِ، يُصْبِحُ إِلَيْهِمَا مُحْتَسِبًا، إِلاَّ فَتَحَ الله لَهُ بَابَيْنِ -يَعْنِي مِنَ الْجَنَّةِ- وَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ فَوَاحِدٌ، وَإِنْ أَغْضَبَ أَحَدَهُمَا لَمْ يَرْضَ اللهُ عَنْهُ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ، قِيلَ: وَإِنْ ظَلَمَاهُ. قَالَ: وَإِنْ ظَلَمَاهُ"(حسنه الحافظ ابن حجر).
معاشر المسلمين: شُرُوطُ الْبِرِّ ثَلاَثَةٌ: الأَوَّلُ: أَنْ يُؤْثِرَ الْوَلَدُ رِضَا وَالِدَيْهِ عَلَى رِضَا نَفْسِهِ، وَزَوْجَتِهِ، وَأَوْلاَدِهِ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ.
الثَّانِي: أَنْ يُطِيعَهُمَا فِي كُلِّ مَا يَأْمُرَانِ بِهِ، وَيَنْهَيَانِهِ عَنْهُ، سَوَاءٌ وَافَقَ رَغَبَتَهُ، أَمْ لَمْ يُوَافِقْهَا، مَا لَمْ يَأْمُرَاهُ بِمَعْصِيَةِ الله -تَعَالَى-.
الثَّالِثُ: أَنْ يُقَدِّمَ لَهُمَا كُلَّ مَا يَلْحَظُ أَنَّهُمَا يَرْغَبَانِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَاهُ مِنْهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَسُرُورٍ، وَلَوْ بَذَلَ لَهُمَا مَالَهُ كُلَّهُ.
ورِضَا الْوَالِدَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى رِضَا الزَّوْجَةِ، وقد رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ الله عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ، وَكُنْتُ أُحِبُّهَا، وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا، فَقَالَ لِي: طَلِّقْهَا، فَأَبَيْتُ، فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "طَلِّقْهَا".
وكون الولد يتنازل عن رغبته إيثارا برغبة أبيه ونزولا عند رضاه؛ فذلك حسن وعاقبته إلى خير، وإن كان يقال أن عمر -رضي الله عنه- العدل التقي في الأصل ما كان ليأمر ولده بطلاق زوجته إلا لأنه يكرهها في ذات الله؛ لذا أمره النبي بطلاقها، ولو كان غير عمر ربما كان غير ذلك.
قلت ما سمعتم ولي ولكم فاستغفروا الله ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إلا هو إليه المصير، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه..
عباد الله: إن بعض الأَبْنَاءِ يقع في الْعُقُوقُ من غير أن يشعر، والعقوق إثمه عظيم، وحسبك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر، ولا منان"(رواه النسائي).
وللأسف -أيها الأخوة- نَجِدُ أَحَدَهُمْ لاَ يُنَفِّذُ أَمْرَ أُمِّهِ إِلاَّ إِذَا دَعَتْ عَلَيْهِ، وَرَفَعَتْ صَوْتَهَا عَلَيْهِ، وَلاَ يُلَبِّي طَلَبَ أَبِيهِ، إِلاَّ إِذَا عَبَسَ فِي وَجْهِهِ وَقَطَّبَ، وَمنهم من لاَ يَرْغَبُ فِي السَّكَنِ مَعَ وَالِدَيْهِ، لخدمتهما مع حاجتهما إليه.
أَيُّهَا الأَوْلادُ، أَيُّهَا الأَبْنَاءُ: رِضَا الْوَالِدَيْنِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، لَئِنْ كَانَ الْمَالُ ذُخْرًا فِي الدُّنْيَا، فَرِضَا الْوَالِدَيْنِ ذُخْرٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ فَالْوَالِدُ شَجَرَةٌ وَارِفَةٌ تَأْوِي إِلَى ظِلِّهَا، وَحِصْنٌ مَنِيعٌ تَلُوذُ بِهِ، وَسَيْفٌ قَاطِعٌ يَذُبُّ عَنْكَ، وَرَاعٍ يَحْمِيكَ، يُسْدِي إِلَيْكَ الْحِكْمَةَ الَّتِي تُبَصِّرُكَ بِشُؤُونِ دِينِكَ وَدُنْيَاكَ، فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَقَدْ خَسِرْتَ كُلَّ هَذِهِ النِّعَمِ، وَكَمْ نِعْمَةٍ لاَ يَعْرِفُ الْمَرْءُ قِيمَتَهَا إِلاَّ بَعْدَ زَوَالِهَا.
عباد الله: الأم نهر لا ينضب ولا يجفّ ولا يتعب، متدفّقة دائماً بالعطف الذي لا ينتهي، هي الصّدر الحنون الذي تشكو إليه همومك ومتاعبك، الأم هي التي تعطي ولا تنتظر أن تأخذ مقابل العطاء، وهي التي مهما حاولتَ أن تفعل وتقدّم لها فلن تستطيع أن تردّ جميلها عليك ولو بقدر ذرة صغيرة؛ لأنها سبب وجودك على هذه الحياة، كانت تُعطيك من دمها وعروقها وصحّتها حتى ولدت ونشأت صحيحاً سليماً.
اعلم -عبد الله- أن برّ الوالدين هو أقصر طريق إلى الجنة، وعقوقهما أسرع سبيل إلى النار، وكلاهما طريق تختاره بيدك، وتذكّر أن برّ أبنائك بك يبدأ من برّك بوالديك، فكما تبرّ تُبرّ، فالبرّ دين تؤديه اليوم لتجني ثماره غداً.
عباد الله: (إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وقال صلى الله عليه وسلم؛ "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي"، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللهم أمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل هذا البلد آمناً مباركاً وجميع بلاد المسلمين.
اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزائِمَ مَغْفِرَتِكَ، والسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إثمٍ، والغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، والفَوْزَ بالجَنَّةِ، والنَّجاةَ مِنَ النَّارِ.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل بلادنا آمنةً مطمئنة وسائر بلاد المسلمين.
المرفقات
1762215170_بر-الوالدين.pdf
1762227712_البركة.docx