تعظيم الصلاة وخطر تضييعها.
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
1447/02/06 - 2025/07/31 13:16PM
تعظيم الصلاة وخطر تضييعها.
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الوليِّ الحميد، المُتعالِ عن النقصِ والتبديد، أمرَ بالصلاةِ ووعدَ أهلها بالرفعةِ والمزيد، أحمدُهُ سبحانَهُ على ما أمرَ وهدى، وأشكرهُ على ما وفّقَ وأسدى، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، الكبيرُ المتعال، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِه، وسلَّمَ تسليمًا مزيدًا.
أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، وراقبوهُ آناءَ الليلِ وأطرافَ النهار، واعلموا أنَّ من أعظمِ القربات، وأجلِّ العبادات، الصلاة التي هي عمودُ الدين، وميزانُ الإيمان، والفارقُ بين المؤمنِ والكافرِ يومَ يقومُ الناسُ لربِّ العالمين.
> ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]
أيُّها المؤمنون!
الصلاةُ ليست حركاتٍ تُؤدَّى، ولا مجرد كلماتٍ تُتلى، إنما هي صلةٌ بين العبدِ وربِّه، وراحةُ قلبِه، وسكينةُ نفسِه، وطمأنينةُ روحِه. هي مفتاحُ الفلاح، وبابُ النجاح، وسببُ التوفيقِ والسعادةِ في الدنيا والآخرة.
الصلاةُ يا عبادَ الله، لا تُؤثّرُ في صاحبِها إلا إذا كانت صلاةَ قلبٍ قبلَ أن تكونَ صلاةَ بدن، صلاةَ خضوعٍ وخشوع، لا صلاةَ عادةٍ أو مجرد روتين. آه ممن يُصلي ولكنَّهُ لا يُصلي! لا يظهرُ للصلاةِ أثرٌ في أخلاقِه، ولا سلوكِه، ولا معاملاته! يُصلي، ولكنهُ يكذب، ويغش، ويخون، ويقطعُ الرحم، ويأكلُ الحرام!
> قالَ ابن مسعود رضي الله عنه :
"من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا.
[رواه أحمد]
الصلاةُ الحقّة، هي التي تُطهّرُ النفس، وتزكّي القلب، وتُهذّبُ السلوك. هي التي قال عنها ربُّنا:
> ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]
عبادَ الله!
أين نحنُ من المحافظة على الصلاة بالمساجد؟ أينَ شبابُنا عنها؟ كم من نائمٍ عنها، كم من غافلٍ عن أجرِها، كم من مُفرّطٍ في وقتها؟!
كم من جامعٍ للصلواتِ في الليلِ والنهار على عُذرِ النومِ والكسل!
كم من مؤذنٍ يُنادي: "حي على الصلاة" فمن يجيبه...!!؟؟؟؟
لا يجيبهُ إلا المشتاقون، المُحبّون، المُخلصون، الصادقون..
جعلني الله وإياكم منهم...
إلى ذلك الرجل المفرط في صلاته كم فاتك من الأجر والخير..
أمَا علِمتَ يا عبدَ الله أنَّ الصلاةَ رزقٌ؟! وأنَّ من حافظَ عليها، فُتِحت له أبوابُ الخير، وامتلأت حياتُهُ بركةً وسعادةً وتوفيقًا؟!
> قالَ رسولُ الله ﷺ:
"جُعلت قُرَّةُ عيني في الصلاة"
[رواه النسائي وصححه الألباني]
فهل وجدنا قُرّةَ أعينِنا في الصلاة؟!
هل نُصلي كما كان الحبيبُ ﷺ يُصلي؟ يعيشُ تفاصيلَها، يُناجي فيها ربَّه، يركعُ بإنابة، ويسجدُ بذُل، ويختمُها بسلامٍ قد تغيّرَ به قلبُه وانشرحَ صدرُه، واطمأنّت نفسُه، واشتاقَ إلى صلاةٍ أخرى.
عباد الله، ما أجملَ حياةَ المصلّين، وما أطيبَ أخلاقَهم، وهنيئًا لهم فقد ربحوا الدنيا والآخرة.
> ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1-2]
نسألُ اللهَ أن يجعلَنا من أهلِ الصلاةِ القائمين بها، الخاشعين فيها، المحافِظين عليها.
أقول ما تسمعون، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم، فاستغفروه، إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على نعمِه التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا.
عبادَ الله،
من أعظمِ ما يُعينُ على الثباتِ والتوفيقِ في كلِّ أمر، أن تكونَ صلتُك بربِّك متينة، ولن تكون كذلك إلا بمحافظتِك على الصلاةِ تامة.
ما حافظَ أحدٌ على الصلاة، وأخلص لله في ذلك، إلا وقد ثبت وسدد وهُدي.. فالصلاة نور يضيء لنا عتمة الحياة..
عبادَ الله! صلّوا صلاةَ من يتلذذُ بها، صلاةَ من يستشعرُ كلَّ موضعٍ فيها؛ يستشعر قيامَهُ، تلاوتَهُ، ركوعهُ، سجودَه، دعاؤه.. تسبيحه تمجيده تعظيمه..
فإذا سلّمَ، خرجَ من صلاتِه بقلبٍ آخر، قد رقّ، وتزكى، واشتاقَ إلى لقاءِ ربه ومولاه فيا فوز المصلين الخاشعين المنيبين..
عبدَ الله، تأكد بل تيقن..
أنك إذا أردتَ التوفيقَ في كلِّ شأنٍ، فلابد أن تحافظ على صلاتِك، وأن تقيمها كما يحبُّ ربُّك ويرضى.
قال تعالى :
> ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ [طه: 132]
أي: إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لاتحتسب، وفيه تشجيع وتحريض على إقامة الصلاة، ودفع لمايتوهمه البعض من أن المداومة على إقامة الصلاة قد تشغل الإنسان عن السعى فى طلب المعاش .
وكما قال تعالى : (وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) لابد من مجاهدة النفس عليها فإن سلعة الله غالية ومن استعان بالله أعانه الله..
خمساً من الصلوات نَتْبَعُ نُورَهَا
بفريضةٍ فيها لنا الإرشَادُ
بـ(الفجر) و(الظهرِ) الصلاةُ فريضة
و(العصرُ) فرضٌ ساطعٌ وَقَّادُ
وكذا بـ(مغرب) و(العشاءِ) قلوبُنَا
ترتاحُ فيها بهجةٌ وسُعَادُ
وصلاةُ (جمعة) باجتماع حاشد
فيه ائتلافٌ شاملٌ وتَوادُ
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله الطيبين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم اجعلنا من المصلين القانتين، ومن الخاشعين الراكعين الساجدين، ومن الذين هم على صلاتِهم دائمون، وبها مستمسكون.
اللهم طهّر قلوبَنا، وزكِّ نفوسَنا، وارزقنا الخشوعَ في الصلاة، واللذّةَ في المناجاة، والصدقَ في التلاوة، ودوامَ القربِ منك يا كريم.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، واحقن دماءهم، واجمع كلمتَهم، وارفع عنهم الكرب والبلاء.
اللهم وفّق ولاةَ أمرنا لكل خير، وهيّئ لهم البطانةَ الصالحة، واجعلهم نُصرةً لدينِك، ورايةً للعدلِ والحقّ يا رب العالمين.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبِه أجمعين، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.