تكريم الإسلام للمرأة

عبدالرحمن سليمان المصري
1447/06/20 - 2025/12/11 21:29PM

تكريم الإسلام للمرأة

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى * من نطفة إذا تمنى * وأن عليه النشأة الأخرى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد:  أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾

عباد الله : عاشت المرأة لفترات طويلة ، وفي حضارات متنوعة ، تعاني من الظلم والقهر والإذلال ، وكلما بعدت الفترة عن زمن النبوات ؛ ازداد ظلم المجتمع لها ، فكانت المرأة تباع وتشترى ، ويرون أنها منبع الشر وأصل الخطيئة ، وسبب الآثام .

وعند العرب في الجاهلية ؛ لاقت المرأة ألوانا من الظلم والمهانة والاضطهاد ،  فكانت تورث كما يورث المتاع ، وتحرم من المهر ومن الميراث ، وكان تعدد الزوجات بلا حد ، والطلاق بلا عد ، وكانوا يكرهون ولادتها ويتشاءمون بها ، حتى وصل الحال إلى دفنها وهي حية ، قال تعالى: ﴿ وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ﴾ النحل: 58، 59.

عباد الله: فلما جاء الإسلام كرم المرأة وأعلى شأنها ، ورفع الظلم عنها ، وساوى بينها وبين الرجل في حق الحياة ، و في التكاليف الشرعية ، وفي الصفات الإيمانية ، وحقها في التملك والميراث والتصرفات المالية ، وفي الجزاء الدنيوي والأخروي ،  قال صلى الله عليه وسلم :" النساء شقائق الرجال" رواه أبوداود.

وأقر الإسلام بالفارق بين الجنسين ، قدرا وشرعا، للاختلافات في الخلقة والتكوين ، والعقل والتفكير والعاطفة ، ﴿وليس الذكر كالأنثى ﴾ لذلك اختلفت بعض الأحكام ، مراعاة لخصائص المرأة وطبائعها .

عباد الله : كرم الإسلام المرأة أمّا ، فجعلها أحق من الأب بالإكرام ، قال رجل ، يا رسول الله: ‌من ‌أحق

‌الناس ‌بحسن ‌صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك " رواه البخاري.

وكرمها بنتا ، قال صلى الله عليه وسلم :"من ‌عال ‌جاريتين ‌حتى ‌تبلغا ، جاء يوم القيامة أنا وهو" وضم أصابعه " رواه مسلم.

وقال في حديث آخر:" من كان له ثلاث بنات، يؤويهن، ويكفيهن، ويرحمهن، فقد وجبت له الجنة البتة". فقال رجل من بعض القوم: وثنتين يا رسول الله؟ قال: "وثنتين" حسنه الألباني في الأدب المفرد

عباد الله: وليس المقصود من إعالة البنات ، كفايتهن في الجوانب الحسية ؛ من المأكل والمشرب والملبس والتزويج ، مع إغفال الجوانب النفسية والعاطفية ، بل إعالتهن تشمل جميع ذلك ، من الجلوس معهن ، والتبسم لهن ، والحديث إليهن ، وتلمس حاجاتهن، والإنصات لهن ، ومعالجة مشاكلهن.

وليعلم المؤمن؛ أن هذا الأجر العظيم في رعاية البنات وإعالتهن ، لا يناله من قصر في تربيتهن على حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا أمرهن بالصلاة والطاعة، ولا عودهن على العفاف ، والستر والحجاب ، " ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " رواه البخاري.

عباد الله: وكرم الإسلام المرأة  أختا ، فقال صلى الله عليه وسلم :" ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات ، أو ثلاث أخوات ، فيحسن إليهن إلا كن له سترا من النار " رواه البيهقي وصححه الألباني.

وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة، وإذا كانت جدة، أو كبيرة في السن، زادت قيمتها لدى أولادها وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يرد لها طلب، ولا يسفه لها رأي ، وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة أو جوار، كان لها حق الإسلام العام؛ من كف الأذى، وغض البصر والإحسان.

عباد الله: ومن صور تكريم المرأة ؛ أن جعل لها الحق في اختيار زوجها ، دون إكراه أو إجبار، قال ﷺ:  " لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ‌ولا ‌تنكح ‌البكر ‌حتى ‌تستأذن " رواه البخاري.

وحقها في المهر وامتلاكه،﴿ وآتوا النساء ‌صدقاتهن نحلة ﴾، وحقها في النفقة والسكن ، قال تعالى: ﴿لينفق ذو سعة ‌من ‌سعته ﴾، وحقها في حسن المعاملة والصحبة، قال تعالى:﴿ وعاشروهن بالمعروف ﴾

بل وجعل الإسلام خير الناس وأفضلهم ؛ من يحسنون إلى نسائهم، قال ﷺ: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم " رواه أبوداود وصححه الألباني.

وتمثل النبي ﷺ الأمر بنفسه فكان أرحم الناس بأهله، وأحسنهم خلقا مع نسائه، يبتسم لهن، ويتلطف بهن ، ويستمع إليهن، ويأخذ بمشورتهن ، فقال: " خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" رواه الترمذي وصححه الألباني.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.        

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا  ،       أما بعد :

عباد الله: لقد أعطى الإسلام المرأة حقها من غير إفراط ولا تفريط ، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الأمة بالنساء جميعا ، في أعظم مشهد عند اكتمال الدين في خطبة الوداع ، فقال : " ‌استوصوا ‌بالنساء ‌خيرا "رواه مسلم .

عباد الله: ومن حقوق المرأة : أن تعطى حقها من الميراث كاملا ، فالله قسم المواريث ، وأعطى كل ذي حق حقه ، قال تعالى: ﴿للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا﴾، وسواء كان المال نقدا أو عقارا ، أو قليلا أو كثيرا ، فيحرم التحايل على إسقاط حقها أو جزء منه ، فهذا  من الظلم والعدوان ، وهو من كبائر الذنوب.

عباد الله: ومن حقوق المرأة ؛ السعي إلى تزويجها  وتحريم عضلها ، والعضل هو منع المرأة من الزواج بمن ترغب فيه إذا كان كفئا لها ؛ لما في ذلك من الظلم والجور، قال تعالى: ﴿فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن﴾ ،  وقال النبي ﷺ: " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" رواه الترمذي وصححه الألباني.

ومن صور العضل ؛عدم السماح للزوج من الرجوع لمطلقته ، بعد انتهاء عدتها ، بعقد جديد، إذا كانت المرأة راغبة به ، من غير سبب لولي المرأة بالرفض، إلا العادات أو العناد المجرد.

ومن صور العضل ؛ امتناع ولي اليتيمة عن تزوجيها لغيره ؛ لرغبته في نكاحها لنفسه من أجل مالها، وعدم رغبتها فيه .

ومن صور العضل ؛ تضييق الزوج على زوجته إذا كرهها، فيسيء عشرتها ، حتى تفتدي نفسها بالمهر المقدم لها.

ومن صور العضل؛ أن يمتنع الولي عن تزويج المرأة إذا خطبها كفء وقد رضيته ، طمعا في راتبها ، أو لمصلحة شخصية تعود عليه.

ومن صور العضل؛  أن يمتنع الخطاب من خطبة المرأة ، لشدة وليها واستكباره في التعامل معهم .

ومن الصور المحرمة ؛ تزويج البنت بمن لا ترضاه ، أو حجز البنت منذ الصغر لشخص معين ، فتكبر وهي غير راغبة في الزواج منه ، وكذا حصر الزواج من أفراد العائلة ، والمرأة لا تريدهم ، فكل ذلك من الظلم والعدوان ومن أفعال الجاهلية، ﴿ واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ﴾ البقرة:281.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .  

المرفقات

1765477753_تكريم الإسلام للمرأة خطبة2.docx

1765477754_تكريم الإسلام للمرأة خطبة2.pdf

المشاهدات 403 | التعليقات 0