تَكَــــــــــــــــــــاثُرٌ

يوسف العوض
1447/05/22 - 2025/11/13 09:33AM

الخُطْبَةُ الأُولَى

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ الغَفْلَةِ وَالإِعْرَاضِ عَنْهِ ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ۝ حَتَّىٰ زُرْتُمُ المَقَابِرَ﴾  ، إِنَّهَا آيَاتٌ قَصِيرَةٌ فِي أَلْفَاظِهَا، عَظِيمَةٌ فِي مَعَانِيهَا، تَصِفُ دَاءً مِنْ أَعْظَمِ أَدْوَاءِ القُلُوبِ: دَاءَ الِانْشِغَالِ بِالدُّنْيَا وَالمُفَاخَرَةِ بِالزِّيَادَةِ فِيهَا، حَتَّى تَشْغَلَ النَّاسَ عَنْ آخِرَتِهِمْ.

قَالَ الإِمَامُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:"التَّكَاثُرُ: أَنْ يَفْتَخِرَ القَوْمُ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ حَتَّى يَمُوتُوا عَلَى ذَلِكَ، وَمَا دَرَوْا أَنَّهُمْ مَسَاقُونَ إِلَى قُبُورِهِمْ."

وَهَذَا وَاللَّهِ مَا نَرَاهُ اليَوْمَ بِعَيْنَيْنَا فِي الوَاقِعِ ، تَكَاثُرٌ فِي المَالِ وَالْمَنَاصِبِ، تَكَاثُرٌ فِي العَقَارَاتِ وَالمَرَاكِبِ، تَكَاثُرٌ فِي الأَجْهِزَةِ وَالمَظَاهِرِ، وَتَنَافُسٌ فِي كَمٍّ وَغَفْلَةٌ عَنِ الكَيْفِ ، تَرَى الرَّجُلَ يَفْرَحُ بِأَنَّهُ اشْتَرَى بَيْتًا أَكْبَرَ مِنْ بَيْتِ جَارِهِ، وَآخَرَ يَتَبَاهَى بِسَيَّارَةٍ أَحْدَثَ مِنْ سَيَّارَةِ أَخِيهِ، وَامْرَأَةٌ تَفْتَخِرُ بِزِينَتِهَا عَلَى صَاحِبَتِهَا، وَنَسُوا أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ زَائِلٌ لَا مَحَالَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ﴾.

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللَّهِ: إِنَّ التَّكَاثُرَ فِي ذَاتِهِ لَيْسَ حَرَامًا إِذَا لَمْ يَشْغَلِ الإِنسَانَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ:

«نِعْمَ المَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ».

وَلَكِنَّ الخَطَرَ كُلَّ الخَطَرِ أَنْ يُلْهِيكَ التَّكَاثُرُ عَنِ الآخِرَةِ، فَتَنْسَى المَوْتَ وَالْقَبْرَ وَالحِسَابَ.

انْظُرُوا كَيْفَ خَتَمَ اللَّهُ السُّورَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ۝ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ۝ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليَقِينِ ۝ لَتَرَوُنَّ الجَحِيمَ ۝ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليَقِينِ ۝ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ ، فَتَأَمَّلُوا – رَحِمَكُمُ اللَّهُ – هَذِهِ الخَاتِمَةَ المُخِيفَةَ، سَتُسْأَلُونَ عَنِ النَّعِيمِ:

عَنْ مَالِكُمْ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبْتُمُوهُ، وَفِيمَ أَنْفَقْتُمُوهُ!

عَنْ أَعْمَارِكُمْ فِيمَا أَفْنَيْتُمُوهَا، وَعَنْ أَبْدَانِكُمْ فِيمَا أَبْلَيْتُمُوهَا!

فَإِلَى مَتَى يَبْقَى الإِنسَانُ مَشْغُولًا بِالتَّكَاثُرِ، وَالآجَالُ تُقْتَطَعُ، وَالمَقَابِرُ تُمْلَأُ؟

كَمْ مِنْ غَنِيٍّ أَمْسَى وَمَالُهُ مَعَهُ، فَأَصْبَحَ وَهُوَ تَحْتَ التُّرَابِ وَمَالُهُ فِي أَيْدِي غَيْرِهِ!

كَمْ مِنْ مَنْصِبٍ كَانَ يَرْتَجِفُ لَهُ النَّاسُ، فَصَاحِبُهُ اليَوْمَ نَسِيَهُ الخَلْقُ، وَذَكَرَهُ اللهُ بِمَا قَدَّمَ مِنْ أَعْمَالِهِ!

فَالعَاقِلُ مَنْ جَعَلَ التَّكَاثُرَ فِي الحَسَنَاتِ، لَا فِي الحُطَامِ الزَّائِلِ.

تَسَابَقُوا فِي القُرْآنِ، وَتَكَاثَرُوا فِي العِلْمِ وَالصَّدَقَاتِ وَالبِرِّ، فَذَلِكَ تَكَاثُرٌ يُرْضِي اللَّهَ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ قُلُوبَنَا، وَطَهِّرْهَا مِنَ التَّكَاثُرِ وَالغُرُورِ، وَارْزُقْنَا زُهْدًا فِي الدُّنْيَا وَرَغْبَةً فِي الآخِرَةِ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة

الحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالاهُ.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ بَعْضَاً مِنَ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا قَدْ أُصِيبُوا بِفِتْنَةِ التَّكَاثُرِ، وَقَدْ تَنَوَّعَتْ صُوَرُهُ فِي حَيَاتِنَا اليَوْمَ:

تَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ، وَتَكَاثُرٌ فِي الأَتْبَاعِ وَالمُشَاهِدِينَ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ، حَتَّى صَارَ النَّاسُ يَعْدُّونَ قِيمَتَهُم بِعَدَدِ المُتَابِعِينَ، لَا بِقَدْرِ عِلْمِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ! وَتَرَى المُجْتَمَعَ يَتَنَافَسُ فِي مَظَاهِرِ الزَّيْنَةِ وَالمُسَابَقَةِ فِي الكَمِّ، حَتَّى فِي أَعْرَاسِهِمْ وَمُنَاسَبَاتِهِمْ، وَنَسُوا أَنَّ التَّكَاثُرَ الَّذِي يُرْضِي اللَّهَ هُوَ مَا كَانَ فِي الخَيْرِ وَالبِرِّ وَالإِحْسَانِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:﴿فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ﴾ .

فَسَابِقُوا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَتَكَاثَرُوا فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الرِّبْحُ الحَقِيقِيُّ.

يَا أَهْلَ الإِيمَانِ:لَا تَنْسُوا أَنَّ الدُّنْيَا زَائِلَةٌ وَالآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ، وَقَدْ قَالَ ﷺ:

«الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأَمَانِيَّ».

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ إِذَا أُعْطُوا شَكَرُوا، وَإِذَا مُنِعُوا صَبَرُوا، وَإِذَا أَذْنَبُوا اسْتَغْفَرُوا.

اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَاجْعَلِ الآخِرَةَ دَارَنَا وَقَرَارَنَا.

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

المرفقات

1763015559_التكاثر.docx

المشاهدات 523 | التعليقات 0