حَافِظُوا عَلى السِّتْرِ والْحَيَاءِ 30/5/1447هـ
خالد محمد القرعاوي
1447/05/26 - 2025/11/17 23:35PM
حَافِظُوا عَلى السِّتْرِ والْحَيَاءِ 30/5/1447هـ
الحَمدُ للهِ يَغفِرُ الذَّنْبَ وَيَسْتُرُ العَيبَ القَبِيحَ، أَشهَدُ ألَّا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، حَيِيٌّ ستِّيْرٌ، يُحْبُّ السِّتْرَ وَيَرْضَاهُ، وَأَشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ، وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ اتَّبَعَ هُدَاهُ. أَمَا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ: وَتَعَرَّفُوا على أَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ وادْعُوهُ بِها. فَإنَّ ذَلِكَ يُغَذِّي الإيمَانِ، وَيُقَرِّبُ مِنْ الخَالِقِ، وَيُقَويَّ خَوْفَكَ مِنَ اللهِ، وَرَجَاءَ مَا عِنْدَهُ. أَيُّهَا الْمُؤمِنُونَ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنى، بِدُونِهِ لا يُمْكِنُ أَنْ نَهْنَأَ بِعَيْشٍ، وَلا يَطِيبُ لَنا مُقَامٌ حتَّى بَينَ أَهْلِينَا وَذَوِينَا، مِنْ كَثْرَةِ مَا يَمُنُّ اللهُ بِهِ عَلينَا قَدْ نَنْسَاهُ زَمَنَاً طَوِيلاً، وَنَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرَا!
يَا مَنْ لَهُ سِتْرٌ عَليَّ جَمِيلُ * هَلْ لَي إِلَيكَ إذَا اعْتَذَرْتُ قَبُولُ.
أَيَّدْتَنَا وَرَحِمْتَنَا وَسَتَرْتَنَا * كَرَمَاً فَأَنْتَ لِمَنْ رَجَاكَ كَفِيلُ.
عِبَادَ اللهِ: في يَومٍ اجْتَمَعَ قَوْمٌ فَتَساءَلُوا: أَيُّ النِّعَمِ أَفْضَلُ؟ فَاتَّفَقُوا بِأنَّهُ: مَا سَتَرَ اللهُ بِهِ بَعْضَنَا عَنْ بَعْضٍ! حتى قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَصْبَحَ بِنَا مِنْ نِعَمِ اللهِ مَا لا نُحْصِيهِ، مَعَ كَثْرَةِ مَا نَعْصِيهِ، فَمَا نَدْرِي أَيُّهَا نَشْكُرُ؟ أَجَمِيلُ مَا ظَهَرَ؟ أَمْ قَبِيحُ مَا سَتَرَ؟ فَالحَمْدُ للهِ الذي كَسَانَا بِسِتْرِهِ، وَظَلَّلنا بِعَفْوِهِ وَلُطْفِهِ. عِبَادَ اللهِ: إنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ التي وَرَدَتْ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ: السِتِّيرُ بِالكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ، وَدَرَجَ عَلى أَلْسِنَةِ قَولُهُمْ: يَا سَاتِرُ! وَيَا سَتَّارُ! وَهذِهِ ألفَاظٌ لَمْ تَرِدْ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَإنْ كَانَ مَعْنَاهَا مُقَارِبَا صَحِيحاً، لَكِنَّ الالتِزَامَ بِمَا وَرَدَ أَولَى. قَالَ الإمَامُ البَيهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "سِتِّيـرٌ: يَعني أَنَّهُ سَاتِرٌ يَسْتُرُ عَلى عِبَادِهِ كَثِيرًا، وَلا يَفْضَحُهُم فِي الْمَشَاهِدِ. كَذِلِكَ يُحبُّ مِنْ عِبَادِهِ السَّتْرَ عَلى أَنْفُسِهِم، وَاجْتِنَابَ مَا يَشِينُهُم" اهـ كلامه. رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ بِلاَ إِزَارٍ يَعْنِي بالفَضَاءِ الوَاسِعِ مِن الأَرْضِ فَكِرَهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِعْلَهُ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ». وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلْيَتَوَارَ بِشَيْءٍ» حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
إخْوَةَ الإيمَانِ: مِن فَضْلِ اللهِ عَلينا أنَّهُ يَسْتُرُ وَلا يَفْضَحُ! بَلْ وَيَكْرِمُنَا بِفَرَحِهِ بِتَوبَتِنَا إليهِ، مَعَ شِدَّةِ حَاجَتِنَا لَهُ، وَعَظِيمِ غِنَاهُ عَنَّا! قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ).
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُعلِّمُ النَّاسَ وَيُرَبِّيهِمْ عَلى أَنْ يَسْتُرُوا عَلى أَنْفُسِهِمِ! كَمَا فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ وَقِصَّةِ الغَامِدِيَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما! وَكانَ يَقُولُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَاةٌ إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ فَيَقُولُ: يَا فُلاَنُ، قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ".
عِبَادَ اللهِ: ألا تَرَونَ ذَلِكَ واقِعًا مُؤسِفًا مِنْ سُفَهاءِ الأَحلامِ، وَقَلِيلِي الحَياءِ، وَضِعَافِ الإيمَانِ! الذينَ يُمَارِسُونَ الْمُنْكَرَاتِ ثُمَّ يَقُومُونَ بِتَصْوِيرِ أَنْفُسِهمْ وَمَنْ يُجَالِسُونَ؟!أَو يَتَحَدَّثُونَ على سَبِيلِ الفُحْشِ والافْتِخارِ وَالْبَذَاءِ! فَالْتَّكَشُّفُ والْتَّبَرُّجُ وَقِلَّةُ الْحَيَاءِ وَاخْتِلاطُ الْنِّسَاءِ بِالْرِّجَالِ فِي الْمَقَاهِيَ والْمَطَاعِمِ والْتَّخَلُّفُ عَنِ الْصَّلَوَاتِ وَرَفْعُ أَصْواتُ الأَغَانِيَ فِي الْطُّرُقَاتِ وَمُخَالَفَةُ الْذَّوقِ الْعَامِّ كُلُّهَا مُخَالِفَةٌ لِخُلُقِ الْحَياءِ وَكَشْفٌ لِمَا أَمَرَنَا اللهُ أَنْ نَسْتَتِرَ بِهِ! وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُحِبُّ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ. فاللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَاهْدِنَا وَاهْدِ بِنَا.
وَهُو الحَيِيُّ فَلَيسَ يَفْضَحُ عَبْدَهُ * عندَ التَّجَاهُرِ مِنْهُ بالعِصْيَانِ.
لَكِنَّهُ يُلْقِي عَلَيْهِ سِتْرَهُ * فَهْوَ السَّتِيرُ وَصَاحِبُ الغُفْرَانِ.
قَالَ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: العُصَاةُ يَومَ القِيَامَةِ قِسْمَانِ: مَنْ تَكُونُ مَعصِيَتُهُ مَستُورَةً فِي الدُّنَيا، فَهذا يَسْتُرُهَا اللهُ عَليهِ فِي القِيَامَةِ، وَقِسْمٌ مَعْصِيَتُهُ مُجَاهَرٌ بِها، فَيَفْضَحُهُ اللهُ بَينَ النَّاسِ وَلا يَسْتُرُهُ. اهـ. عِبادَ اللهِ: الْمُجَاهَرَةُ بِالْمَعَاصِي وَنَزْعُ الْحَيَاءِ وَعَدَمُ الْسَّتْرِ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ، وَدَلِيلٌ عَلى فَسَادِ القَلْبِ وَطُغْيَانِهِ.
قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ مَا مَفَادُهُ: أَنَّ الْعَاصِيَ لا يَسْتَقْبِحُ مِنْ رُؤيَةِ النَّاسِ لَهُ، وَلا كَلامَهُمْ فِيهِ؛ حَتَّى يَصِلَ إلى أَنْ يَفْتَخِرَ بِالْمَعْصِيَةِ، وَيُحَدِّثُ بِهَا! وَهَذا القِسْمُ لا يُعَافَوْنَ مِمَّا هُمْ فِيهِ، وَيُسَدُّ عَلَيهِم طَرِيقُ التَّوبَةِ، وَتُغلَقُ عَنْهُمْ أَبْوَابُهَا فِي الغَالِبِ والعِيَاذُ باللهِ.
يَا مُؤمِنُونَ: لا تَسْتَغْرِبُوا مِنْ هَذَا الْصِّنْفِ مِنَ النَّاسِ فَهُمُ الذينَ وَصَفَهُمُ اللهُ تَعَالى بِقَولِهِ:
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
فَيَا مَنْ يَجْتَرِئُ عَلى حُرُماتِ اللهِ: لا تَغْتَرَّ بِحِلْمِ اللهِ وَسِتْرِهِ عَليكَ؛ فَإنَّ أَمَامَنا يَوْمًا تُبْلَى فِيهِ السَّرَائِرُ! وَتَذَكَّرْ قَولَ رَسُولِنا اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِى لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ». ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِىَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ). فَيَا عَبْدَ اللهِ اسْتَجِبْ لِقَولِ اللهِ تَعَالى: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ).اللَّهمَّ لا تَنْزِعْ عَنَّا ثَوبَ السِّتْرِ وَالحَيَاءِ، وَاحْمِنَا مِنْ الشَّرِّ وَالبَلاءِ، وَجَنِّبنَا الفِتَنَ وَالفَحْشَاءِ، واسْتَغْفِروا اللهَ فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إليهِ إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الْرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمدُ للهِ لا تَخْفَى عليهِ خَافِيَةٌ، الكُلُّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، السِّرُّ وَالعَلانِيَةُ، أَشهَدُ أَلاَّ إلَهَ إلاَّ اللهُ، وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ البَشِيرُ النَّذِيرُ، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ، وعلى آلِهِ وَأصحَابِهِ وَمَنْ اهتَدى بِهَدْيِهِ إلى يَومِ الْمَصِيرِ. أمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ وَنَفْسِي بِتَقْوى اللهِ وَطَاعَتِهِ.
عِبادَ اللهِ: مِنْ لُطْفِ اللهِ بِنَا أنَّهُ ليسَ للذُّنوبِ رَوَائِحُ تَفُوحُ ولا أَلْوَانٌ ظَاهِرَةٌ. إنَّمَا لِلْعُصَاةِ وُجُوهٌ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ.
أَيُّهَا الْمُؤمِنُ: يَا مَنْ سَتَرَ اللهُ عَليكَ، وَوُفِّقْتَ لِمَحبَّةِ النَّاسِ لَكَ، لَولا سِتْرُ اللهِ عَلَيكَ، لَمَا تَمَّ لَكَ ذَلِكَ.
في الحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلا وَلَهُ ذَنْبٌ يَعْتادُهُ، الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ، أَوْ ذَنْبٌ هُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ لا يُفَارِقُهُ حَتَّى يُفَارِقَ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ خُلِقَ مُفَتَّنًا تَوَّابًا نَسَّاءً إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ). صَحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ.
أَحْسَنَ اللهُ بِنَا * أَنَّ الخَطَايَا لا تَفُوحُ.
فَإذَا الْمَسْتُورُ مِنَّا * بَينَ ثَوبَيهِ فُضُوحٌ.
عِبَادَ اللهِ: وَهُنَاكَ سِتْرٌ مِن الرَّبِّ الرَّحِيمُ أَعْظَمُ فَضْلاً، وَأَجَلُّ قَدْرَاً، أَلَا وَهُوَ سِتْرُ اللهِ لِلمُؤمِنِ فِي الآخِرَةِ!{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}.قَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ أَيْ: تُخْتَبَرُ سَرِائِرُ الصُّدُورِ، وَيَظْهَرُ مَا كَانَ فِي القُلُوبِ مِنْ خَيرٍ وَشَرِّ عَلَى صَفَحَاتِ الوُجُوهِ كَما قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}. فَفِي الدُّنَيا، تَنْكَتِمُ كُثِيرٌ مِن الأُمُورِ، وَلا تَظْهَرُ عَيَانًا لِلنَّاسِ، وَأَمَّا فِي القِيَامَةِ، فَيَظْهَرُ بَرُّ الأَبْرَارِ، وَفُجُورُ الفُجَّارِ، وَتَصِيرُ الأُمُورُ عَلانِيَةً.
اللهُ أَكبَرُ يَا مُؤمِنُ: ثُمَّ يَمْتَنُّ اللهُ على الْمُؤمِنينَ بِسِتْرِهِ! فَأَبْشِرْ إنْ كُنْتَ صَالِحَاً؛ فَقَدْ قَالَ نَبِيُّ الْهُدَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ عز وجل يُدْنِي الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، وَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، وَيَقُولُ لَهُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ اللهُ لَهُ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ". متفق عليه. فَالَّلهُمَّ اسْتُرْنَا يَا سِتِّيرُ، الَّلهُمَّ استُرنا فَوقَ الأَرْضِ، وَيَومَ العَرْضِ يَا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ.
عِبَادَ اللهِ: الإيمَانُ باسمِ اللهِ السِتِّيرِ وَالْعَمَلُ بِهِ: يَجْعَلُنَا أَكْثَرُ حُبًّا لِلهِ، وَقُرْبًا وَحَيَاءً مِنْهُ إذْ كَيفَ نَعْصِيْ مَنْ لا تَخْفَى عَليهِ خَافِيَةٌ! وَهُوَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ! وَهُوَ الغَنِيُّ وَنَحنُ الفُقَرَاءُ! فَقُلْ حِينَ تُصْبِحُ وَحِينَ تُمْسِي: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي.
عِبَادَ اللهِ: ألا وَإنَّ مِنْ أعْظَمِ آثَارِ الإيْمَانِ بِاسْمِ اللهِ السِتِّيرِ أنْ يَتَخَلَّقَ الْمُسْلِمُ بِالسِّتْرِ على الآخَرينَ: (فَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). أَلا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلى رَسُولِ الهُدى؛ كَمَا أَمَرَكُمْ جَلَّ وَعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ على مُحَمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَأصْحَابِهِ وَأتْبَاعِهِ بِإحسَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ. الَّلهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والْمُسلمينَ، وَدَمِّر أَعدَاءَ الدِّينِ وَاجْعَلْ بَلَدَنا آمِنًاَ مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسلِمِينَ. الَّلهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ، وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ وَعِبَادَكَ الْمُؤمِنينَ. الَّلهُمَّ إنَّا نَسأَلُكَ الهُدى والتُّقَى والعَفَافَ والغِنَى، الَّلهُمَّ ظَلِّلْنَا بِسِتْرِكَ وَرَحمَتِك. اجْعَلْنَا لَكَ ذَاكِرينَ، لَكَ شَاكِرينَ، لَكَ مُخْبِتِينَ. الَّلهُمّ وفِّقْ إِمَامَنَا لِمَا تُحِبُّ وَترْضَى، وَفِّقهُ لِهُدَاكَ. وَاجْزِهِ خَيرًا عَلَى خِدْمَةِ الإسْلامِ والْمُسْلِمِينَ. انْصُرْ جُنُودَنَا واحفَظْ حُدُودَنا وَرُدَّ كيدَ أعدَائِنا يَا رَبَّ العالَمينَ.(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). فاذكروا اللهَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون.