حصار غزة
هلال الهاجري
الحمدُ للهِ العزيزِ الحميدِ، كتبَ العزةَ لنفسِه ولرسولِه وللمؤمنينَ، فقالَ سُبحانَه: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، وجعلَ هذه الأمةَ عزيزةً بإيمانِها، قويةً بإسلامِها، فقالَ عزَّ وجلَّ: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، أحمدُه سبحانَه وتعالى يؤيدُ بنصرِه من يشاءُ، يُعزُّ من يشاءُ، ويُذلُّ من يشاءُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ جعلَ العزَّة لمن أطاعَه والذِّلةَ لمن عَصاه، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، أرسلَه اللهُ بالهُدى ودينِ الحقِّ ليظهرَه على الدينِ كلِّه، نشهدُ أنه بلغَ الرسالةَ، وأدى الأمانةَ، ونصحَ الأمةَ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ الجهادِ، فصلواتُ اللهِ وسلامُه على نبيِّنا محمدٍ ما تتابعَ الليلُ والنهارُ، وما جاهدَ المسلمونَ الكفارَ، وعلى آلِه وصحبِه وسلمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:
سَأَحَدِثُكُم اليَومَ عَن حِصَارٍ مُؤلِمٍ لِفَئةٍ مِن المُؤمِنينَ، قَد أَصَابَهُم الجُوعُ والكَربُ بِضعَ سِنِينَ، والعَجِيبُ أَنَّهُم معَ ذَلِكَ يَزدَادُونَ إيمَانَاً وثَباتَاً ويَقِيناً، ويَعلَمُونَ أَنَّ للهِ تَعَالى فَرَجَاً ونَصرَاً مُبِينَاً.
لَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ أمْرَ الإِسْلَامِ يَنْتَشِرُ ويَعْلُو، وَأَنَّ أسَالِيبَهَا كُلَّهَا بَاءَتْ بِالفَشَلِ، وَلَمْ تَمْنَعْ مِنِ انْتِشَارِ الإِسْلَامِ، وَأَنَّ مُسَاوَمَتَهَا لِأَبِي طَالِبٍ وَللنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُوبِلَتْ بِالرَّفْضِ، أجْمَعُوا أمْرَهُمْ عَلَى المُقَاطَعَةِ، وكَتَبُوا كِتَابًا يَتَعَاقَدُونَ فِيهِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وبَنِي المُطَّلِبِ: عَلَى أَنْ لَا يُنْكِحُوا إِلَيْهِمْ، ولَا يُنْكِحُوهُمْ، وَلَا يَبِيعُوهُمْ شَيئًا، وَلَا يَبْتَاعُوا مِنْهُمْ، وَأَنْ يُضَيِّقُوا عَلَيْهِمْ، وَلَا يُجَالِسُوهُمْ، ولَا يُخَالِطُوهُمْ، ثُمَّ عَلَّقُوا الصَّحِيفَةَ فِي جَوْفِ الكَعْبَةِ تَوْكِيدًا عَلَى أنْفُسِهِمْ.
فَدَخَلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ والمُسلِمُونَ شِعْبَ بَنِي هَاشِمٍ، وَدَخَلَ مَعَهُم أَبو طَالبٍ وبَنُو هَاشِمٍ وبَنُو المُطَّلِبِ، حَتَّى كُفَّارُهُمْ حَمِيَّةً لِلرَّحِمِ وَالقَرَابَةِ، وَلَمْ يَشُذَّ عَنْ هَذَا الإِجْمَاعِ إِلَّا أَبُو لَهَبِ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَدِ انْحَازَ إِلَى قُرَيْشٍ، وَفَارَقَ قَومَهُ.
لَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ وَالمُسْلِمُونَ فِي الشِّعْبِ ثَلَاثَ سِنِينَ، واشْتَدَّ عَلَيْهِمْ البَلَاءُ وَالجَهْدُ، فَقَدْ قَطَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ المِيرَةَ والمَادَّةَ، وَقَطَعَتْ عَلَيْهِمُ الأَسْوَاقَ، فكَانُوا لَا يَتْرُكُونَ طَعَامًا يَدْنُو مِنْ مَكَّةَ وَلَا بَيْعًا إِلَّا بَادَرُوا إِلَيْهِ فَاشْتَرَوْهُ دُونَهُمْ لَيَقْتُلَهُمُ الجُوعُ، حَتَّى جَهِدَ المُؤْمِنُونَ وَمَنْ مَعَهُمْ جُوْعًا وَعُرْيًا، وحَتَّى سُمِعَ أصْوَاتُ صِبْيَانِهِمْ مِنْ وَرَاءِ الشِّعْبِ، واضْطُرُّوا إِلَى أَكْلِ وَرَقِ الشَّجِرَ والجُلُودِ، وهَلَكَ مِنْهُمْ مَنْ هَلَكَ.
يَقُولُ سَعْدُ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: خَرَجْتُ مِنَ اللَّيْلِ أَبُولُ، وَإِذَا أَنَا أَسْمَعُ بِقَعْقَعَةِ تَحْتَ بَوْلِي، فَإِذَا قِطْعَةُ جِلْدِ بَعِيرٍ، فَأَخَذْتُهَا وغَسَلْتُهَا، ثُمَّ أحْرَقْتُهَا، ثُمَّ رَضَضْتُهَا وسَفَفْتُهَا بِالمَاءَ، فَقَوِيتُ بِهَا ثَلَاثَ أَيَّامٍ.
وَضُيِّقَ الحِصَارُ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَانْقَطَعَ عَنْهُمُ العَوْنُ، وَقَلَّ الغِذَاءُ فَبَلَغَ الجَهْدُ أَقْصَاهُ، حَتَّى رَثَى لِحَالِهِمُ بَعضُ الكُفَّارِ، فَاختَرَقُوا الحِصَارَ سِرَّاً لِيُوصِلُوا إلِيهِم الطَّعَامَ، ومِنهُم هِشَامُ بنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ، فكَانَ يَأْتِي بِالبَعِيرِ لَيْلًا فَيُوقِرُهُ طَعَامًا، ثُمَّ يَضْرِبُهُ بِاتِّجَاهِ الشِّعْبِ، ويَتْرُكُ زِمَامَهُ لِيَصِلَ إِلَى المَحْصُورِينَ.
مَكَثَ النَّبيُّ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وَمَن مَعَهً بِالشِّعْبِ ثَلَاثَ سِنِينَ، حَتَّى بَلَغَ مِنْهُمُ الجَهْدُ وَالأَذَى مَبْلَغَهُ، وسُمِعَ بُكَاءُ أطْفَالِهِمْ مِنْ وَرَاءِ الشِّعْبِ، ثُمَّ قَامَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ أَهْلِ المُرُوءَةِ، وَالضَّمَائِرِ، فِي مُقَدِّمَتِهِمْ: هِشَامُ بنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ، فَقَدْ مَشَى إِلَى زُهَيْرِ بنِ أَبِي أُمَيَّةَ المُخْزُومِيِّ -وكَانَتْ أُمُّهُ عَاتِكَةَ بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِبِ- فَقَالَ: يَا زُهَيْرُ، أَقَدْ رَضِيتَ أَنْ تَأْكُلَ الطَّعَامَ، وَتَلْبَسَ الثِّيَابَ، وتَنْكِحَ النِّسَاءَ، وَأَخْوَالُكَ حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، لَا يُبَاعُونَ وَلَا يُبْتَاعُ مِنْهُمْ، وَلَا يَنْكِحُونَ وَلَا يُنْكَحُ إِلَيْهِمْ، أمَا إِنِّي أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَوْ كَانُوا أَخْوَالَ أَبِي الحَكَمِ بنِ هِشَامٍ -أَبِي جَهلٍ-، ثُمَّ دَعَوتُهُ إلى مِثْلِ مَا دَعَاكَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ، مَا أَجَابَكُمْ إِلَيْهِ أَبَدًا، قَالَ: وَيْحَكَ يَا هِشَامُ، فَمَاذَا أَصْنَعُ؟ إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ مَعِيَ رَجُلٌ آخَرُ لَقُمْتُ فِي نَقْضِهَا حَتَّى أَنْقُضَهَا، قَالَ: قَدْ وَجَدْتُ رَجُلًا، قَالَ: مَنْ هُوَ؟، قَالَ: أَنَا، قَالَ لَهُ زُهَيْرٌ: ابْغِنَا رَجُلًا ثَالِثًا.
فَذَهَبَ إلى المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ، فَقَالَ: يَا مُطْعِمُ، أَقَدْ رَضِيتَ أَنْ يَهْلِكَ بَطْنَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَأَنْتَ شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ، مُوَافِقٌ لِقُرَيْشٍ فِيهِ؟، قَالَ: وَيْحَكَ، فَمَاذَا أصْنَعُ؟ إِنَّمَا أنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، قَالَ: قَدْ وَجَدْتُ ثَانِيًا، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: أنَا، قَالَ: ابْغِنَا ثَالِثًا، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: زُهَيْرُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: ابْغِنَا رَابِعًا، فَذَهَبَ إلى أَبِي البَخْتَرِيِّ بنِ هِشَامٍ، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قَالَ لِلْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ، فَقَالَ: وَهَلْ مِنْ أَحَدٍ يُعِينُ عَلَى هَذَا؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ ، قَالَ: زُهَيْرُ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَالمُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ، وَأَنَا مَعَكَ، قَالَ: ابْغِنَا خَامِسًا.
فَذَهَبَ إلى زَمْعَةَ بنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فكَلَّمَهُ، وَذَكَرَ لَهُ قَرَابَتَهُمْ وَحَقَّهُمْ، فَقَالَ لَهُ: وَهَلْ عَلَى هَذَا الأَمْرِ الذِي تَدْعُونِي إِلَيْهِ مِنْ أَحَدٍ؟، قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ سَمَّى لَهُ القَوْمَ، فَاتَّعَدُوا الحَجُونِ لَيْلًا بِأَعْلَى مَكَّةَ.
فَاجْتَمَعُوا هُنَالِكَ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ، وتَعَاقَدُوا عَلَى القِيَامِ فِي الصَّحِيفَةِ حَتَّى يَنْقُضُوهَا، وَقَالَ زُهَيْرٌ: أنَا أَبْدَؤُكُمْ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَتَكَلَّمُ، فَلَمَّا أصْبَحُوا غَدَوْا إِلَى أنْدِيَتِهِمْ، وغَدَا زُهَيْرٌ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ، فَطَافَ بِالبَيْتِ سَبْعًا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أنَأْكُلُ الطَّعَامَ، ونَلْبَسُ الثِّيَابَ، وبَنُو هَاشِمٍ هَلْكَى لَا يُبَاعُونَ وَلَا يُبْتَاعُ مِنْهُمْ؟ وَاللَّهِ لَا أَقْعُدُ حَتَّى تُشَقَّ هَذِهِ الصَّحِيفَةُ القَاطِعَةُ الظَّالِمَةُ.
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَكَانَ فِي نَاحِيَةِ المَسْجِدِ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ لَا تُشَقُّ، فَقَالَ زَمْعَةُ بنُ الأَسْوَدِ: أَنْتَ وَاللَّهِ أَكْذَبُ، مَا رَضِينَا كِتَابَهَا حَيْثُ كُتِبَتْ، فَقَالَ أَبُو البَخْتَرِيِّ: صَدَقَ زَمْعَةُ، لَا نَرْضَى مَا كُتِبَ فِيهَا، وَلَا نُقِرُّ بِهِ، فَهُنَا قَامَ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: صَدَقْتُمَا، وَكَذَبَ مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ، نَبْرَأُ إلى اللَّهِ مِنْهَا، وَمِمَّا كُتِبَ فِيهَا، وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمْرٍو نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا أَمْرٌ قُضِيَ بِلَيْلٍ، تُشُووِرَ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذَا المَكَانِ.
وعِنْدَ ذَلِكَ قَامَ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ إِلَى الصَّحِيفَةِ فَمَزَّقَهَا، ثُمَّ مَشَى إِلَى أُولَئِكَ الرَّهْطِ مِنْ قُرَيْشٍ الذِينَ أجْمَعُوا أمْرَهُمْ عَلَى نَقْضِ الصَّحِيفَةِ، فَلَبِسُوا السِّلَاحَ ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى بَنِي هَاشِمٍ وبَنِي المُطَّلِبِ فَأَمَرُوهُمْ بِالخُرُوجِ إِلَى مَسَاكِنِهِمْ، فَفَعَلُوا، وكَانَ خُرُوجُهُمْ مِنَ الشِّعْبِ في أَوَّلِ السَّنَةِ العَاشِرَةِ مِنَ البِعْثَةِ.
وَهَكَذَا أَسهَمَتْ السِّيَاسَةُ الحَكِيمَةُ بِفَضلِ اللهِ فِي الاعتِرَافِ بِحَقِّ هَؤلاءِ المَحصُورِينَ، وَخَرَجُوا تَحتَ حِمَايَةِ وَقُوَّةِ أَهلِ العَدلِ مِنَ الكَافِرينَ، وَكَانَ الإسلامُ قَد انتَشَرَ فِي الآفَاقِ بِسَبَبِ مَا كَانَ يَرَاهُ الحُجَّاجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِن ظُلمِ المَحصُورينَ، وَمَا سَمِعُوهُ مِن كَلِمَاتِ الصَّبرِ واليَقِينِ والثَّبَاتِ عَلى الدِّينِ، وَصَدَقَ اللهُ تَعَالى: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ).
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بالآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ، العزيزِ المَلكِ الحقِّ المُبينِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأَشهدُ أنَّ مُحمداً رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ، كَانَ عَزيزاً بربِّهِ، وعَلَّمَ أُمَّتَه العِزةَ، ورَضيَ اللهُ عَن أَصَحَابِهِ، (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، أما بعدُ:
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ .. وَهَكَذا نَرى الأَحدَاثَ والحِصَارَاتِ تَتَكَرَّرُ، ونَرَى الفِئامَ مِنَ شُعُوبِ المُسلِمِينَ تَتَضَرَّرُ، ويَرى العَالَمُ الظُّلمَ الوَاقِعَ فِي غَزَّةَ عَلى الشُّيوخِ والأَطفَالِ والنِّسَاءِ، ومَا يَفعَلُهُ اليَهُودُ المُجرِمُونَ مِن ظُلمٍ وبَطشٍ واعتِدَاءٍ، وَيَسمَعُونَ مِنهُم كَلِمَاتِ العِزَّةِ والثَّباتِ والإبَاءِ، مَعَ صُعُوبَةِ الأَمرِ وَشِدَّةِ البَلاءِ، فَتَعَاطَفَتْ الشُّعُوبُ، وَرَقَّتْ القُلُوبُ.
وهُنَا بَرَزَتْ السِّيَاسَةُ الحَكِيمَةُ لِلقَادةِ جَزَاهُم اللهُ خَيراً فِي هَذَا البَلدِ الأَمِينِ، فَأَلقَتْ بِثِقلِهَا السِّيَاسيِّ والاقتِصَاديِّ فِي دَعمِ قَضِيَّةِ المُسلِمِينَ، واستِثمَارِ هَذهِ الفُرصَةِ لإقنَاعِ الدُّوَلِ بالاعتِرافِ بِدَولَةِ فِلسطِينَ، خَاصَّةً مَعَ تَعَاطِفِ شُعُوبِهم بَل ومَطَالبَتِهم بِحَلٍّ لِهَؤلاءِ المَحصُورينَ، فَكَانَتْ الفَرصَةُ لِلحُكُومَاتِ بِاتِّخَاذِ القَرارِ الرَّصِينِ، ومُرَاضَاةِ شُعُوبِهم بالاعتِرافِ بِدَولَةِ فِلسطِينَ، فَأَصبَحَ مَوقفُ الدَّولَةِ الغَاصِبَةِ الظَّالِمَةِ وحُلفَائها ضَعيفٍ، أَمامَ العَالَمِ الذي استنكَرَ هَذَا الظَّلمَ والحَيفَ، فَشُكراً لِمَن كَانَ سَبَباً فِي هَذِا الحَدَثِ العَظِيمِ التَّاريخِيِّ، فِي الاعتِرَافِ بِفلسطينَ كَدَولَةٍ لَهَا حُقُوقُها وكَيَانُهَا الحَقِيقيِّ.
ولا زَالُوا قَادَتُنا وَفَقَّهم اللهُ يَسِيرونَ عَلى خُطَىً ثَابِتَاتٍ، يَعقِدُونَ الاجتِمَاعَاتِ والتَّحَالُفَاتِ، لِفَكِّ الحِصَارِ عَن المَظلُومِينَ وَإيصالِ المُسَاعَدَاتِ، فَهَا نَحنُ نَرى بَارِقَ الأَمَلِ فِي فَرَجٍ ونَصرٍ مُبينَ، لَيسَ لَهَذِهِ الفِئةِ مَنَ المَحصُورينَ، بَل هِي للأَجيَالِ القَادِمَةِ فِي فِلسطِينَ، فَهنيئاً لَكُم يَا أَهلَ غَزَّةَ: فَمَن مَاتَ مِنكُم مَاتَ إن شَاءَ اللهُ شَهيداً، وَمن عَاشَ فَسيَعِيشُ بِإذنِ اللهِ حَميداً، وَصَدَقَ اللهُ تَعَالى: (فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).
اللهم اجعل لإخواننا المسلمينَ من كلِ هَمٍ فَرجاً، ومن كلِ ضِيقٍ مخرجاً، رَبَّنا مَسَّهم الضرُ وأنت أرحمُ الراحمينَ، اللهم تولَّ أمرَ إخوانِنا في كلِ مكانٍ بلطفِك ورحمتِك وكرمِك إنكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، اللهم كنْ لهم وليّاً ونصيراً ومغيثاً وَظَهِيراً يا ربَّ العالمينَ، اللهم هيّئْ لهم أسبابَ النصرةِ والمناصرةِ والمؤازرةِ والتمكينِ في الأرضِ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بك يا ناصرَ المستضعفينَ، اللهمَّ انصر الإسلامَ والمسلمينَ، وأعل رايةَ الإسلامِ فوقَ كلِّ الراياتِ، اللهمَّ من أرادَ بأمةِ الإسلامِ سوءًا ومكراً فامكر به وخذه أخذَ عزيزٍ جبارٍ، اللهمَّ وأرنا فيه يوماً كيومِ فرعونَ وهامانَ وقارونَ، يا صاحبَ القوةِ والجبروتِ، اللهمَّ اجزِ وُلاةَ أَمرِنَا خَيراً عَلى مَا يُقَدِّمُونَهُ لِلإسلامِ والمُسلِمينَ، وفِي نُصرةِ قَضيَّةِ فِلسطينَ، اللهمَّ وَفِّقهم وسَدِّدهُم واكتُب لَهُم التَّوفِيقَ والسَّدَادَ، والإعَانةَ والرَّشادَ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، اللهمَّ ثبتنا بالقولِ الثابتِ في الحياةِ الدنيا وفي الآخرةِ، وأحسنْ عاقبتَنا في الأمورِ كلِّها، وأجرنا من خِزي الدُّنيا وعذابِ الآخرةِ.
المرفقات
1759324652_حصار غزة.docx
1759324659_حصار غزة.pdf
يوسف العوض
عضو نشطكفيت و وفيت جزاك الله خيرا
تعديل التعليق