حِماية حِمَى التوحيد
راشد بن عبد الرحمن البداح
حماية حِمى التّوحيد ( راشد البداح – الزلفي ) 23 جمادى الأولى 1447
الْحَمْدُ لِلهِ اَلْمُتَوَحِّدِ بِالْجَلَالِ بِكَمَالِ الْجَمَالِ تَعْظِيمًا وَتَكْبِيرًا. أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَقْدِيرًا وَتَدْبِيرًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُوَرَسُولُهُ؛ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا، صَلَّى اَللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيَكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اَللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَعْظَمُ مَا يُتَّقَى اَللهُ بِهِ إِقَامَةُ اَلتَّوْحِيدِ وَاجْتِنَابُ اَلشِّرْكِ، فَالتَّوْحِيدُ أَعْظَمُ اَلطَّاعَاتِ، وَأَهْلُهُ هُمْ أَحْسَنُ اَلنَّاسِ مَقَامًا عِنْدَ اَللَّهِ، وَالشِّرْكُ هُوَ أَقْبَحُ اَلسَّيِّئَاتِ، وَأَهْلُهُ هُمْ أَبْعَدُ اَلنَّاسِمِنَ اَللهِ.
نَعَمْ؛ لَقَدْ قَصَّرَ أُنَاسٌ مَعَ اَلتَّوْحِيدِ اَلَّذِي هُوَ حَقُّ اَللَّهِ عَلَى اَلْعَبِيدِ؛ فَتَقَاذَفَتْهُمُ اَلْأَهْوَاءُ، وَاسْتَوْلَتْ عَلَيْهِمُ اَلْفِتَنُ وَالْأَدْوَاءُ، فَمِنْهُمْ مَفْتُونٌ بِالتَّمَائِمِ وَالْحُرُوزِ، يُعَلِّقُهَا عَلَيْهِ وَعَلَى مَوْلُودِهِ وَمِرْكُوبِهِ وَمَسْكُوْنِهِ، بِدَعْوَى أَنَّهَا تَدْفَعُ اَلشَّرَّ، وَتَذْهَبُ بِالْعَيْنِ، وَتَجْلِبُ اَلْخَيْرَ، و(مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ).
فَيَا وَيْحَ مَنْ تَعَلَّقَ بِغَيْرِ اَللَّهِ أَوْ رَجَا غَيْرَهُ! شَرِبَ اَلْمُؤْمِنُونَ صَفْوًا، وشَرِبَ هُوَ كَدَرًا، وَدَعَوْا هُمْ رَبًّا وَاحِدًا، وَدَعَا هُوَ مِنَالأَرْبَابِ عَشْرَاً: (ءأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ). وَأَيْنَ عَابِدُ الأَمْوَاتِ مِنْ عَابِدِ الحَيِّ الذِيْ لَا يَمُوتُ: (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ).
قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي: يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ اليَوْمَ إِلَهًا؟ قَالَ: سَبْعَةً؛ سِتَّةً فِي الأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ. قَالَ: فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ. فَأَسْلَمَ حُصَينٌ().
إِلَّا أَنَّنَا مَدْعُوُّونَ لِنَغْرِسَ هَذِهِ اَلْمَعَانِيَ اَلْأَسَاسِيَّةَ فِي نُفُوسِ مَنْ تَحْتَأَيْدِينَا، وَنَزْرَعَ فِيهِمْ تَعْظِيمَ اَللَّهِ وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَأَعْظَمُ أَوَامِرِهِ التَّوْحِيْدُ، وَأَعْظَمُ نَوَاهِيْهِ الشِّرْكُ. وَإِذَا كَانَ اَللَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَمَرَ نَبِيَّهُ بِالْعِلْمِ بِالتَّوْحِيدِ فِي قَوْلِهِ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ} فَلَنَحْنُ مَأْمُورُونَ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَلِهَذَا مِنَ اَلْجَهْلِ أَنْ يَقُولَ اَلْقَائِلُ مِنَّا: فَهِمْنَا اَلتَّوْحِيدَ، فَلِمَاذَا يُكَرَّرُ فِي مَدَارِسِنَا وَمَسَاجِدِنَا؟!
أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: مِنْ مَسَائِلِ اَلتَّوْحِيدِ اَلْمَغْفُولِ عَنْهَا: مَسْأَلَةُ سُوءِ اَلظَّنِّ بِاَللَّهِ مِنَ: {اَلظَّانِّينَ بِاَللَّهِ ظَنَّ اَلسُّوءُ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ اَلسُّوءِ}. فَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ حِينَ يَرَى جَوْلَةَ اَلْبَاطِلِ، وَضَعْفَ اَلْحَقِّ يَظُنُّ دَوَامَ عُلُوِّ اَلْبَاطِلِ،وَاضْمِحْلَالَ اَلْحَقِّ، وَهَذَا سُوءُ ظَنٍّ بِاَللَّهِ، لَا يَلِيقُ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ.
وَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ حِينَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ اَلْمَرَضُ أَوْ اَلْفَقْرُ يَظُنُّ بِاَللَّهِ ظَنَّ اَلسَّوءِ، فَيَسْتَبْعِدُ أَنَّ اَللَّهَ سَيُغَيِّرُ مَا بِهِ مِنْ شِدَّةٍ، وَهَذَا لَا شَكَّ قَادِحٌ للتَّوْحِيدِ فَادِحٌ.
وَانْظُرْ لِحَالِكَ كَيْفَ لَوْ أُسِيءَ اَلظَّنُّ بِكَ؛ كَمْ سَتَغْضَبُ وَتُنْكِرُ ذَلِكَ؟ وَأَنْتَ أَهْلٌ لِكُلِّ نَقْصٍ، فَكَيْفَ تُسِيءُ ظَنَّكَ بِرَبِّكَ، وَهُوَ أَهْلٌ لِكُلِّ صِفَاتِ اَلْكَمَالِ؟!
وَفِي كِتَابِ اَلتَّوْحِيدِ لِلْإِمَامِ اَلْمُجَدِّدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلْوَهَّابِ –رَحِمَهُ اَللَّهُ- قَدْعَقَدَ بَابَاً بِعُنْوَانِ: بَابُ مَا جَاءَ فِي حِمَايَةِ النَّبِيِّ-صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِمَى اَلتَّوْحِيدِ وَسَدِّهِ طُرُقَ اَلشِّرْكِ. وَقَصْدُهُ: (أنّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-سَدَّ الوَسَائِلَ التِيْ تُؤَدِّيْ إِلَى الشِّرْكِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ مِنَ الشِّرْكِ؛احْتِيَاطاً للتَّوْحِيْدِ)().
وَإِلَيْكُمُ قِصَّةً قَصِيْرَةً تُؤَكِّدُ أهَمِّيَّةَ حِمَايَةِ حِمَى التَّوْحِيدِ: فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: عَنِ المُسَيِّبِ، أَنَّهُ فَيْمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: لَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ أُنسِينَاهَا فَلَمْ نَقْدِرْعَلَيْهَا().
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: فَكَانَ خَفَاؤُهَا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ -تَعَالَى-، فَلَوْ بَقِيَتْ ظَاهِرَةً مَعْلُومَةً لَخِيْفَ مِنْ تَعْظِيمِ الْجُهَّالِ إِيَّاهَا().
ثُمَّ فِي عَهْدِ عُمَرَ -رَضِىَ اللهُ عَنْهُ- فُتِنَ نَاسٌ بِهَا مَرَّةً أُخْرَى، فَأَمَرَ عُمَرُبِقَطْعِهَا، قَطْعَاً لِذَرِيْعِةِ الشِّرْكْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوَا يَذْهَبُونَ، فَيُصَلُّونَ تَحْتَهَا، فَخَافَ عَلَيْهِمُ الْفِتْنَةَ(). فاللهم أَحْيِنَا عَلَى التَّوْحِيدِ وَأَمِتْنَا عَلَى التَّوْحِيدِ، وابْعَثْنَا عَلَيْهِ.
الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِيْ هَدَانَا لِنِعْمَةِ الْإِسْلَامِ وَالتَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ الْبَيْضَاءِ، وَالصَلَاَةُ وَالسَلَاَمُ عَلَى إمَامِ الْحُنَفَاءِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا الْمُوَحِّدُ الْمُفَارِقُ لِلشِّرْكِ وَأهْلِهِ، وَيَا أَيُّهَا السُّنِّيُّ الْمُفَارِقُلِلْبِدْعَةِ وَأهْلِهَا: هَلْ شَعُرْتَ بِنِعْمَةِ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ، بِبَلَدِ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ؟!
هَلْ قَدَّرْتَ النِّعْمَةَ الْكُبْرَى بِبِلَادِنَا أَنَّنَا –بحَمْدِ اللهِ- نَدْخُلُ الْمَسَاجِدَوَالْمَقَابِرَ، فَلَا نَرَى مِنْ علَائِمِ الشِّرْكِ وَالْبِدْعَةِ شَيْئًا؟!
هَلِ اِسْتَحْضَرْتَ عَظِيمَ فَضْلِ اللهِ عَلَيْكَ، بِأَنَّ جَنَّبَكَ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ،وَالتَّوَسُّلَ بِالصَّالِحِينَ وَالْمَقْبُورِينَ؟!
وَهَلْ تَدْعُو بِدُعَاءِ أَبِيْكَ الثَّالِثِ إِبْرَاهِيْمَ -عَلَيْهِ السُّلَّامَ- فَتَقُولُ:{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: (دَخَلْتُ يَوْمًا عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا -وَقَدْ حَصَلَ لَهُ وَجْدٌ أَبَكَاهُ- فَسَأَلَتْهُ عَنْهُ، فَقَالَ: ذَكَرْتُ مَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَيَّ مِنَ السُّنَّةِ وَمَعْرِفَتِهَا، وَالتَّخَلُّصِ مِنْ شُبَهِ الْقَوْمِ، وَقَوَاعِدِهِمُ الْبَاطِلَةِ، فَسَّرَنِيْذَلِكَ، حَتَّى أَبَكَانِيَ)().
• فاللهم لَكَ الحَمْدُ عَلَى نِعْمَةِ التَّوْحِيْدِ وَالسُّنَّةِ، بِبِلَادِ التَّوْحِيْدِوَالسُّنَّةِ.
• اللهم ثَبِّتْنَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ نَلْقَاكَ، وَعُمَّ بِالتَّوْحِيْدِ وَالسُّنَّةِأَوْطَانَ المُسْلِمِيْنَ.
• اللهم كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ فلاَ تَنْزِعْهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمونَ.
• اللهم اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَلْقَاكَ لَا يُشْرِكُ بِكَ شَيْئَاً.
• اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا أغَنْى خَلْقِكَ بكَ، وأفْقَرَ خَلْقِكَ إليْكَ.
• اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.
• اللهم وفِّقْ إِمَامَنَا خَادِمَ الحَرَمَينِ الشَّرِيْفَيْنِ، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا فِيْهِ عِزُّ الإِسْلامِ وَصَلاحُ المُسْلِمِيْنَ. وَارْحَمْ وَالِدَهُمُ الإِمَامَ المُؤَسِّسَ، وَالإِمَامَ المُجَدِّدَ.
• اللهم احْفَظْ أَمْنَنَا وَإيْمَانَنَا وَجُنُودَنَا وَحُدُوْدَنَا، وَمُقَدَّسَاتِنَا وَقُدْسَنَا.
• اللهم يَا ذَا النِّعَمِ الَّتِيْ لا تُحْصَى عَدَدًا: نَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ وَتُسَلِّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ أَبَدَاً.
المرفقات
1763007075_حماية حمى التوحيد.pdf
1763007075_حماية حمى التوحيد.docx